عم فتح الله محروس نبع الحياة والنضال.. والبحث الدءوب عن عدل دائم

97

مثل نبع مياه، سلسال متدفق رقراق، ننهل منه جميعا ونرتوى. مثل نبع حياة يعطيك الأمل، مثل شلال هادر مقاوم صلب بطل فى وجه الظلم والاستغلال والاستبداد، عم فتح الله محروس. بابتسامته الهادئة المتسامحة المتصالح مع نفسه والراضى عن حياته، رحل عنا بعد أن سأل عنا جميعا، واطمأن علينا جميعا، على إخوته وأخواته وأولادهم وبناتهم، وعلى المئات والآلاف من رفاقه وأبنائه وبناته الذين تعلموا منه وتربوا على يديه، تعلموا منه استكمال مسيرة النضال وسط الشعب والعمال.
منذ طفولته ووصوله مع عائلته إلى الإسكندرية آتيا من صعيد مصر، من قنا، بملامحه المصرية الأصيلة، ولون بشرته السمراء بلون النيل وأرضِك يا مصر، حاملا فى قلبه حبا كبيرا للبشر والوطن. شارك بسواعده فى العمل والإنتاج منذ سن العاشرة، ومنذ تلك الأيام المبكرة تجده مدافعا عن مصالح زملائه من العمال. ويدخل السجن بين الجدران والحجرات المظلمة ويخرج أقوى من سجانه والابتسامة لا تفارق وجهه، والأمل والتفاؤل شعار حياته.
هذا المناضل الكبير الذى انتهز فرصة سجنه الطويل منتصف الخمسينيات لمحو أميته فى القراءة والكتابة، ما زال صوته يرن فى آذاننا جميعا، يحثنا على استمرار مسيرة الحركة العمالية، والتى كان يحكى دائما أنها بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر مع إضراب ثم إنشاء نقابة عمال لفائف السجائر.
ما زال صوته يرن فى آذاننا جميعا وهو يتكلم عن العمال اليونانيين الذين تضامنوا مع احتجاج عمال النقل فى الإسكندرية، يتكلم عن خميس والبقرى وشهدى عطية الذين قدموا أرواحهم فداءً لتحسين أحوال العمال وسط ظروف التحدى للقهر والظلم والاستغلال.
شارك بدور بارز فى تأسيس الحركة النقابية العمالية بين شركات الغزل والنسيج من خلال عمله فى شركة سباهى بالإسكندرية منذ أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات حتى اعتقل بسببها فى عام 1973 ولمدة عامين.
عم فتح الله محروس جال مصر بأفكاره ونضاله برا وبحرا وصار رمزا من رموز الحركة النضالية العمالية. شارك فى تأسيس اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية فى عام 2001. ورغم تقدمه فى العمر تجده بيننا فى اجتماعاتها الشهرية، يجيء من الإسكندرية للقاهرة، أول الحاضرين، والمرحبين، بنظرة عينيه المشعة أملا وتفاؤلا وحنانا. دءوبا مثابرا ينقل لنا خبراته عبر سنوات نضاله ويضعنا على الطريق الصحيح برأيه الصائب.
شارك معنا فى تأسيس لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة منذ بدايتها، ولم يغب عن نشاطها وبالذات عن جميع وقفاتها الاحتجاجية أمام مجلس الشعب، من أجل رفض خصخصة الصحة ومن أجل تأمين صحى اجتماعى شامل لكل المصريين ضد كل الأمراض.
شارك بكل حماس فى ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 وكان موجودا دائما إما معنا فى الميدان فى القاهرة أو فى الإسكندرية يبث الحماس والأمل والصلابة والتفاؤل. أسس مع رفاقه ورفيقاته من الشباب والشابات بعد الثورة المؤتمر الدائم لعمال الإسكندرية ليضع لنا نموذجا عمليا للنضال معا، للدفاع عن مصالح العمال والدفاع عن المصانع التى بناها العمال بعرقهم، والدفاع عن فتح المصانع المغلقة وتشغيلها، والدفاع عن حرية العمال فى تكوين نقاباتهم المستقلة وعن حرية الإضراب وفق الدستور وكل المواثيق والمعاهدات الدولية.
عم فتح الله محروس، شاب رحل عنا بجسده فى الثمانين من عمره، ولكنه لآخر نبض فى قلبه وآخر نفس فى صدره حدثنا فى آخر ندوة حضرها وقام بتقديمها عن حملة الدفاع عن الحريات النقابية قبل رحيله بأسبوع. وارتفع صوته بيننا وكأنه يسلمنا الراية من أجل الاستمرار فى تحقيق شعار جبهة نضالية عمالية من أجل الحريات النقابية ومن أجل قانون عمل عادل ومن أجل حق العمال فى التأمينات والمعاشات بما فيها التأمين الصحى، ومن أجل وحدة الحركة العمالية.
عم فتح الله: بكل الحب والامتنان والحزن والألم الذى يعتصر قلوبنا على رحيلك نعدك جميعا أننا سنحافظ على راية نضال العمال خفاقة عالية عبر السنوات وسنسير بها وأنت بيننا من أجل حياة كريمة لمن يبنى بسواعده وعرقه مصرنا الغالية. إن كل الحروف والكلمات بكل معانيها وروعتها لا تكفى للتعبير عن إخلاصك ونضالك ووفائك يا عم فتح الله. عاش كفاح الطبقة العاملة المصرية.

د. كريمة الحفناوى

التعليقات متوقفه