قبيل لقاء ترامب – نتنياهو اليوم فى البيت الأبيض.. تراجع محدود فى الموقف الأمريكى من الاستيطان ونقل السفارة إلى القدس

247

اليوم يلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى البيت الأبيض، وكان آخر لقاء بينهما فى نهاية شهر سبتمبر الماضي، أي قبل فوز ترامب بالرئاسة بحوالي ستة أسابيع.. وقبل اللقاء بين نتنياهو وترامب صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي فى اجتماع لمجلس الوزراء الأمني يوم 11 فبراير بأن هؤلاء الذين يتصورون أنه لن تكون هناك قيود على بناء المستوطنات فى الضفة الغربية فى عهد إدارة الرئيس الأمريكي الجديد.. على خطأ. وحذر من حدوث أية مواجهة مع ترامب. وقال إنه يجب أن يُحسب حساب لشخصية الرئيس الأمريكي.. ويتردد فى الدوائر الإسرائيلية أن ترامب كان قد وجه سؤالا إلى نتنياهو، خلال مكالمة تليفونية فى 22 يناير الماضي، حول الكيفية التي يعتزم بها التوصل إلى اتفاقية سلام نهائي مع الفلسطينيين.
ومنذ الآن.. تتركز مراوغات ومناورات نتنياهو على اعتبار أن الأولوية فى محادثاته مع ترامب يجب أن تدور حول إيران وليست فلسطين مع تحميل المسئولية للقيادة الفلسطينية فى عدم التوصل إلى تسوية حتى الآن.

قانون «شرعنة المستوطنات» يشمل الاعتراف بالمستوطنات، حتى التي أقيمت بطريقة غير قانونية من وجهة النظر الإسرائيلية وبدون ترخيص إسرائيلي، كما يجيز هذا القانون مصادرة أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة إذا شيدت فوقها مستوطنات سواء برغبة المستوطنين أو بسبب تشجيع الحكومة الإسرائيلية، وبالتوازي مع ذلك تصدر تراخيص بناء بأثر رجعي للمباني الاستيطانية التي أقيمت على هذه الأراضي بدون ترخيص.
وسوف « يشرعن « القانون الجديد أكثر من أربعة آلاف مبنى استيطاني ويكرس مصادرة 8183 دونما ( نحو 800 هكتار) من الأراضي الفلسطينية الخاصة.
ويسيطر المحتلون الاسرائيليون على نحو 60 فى المائة من مساحة الضفة الغربية، كما تخضع المنطقة (ج) التي نصت عليها اتفاقية أوسلو لسيطرة مدنية وعسكرية إسرائيلية كاملة ويوجد الأن فى الضفة الغربية ما يزيد على 750 ألف مستوطن إسرائيلي.
سابقة خطيرة
وهذا القانون يشكل سابقة خطيرة، لأنها المرة الأولى التي يقر فيها الكنيست الإسرائيلي بتشريع مستوطنات على أراض فلسطينية خاصة فى الضفة الغربية.
وأعلنت «القائمة العربية المشتركة» ، التي تضم أربعة أحزاب عربية فى الكنيست أن القانون الذي أطلق عليه اسم « تسوية الاستيطان « رسالة واضحة للعالم أجمع بأن إسرائيل ماضية فى سياسة الاحتلال والاستيطان والحرب، وأضافت أن القانون الغاشم العنصري الذي يشرعن جرائم الاحتلال وينهب الأراضي الفلسطينية وضع حداً نهائياً للخيار السلمي، وسد الأفق أمام إمكانية استقلال الشعب الفلسطيني ومنح الشرعية للنهب والسلب.
وكما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس فإن هذا التشريع يجيز سرقة الأراضي الفلسطينية الخاصة لمصلحة المستوطنين ويشرع بأثر رجعي البناء الاستيطاني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية.
شرعنة السرقة
وهذا القانون يعني ضم الأراضي المحتلة لإسرائيل بحكم الأمر الواقع، كما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
والمعروف أن هناك خططاً جاهزة لبناء 11 ألف وحدة فى أحياء استيطانية شرق القدس.
وهناك خطط تم الإعلان عنها لإقامة أكثر من ستة آلاف وحدة سكنية فى مستوطنات الضفة الغربية.
وحتى اسحاق هيرتسوج، رئيس تحالف « المعسكر الصهيوني « صرح بأن هذا القانون يعد بمثابة ضم فعلي للأراضي المحتلة.. لإسرائيل.
وخلاصة القول أن ما يسمى بتنظيم الوضع القانوني للبؤر الاستيطانية العشوائية فى الضفة الغربية والمعروف باسم « قانون التسوية « ليس إلا خطوة لإضفاء الشرعية على سرقة الأراضي الفلسطينية من خلال عمليات نهب وبلطجة، حيث إن جميع المستوطنات غير قانونية وتشكل جريمة حرب وتتعارض مع القانون الدولي.
