البطالة ووسائل الإعلام وراء الانهيار الأخلاقى للشارع.. باحثون: ضرورة تجديد الخطاب الدينى والثقافى وهيكلة المنظومة التعليمية

122

“إنِّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ….. فَإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ذَهَبُوا” بيت لأمير الشعراء أحمد شوقي الذي تحدث فيه عن أهمية الأخلاق فى المجتمع، فهي وثيقة لتحديد المعايير الأخلاقية والسلوكية والمهنية المطلوب أن يتبعها جميع أفراد المجتمع، وحثت عليها جميع الأديان السماوية، ويشهد الشارع المصري مؤخرا حالة من الانهيار غير الأخلاقي، فى التعاملات اليومية والتراشق بالألفاظ البذيئة للتعبير عن الغضب، وارتفاع معدلات الجريمة، فحاولت الأهالي الوصول لبعض الأسباب التي أدت لهذا الانهيار، وذلك من خلال بحث وتحليل ودراسة ما يحدث فى الشارع، علاوة عن دور وسائل الاتصال، وتراجع الدور الثقافى للسينما، فضلا عن خلل العلاقات الاجتماعية والأسرية، وانقسام المجتمع لفئات متعددة.
ضبط اجتماعي
ومن جانبه أوضح الدكتور “حسن الخولي” أستاذ علم الاجتماع و الانثروبولوجيا بجامعة عين شمس، أن أسباب الانهيار الأخلاقي هي تراكمات سنوات طويلة وظهرت بشكل كبير وواضح بعد الثورة، نظرا لانفراط المنظومة الأمنية ووسائل الضبط الاجتماعي فى ظل توقف القانون، فضلا عن غزو ثورة الاتصال التي تشمل الانترنت والفضائيات والسينما، فهناك مشاهد واضحة على شاشات التليفزيون تحرض على العنف والتخلي عن العادات والتقاليد فى ظل غياب الرقابة، وتحت مسمى الحرية، ولكن تحمل فى مضمونها هدم للأخلاق والقيم، مشيرا إلى أن كيفية المعالجة تتمثل فى عدة عوامل، أولا التزام الإعلام بالمواثيق الأخلاقية، وتوجيه رسائل هادفة تخلو من السلبيات، ثانيا تنشيط دور الثقافة من خلال التوجيه والإرشاد والندوات التثقيفية، فضلا عن ضرورة وجود أنشطة ثقافية فى النوادي ومراكز الشباب، ثالثا هيكلة منظومة التعليم لكي تقدم الدور المنوط بها، رابعا دور المؤسسات الدينية “الأزهر والكنيسة” فى تجديد الخطاب الديني، لان المجتمع فى المرحلة الانتقالية دائما يعيش فى حالة عدم اتزان، ولكنه يحتاج إلى بعض الوقت لاستعادة الأخلاقيات مرة أخرى.
انعدام القيم
وتحليلا لهذا ترى الدكتورة “أمل محسن” الاستشاري النفسي وعضو زمالة المجلس الأمريكي للمستشارين النفسيين، أن الانحدار اللا أخلاقي الذي وصل إليه المجتمع يرجع للخلل الاجتماعي والأسرى وانعدام القيم والتقصير فى التربية السليمة، من خلال التعامل وتدني مستوى الحوار من الأهل فينعكس ذلك على الشارع، فضلا عن انعدام القيم الدينية، مشددة على ضرورة أن تظل الأسرة دائما مثلا أعلى لأبنائها، وتوجيههم نحو “العيب والحرام”، موضحة أن وسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا وخطيرا تجاه المجتمع من خلال تعمد تصدير الجوانب السلبية فى المجتمع، وإلقاء الضوء على الجرائم وما يثير فضول الشارع، والإغفال عن تقديم النماذج الناجحة فيه، حتى أصبحت الفضائح مكسبا للفضائيات.
الخطاب الديني
