فى تونس.. شكرى بالعيد وقاتله المجهول

25

فى الذكرى الرابعة لاغتيال المناضل التونسي “ شكري بالعيد “ 48 عاما التي حلت أمس الأول، تظاهر أصدقاء ورفاق المناضل الراحل الذي يعد خصماً شرساً لحزب النهضة الإسلامي للمطالبة بالكشف عن قاتليه ومحاكمتهم، ونقدهم للتباطؤ فى إجراءات المحاكمة، التي يخضع لها منذ عام ونصف العام 24 مشتبهاً فى تورطهم فى حادث الاغتيال وفى المقال التالي يكتب الشاعر والكاتب التونسي الكبير منصف المزغني عن القاتل المجهول لمعارضي حزب النهضة.

1-
انقلب صباح الأربعاء 6 فبراير 2013 التونسي البارد الى حرارة قاتلة بعد رصاصة استقرت فى رأس الزعيم السياسي شكري بالعيد الذي كان قبل اغتياله فى قناة «نسمة» التونسية، حيث أعلن ان تيار الإخوان المسلمين يشرّعون للاغتيال السياسي من خلال مساندة جماعات مسلحة أوكلت لنفسها مهمة حماية الثورة.
فى تلك الأيام من حياة تونس السياسية، كانت عبوة الحزن جاهزة فى صدور الناس للانفجار الشعبي، فى وجه حكومة الترويكا بقيادة حزب النهضة الإخوانية وسياستها ذات الأداء الغشيم فى قيادة الدولة بروح من التهافت والجوع الى الحكم بلا أدنى خبرة بشئون الدولة وبلا فهم لشعب المنتخبين الذي تصور أنهم «الأيادي النظيفة» المتدينة التي ستخلص البلاد من الفقر والبطالة والجوع ومن أوساخ النظام المخلوع. وكانت حكومةُ الترويكا رأسًا وجناحيْن، وكانت النهضة فَمَ السلطة و أسنانها ولسانها.
2-
كان الاتحاد العام التونسي للشغل هيّأ الاضراب العام بعد جنازة شكري بالعيد الشعبية التي لم تعرف تونس نظيراً لها منذ اغتيال النقابي فرحات حشاد زمن الاستقلال 1952، وتمّ تأمين سلامة الجنازة بالعيد وجمهورها الغفير من قبل القوات المسلحة، وكانت الأحزاب التونسية حاضرة فى هذه الجنازة التظاهرة الشعبية (باستثناء وجوه الاخوان المسلمين الذين كان مجرد حضورهم يستدعي طردهم من المقبرة).
وحدثت لشكري بالعيد أكثر من جنازة رمزية فى المدن والقرى التونسية. وهذا يعود الى أن الرصيد الشعبي للفقيد، وصراحته الجارحة فى فضح أوراق شئون الحكم الإخواني وكواليسه وكوابيسه، وهذا أيضاً هو ما دعا كبريات السفارات الأجنبية بتونس الى التفاعل بالتنديد ومحاولة التلصص على الطرف المستفيد، والطرف الفاعل والمنفذ، والمنتفعين على المدى القريب أو المتوسط اوالبعيد.
3-
لم يكن ممكناً لدم شكري بالعيد أن يجري مثل أي دم عادي، فقد صار دَمُه موضوع القاصي والداني، وندّد الجميع بالجريمة حتى فقدت لغةُ التنديد والاستنكار كل قدرة على البريق والاحترام ولفت الأنظار، فلم يبق أحدٌ قادرٌ على أن يثير أحداً وهو يستنكر فى هذا الطابور الذي راْسه يبدأ من احزاب اليسار المتطرف وصولاً الى الإخوان المسلمين أيْ مروراً بالرمز اليساري «حمة الهمامي» وصولاً إلى : الزعيم الإخواني راشد الغنوشي الذي ألحّ على وجوب أن يكون مقتل شكري بالعيد فرصة للتوحد الوطني وليست للفرقة والخلاف، والمنصف المرزوقي الرئيس الموقوت يومذاك، الذي أعلن الحداد الوطني، وزار قبر شكري بالعيد فجراً، وذلك خوفاً من الحشود الشعبية وتحاشياً لعواقب هذا الظهور مثل الإهانة و الطرد والإذلال، والمنظمات الحقوقية، واكبت الحدث ونددت وصرخت وعبرت عن استنكارها وضرورة التقصي فى هوية القاتل، وحتى ذلك اليوسف القرضاوي استنكر بشاعة العملية ودعا إلى معاقبة القتلة.
4-
– ها إن ذكرى الاغتيال السنوية الرابعة حلت دون أن يُحلَّ لغز الجريمة السياسية أو تفكَّ طلاسمها فلا الحكومات المتعاقبة استطاعت أن تعرف من قتل شكري بالعيد. الشارع التونسي بشعاراته الحماسية، وفى شقه اليساري والقومي والليبرالي متأكد من أن الإخوان المسلمين فى تونس ضالعون فى هذه الفعلة التي تطل برأسها كل عام،ولكن دون جواب صحيح قانوني يحيل القاتل على المحكمة، ودون معرفة متأكدة من هوية القاتل،وكان رموز النهضة يدافعون عنها ويدفعون عنها التهمة: كيف يمكن للنهضة أن تكون ضالعة فى قتل شكري بالعيد، وهي فى الان نفسه ماسكة لزمام الحكم؟ هل يعقل للنهضة الحاكمة أن تفسد اللعبة السياسية على نفسها ؟ ويأتي الرد بأنّ للسياسة كلها طرقات وأنفاقاً ودهاليز ومسارح وكواليس.
5-
من قتل شكري بالعيد؟
لعل هذا السؤال خسر جوابه، بطول المدة ولعله ضاع فى سلسلة من الالتباسات، فصار دم شكري بالعيد معلقاً الى غاية اليوم، لا يجفّ ولا يكفّ عن نزف الأسئلة. فلقد تفرق الجواب عن السؤال بين أكثر من طرف:
هناك من يتهم الغنوشي، و من يُشير إلى جهات ومخابرات أجنبية أو شقيقة، و من يشير إلى الباجي قايد السبسي، وهناك من يشير إلى مخابرات صديقة أو شقيقة، وعملت بعض الأجهزه الأمنية على إحداث قائمة تضم ثلاثين قاتلاً محتملاً، وهناك من يقول إنه يعرف القاتل ولكنه يخشى انفجار الأوضاع، وحفظاً لسلامة الوطن، فإنه يتحفظ، وهناك من يريد أن يلفت إليه النظر فيقول إن داعش هي القاتلة، وتحلو القصة لداعش فتتبنى العملية، ولكن لا أحد بات يصدق، أو جاهزاً للتصديق أو التحقيق فى اغتيال شكري بالعيد، بعد أربع سنوات كانت مليئة بمسلسل الاٍرهاب والتهريب، فتونس الآن معنية فى هذا المسلسل بالإجابة عن أسئلة مثل : هل يعود الجهاديون السلفيون المولودون بتونس من ليبيا والعراق وسوريا الى تونس أم لا؟
أما دم شكري بالعيد، فهو ما زال قيد التحقيق، والتحقيق له لجنة، واللجنة لها رئيس، وأمين سر، وأعضاء. وهي منكبة على دم الفقيد أو الراحل او القتيل أو الشهيد شكري بالعيد.

منصف المزغنى

التعليقات متوقفه