توقيت محرج
كان ينيامين نتنياهو يرغب فى تأجيل التصويت فى الكنيست الإسرائيلي إلى ما بعد اجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولكن « نفتالي بينت « رئيس حزب « البيت اليهودي « ووزير التربية والتعليم، هدد بالانسحاب من الحكومة وإسقاط الائتلاف الحكومي.
لم يكن نتنياهو يرغب فى أن يفاجئ ترامب قبل اللقاء بينهما، ولكنه فى موقف ضعيف بسبب التحقيقات التي تجرى معه وتتعلق بالفساد.
وهناك من الدلائل ما يشير إلى قلق داخل مسئولي البيت الأبيض، لأن نتنياهو لم ينتظر مقابلة الرئيس ترامب قبل أن يتخذ قراراته بشأن الاستيطان. وربما يشعر بعض هؤلاء المستولين بالمسئولية نظراً لصدور تصريحات أمريكية سابقة مفادها أن المستوطنات ليست عقبة فى طريق السلام !!.
حكاية إيران
سبق اللقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى البيت الأبيض.. حديث تليفوني بينهما. وتركزت المحادثة وفقاً لما قاله نتنياهو حول « التهديد الإيراني بتدمير إسرائيل وطبيعة الاتفاق النووي والمخاطر التي ينطوي عليها « !! وأضاف نتنياهو أن حكومته ستتخذ جميع الإجراءات لمنع إيران من الحصول على ما تحتاج إليه من أجل تطبيق نواياها المعلنة تجاه إسرائيل» !.
وكان رئيس « الموساد « المخابرات الإسرائيلية « يوسي كوهين « والقائم بأعمال رئيس هيئة الأمن القومي فى ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية « يعقوب ناجل « قد قاما قبل أكثر من اسبوعين بزيارة سرية لواشنطن وبحثا مع كبار مستشاري الرئيس الأمريكي ترامب الملفات المتعلقة بإيران وسوريا وفلسطين.
كذلك سبقت زيارة نتنياهو لواشنطن.. محادثات مع رئيسة الحكومة البريطانية « تيريزا ماي « ووزير خارجيتها بوريس جونسون. وطبقا لتصريحات نتنياهو فإن تلك المحادثات تناولت « توثيق العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية بين البلدين وضرورة الوقوف معاً فى وجه النهج العدائي والاستفزازي الإيراني « ! وقال إن إيران تسعى لتدمير إسرائيل وأكد، خلال زيارته للندن، رفضه الالتزام بحل الدولتين.
مناورة مكشوفة
وتشير كل المعلومات التي تدور حول محادثات نتنياهو مع ترامب إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يريد أن يستثمر تجربة إطلاق الصاروخ الباليستي الإيراني الأخير لمطالبة الرئيس الأمريكي باعادة فرض العقوبات على إيران مع إضافة شكواه من «المساعدة التي تقدمها طهران إلى منظمات إرهابية».
والمعروف أن التجربة الإيرانية لا تشكل خرقاً للاتفاق النووي الموقع فى فيينا بين إيران والدول الست الكبرى فى يوليو 2015، ولكن إسرائيل تعتبر تلك التجربة مخالفة لقرار مجلس الأمن بمنع تجارب مماثلة.
والواضح أن نتنياهو يريد أن يعطي الانطباع للرئيس الأمريكي بأن إيران هي القضية التي يجب أن تكون لها الأولوية وأن قضية فلسطين لا تستحق أن تكون محور اهتمام البيت الأبيض، وأنه حتى إذا كانت هناك قضية بهذا الاسم، فإن مكانها الوحيد هو المفاوضات المباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وهي مفاوضات يمكن أن تشارك فيها إسرائيل لعشرات السنين دون أن تقدم شيئا،حيث إنها لا تعترف بالقرارات الدولية أو بأي حقوق للشعب الفلسطيني أو بأنها دولة احتلال.
وقد اعتبر نتنياهو أن مؤتمر السلام الدولي فى باريس حول القضية الفلسطينية مجرد « خدعة فلسطينية برعاية فرنسية « وأنه « مؤتمر عبثي «. وقال إنه ينتظر تسلم ترامب لمهام منصبه لإنقاذ إسرائيل من وجع الرأس الذي اسمه عملية السلام مع الفلسطينيين !!.
وتقول صحيفة « هآرتس « الإسرائيلية أن نتنياهو قام بتوظيف كل طاقاته لإحباط المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين المرة تلو الأخرى. وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتقد أنه قادر على أن يكبح بالقوة أو بمساعدة الرئيس الأمريكي الجديد، أي تحرك دولي يحاول إنقاذ العملية السياسية مع الفلسطينيين، وذلك من خلال تصوير إسرائيل كدولة يطاردها الذين يريدون بها السوء !
تراجع محدود وجزئى
هل هناك جديد فى الموقف الأمريكي مع حلول موعد لقاء الرئيس ترامب مع نتنياهو ؟
هناك ما يمكن رصده فى هذا الصدد.