دائما ما تجد المؤسسات الدينية ليست بمعزل عن ما يحدث فى المجتمع من انفلات أخلاقي وديني وثقافي، لان الأزمات الاجتماعية هي واحدة من أهم الآمال المنعقدة دائما على رجال المؤسسات الدينية بما لديهم من مكانة فى قلوب الناس، وبما يمتلكونه من دماثة خلق ومعرفة بصحيح الأديان، ولكن تبقي مقدرة القائمين على تلك المؤسسات فى إقناع المجتمع من خلال إرشادهم وتوجيههم ووعظهم، واحدة من الأشياء المفقودة فى عصرنا الحاضر، ومن جهته أكد الدكتور “محمد الشحات الجندي” عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تجديد الخطاب الديني الذي دعا إليه الرئيس السيسي له دور كبير فى معالجة ما يجري فى الشارع، من خلال تقديم الأسلوب البسيط الذي يقوم على التفاؤل، ويقدم حلولا لهموم المواطن، ويكسر الحواجز بين المجتمع ورجال الدين، وهذا جزء كبير من إصلاح المجتمع، ولكنه يحتاج لمزيد من الوقت، علاوة على ضرورة التجديد الثقافى والإعلامي معا حتى يكون خطابا هادفا وواضحا، مضيفا لابد وأن يبقى هذا التجديد تحت مظلة مؤسسة الأزهر، وتابع “عضو مجمع البحوث الإسلامية” أن البطالة أيضا واحدة من أهم الأسباب للتفكك الاجتماعي وتدهور القيم، ونتيجة لذلك يلجأ الشباب إلى قتل الوقت على المقاهي أو اللجوء إلى الحياة الخيالية المتمثلة فى مواقع التواصل الاجتماعي، والأمر الذي قد يؤدي به فى النهاية إلى ترك العادات والتقاليد، والانغماس فى الثقافات الأخرى.
ثورة أخلاقية
وفى سياق متصل أشار”مظهر شاهين” الداعية الإسلامي، أن الشارع المصري بحاجة إلى ثورة أخلاقية لكي يعود التوازن والآداب العامة مرة أخرى من خلال إلقاء الحوار وقبول الرأي الأخر، فى جميع المجالات الدينية، السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية، القائم على الاحترام المتبادل، وذلك للتغلب على هذه الظواهر وغيرها، للنهوض بالمجتمع، فضلا عن تكثيف دور المؤسسات الدينية من خلال إعطائها المزيد من الجهد والتعاون، حتى لا نترك الساحة لغير المختصين بالتلاعب بالمجتمع تحت أي مسمى.
انهيار الثقافة
كان للسينما المصرية دور كبير فى تحول الشخصية من خلال التوعية والتلقين والتعلم والمعرفة، فضلا عن تأثيرها على الطبقات الأمية، ومن جهتها أشارت “ماجدة موريس” الكاتبة والناقدة السينمائية، إلى أن السينما ليست صانعة للانفلات الأخلاقي، وغير قادرة على ذلك، ولكنها ترجع لأسباب اجتماعية وسياسية أخرى، مؤكدة أن إغلاق المؤسسة العامة للسينما فى عهد الرئيس السابق”السادات” كانت سببا فى فتح المجال أمام بعض المنتجين للعمل فيما يريده، ولم يحق لأحد أن يفرض عليه أفكارا وأعمالا معينة، وأشارت “الناقدة السينمائية” إلى أن أفلام الخمسينيات والستينيات كانت تعبر عن مجتمع مختلف غير الذي نعيش فيه الآن، وبدأت بعد ذلك موجة الواقعية فى الثمانينيات، مشيرة إلى أن بعض السينمائيين حاليا يقدمون قبح الواقع نقلا عن الشارع دون حس فني وبلاغي وتعبير سينمائي، ودون رسائل مختلفة تدين هذا القبح وتجمله، وبالتالي ينعكس على الشارع.

التعليقات متوقفه