فقد أغفل الرئيس الأمريكي الجديد ذكر اليهود فى البيان الذي أصدره بمناسبة يوم الهولوكوست ( المحرقة ) العالمي، الأمر الذي أثار احتجاج جميع المنظمات اليهودية فى الولايات المتحدة وبعض أعضاء الكونجرس.
وقد استنتج البعض من هذا الإغفال أن البيت الأبيض يشكك فى محرقة اليهود، أو على الأقل يتجاهل المكانة الخاصة لليهود فى المحرقة الجماعية التي ارتكبتها ألمانيا النازية بين عامي 1939 1945.
ومما يذكر أن أحد مستشاري ترامب وهو ستيف بونان من المؤيدين للحركات اليمينية المتطرفة التي يوجد بينها من ينكرون المحرقة.
ولوحظ فى الردود على أسئلة الصحفيين من مراسلي البيت الأبيض حول الاستيطان الإسرائيلي أن الرئيس ورجاله يعتبرون هذه المسألة من بين القضايا الأكثر حساسية المطروحة على المائدة.
كما لوحظ أن الكلام غير المسئول الذي تردد أثناء الحملة الانتخابية حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو حول دعم البناء فى المستوطنات.. قد تحول إلى تصريحات حذرة ودبلوماسية.
فقد صرح « جيمس ماتيس « وزير الدفاع الأمريكي الجديد بأن السياسة التي يعرفها هي أن تل أبيب هي عاصمة إسرائيل.
وقالت «نيكي هيلي» السفيرة الأمريكية الجديدة فى الأمم المتحدة إنها مع حل الدولتين وإنها تعارض البناء فى المستوطنات.
مؤشرات غامضة
ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي « باراك رابيد « إنه بخلاف ما يعتقده المسئولون الإسرائيليون، فإن ترامب وضع عملية السلام فى مكان عالٍ جداً فى سلم الأولويات.
ويقول عوديد عيران، الباحث فى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن مقدار عدم اليقين فى تحركات إدارة ترامب كبير، وأنه من الممكن أن تشكل الرئاسة الأمريكية الجديدة تحديًا لإسرائيل ولقدرة زعامتها على المناورة. ويلفت الباحث نظرنا إلى أن ثلاثة أرباع اليهود فى الولايات المتحدة صوتوا فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح هيلاري كلينتون.
وجاء فى بيان نشره البيت الأبيض ليلة 2/3 فبراير الحالي أن قيام إسرائيل بأعمال بناء جديدة فى مستوطنات الضفة الغربية أو توسيع المستوطنات القائمة لا يساهم فى المساعي الرامية لإحلال السلام مع الفلسطينيين.
تمهل وتريث
والواضح أن البيت الأبيض الأمريكي قرر تأخير خطوة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقال المسئولون فى واشنطن إنه من المبكر اتخاذ هذه الخطوة التي تنتظرها الحكومة الاسرائيلية بفروغ الصبر وعلى أحر من الجمر، كما أن الاستيطان لا يساهم أو لا يساعد فى المضي قدمًا فى عملية السلام وفقا للتصريحات الأمريكية الجديدة.
وتقول صحيفة « نيويورك تايمز « الأمريكية إن سلسلة البيانات الإسرائيلية حول الأنشطة الاستيطانية الجديدة أثارت قلق بعض المسئولين فى البيت الأبيض.
وقامت الإدارة الأمريكية بتسريب بيان لصحيفة « جيروزاليم بوست « الاسرائيلية جاء فيه :
«أننا نحث كل الأطراف على عدم اتخاذ إجراءات من طرف واحد من شأنها تقويض قدرتنا على إحراز تقدم، بما فى ذلك تلك البيانات حول الاستيطان».
أين العرب ؟
رغم أن القضية الفلسطينية تجتاز أخطر مراحلها، كما أنها تتعرض لخطر مباشر وعاجل هو تصفية هذه القضية برمتها لصالح التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.. إلا أن العرب وجامعتهم فى حالة غياب.
وباستثناء اللقاء الذي تم بين الملك عبد الله عاهل الأردن والرئيس الأمريكي الجديد، لم يحدث أي تحرك قوي وفاعل لمنع ترامب من تنفيذ وعوده الكارثية لإسرائيل التي أفصح عنها خلال الحملة الانتخابية.
وهناك عرب لا يشغلهم سوى ما يشغل إسرائيل، وهو « الخطر الإيراني «. أما إسرائيل، فإنها ربما تكون حليفاً فى مواجهة إيران!!
والمطلوب الآن هو الضغط بقوة، وخاصة بعد هذا التراجع الجزئي المحدود من جانب إدارة ترامب، سواء فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو ما يتعلق بالاستيطان.. ذلك أنه إذا كان ترامب يؤكد كل يوم أن الأولوية لديه هي محاربة الإرهاب، فإن على العرب أن ينقلوا إليه رسالة جادة ومباشرة وصريحة وهي أن استمرار الاحتلال والتهويد والاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل دعمًا كبيرًا للنشاط الإرهابي فى المنطقة.

التعليقات متوقفه