قبل أن يأتى «الصندوق» للتفتيش

136

ابتهج صندوق النقد الدولي بإعلان الحكومة المصرية والبنك المركزي المصري تعويم سعر الجنيه اعتبارا من 3 نوفمبر 2016 ضمن سلسلة من الإجراءات التي كان اتخاذها شرطا لحصول مصر على الدفعة الأولى من القرض المتفق عليه. وأظهرت الوثائق التي أفرج عنها الصندوق مؤخرا التزام مصر بتطبيق مجموعة كبيرة من الإجراءات الانكماشية خلال فترة الاتفاق مع الصندوق التي تستمر لمدة 3 سنوات. تتضمن هذه الإجراءات_ بالإضافة إلى تعويم الجنيه _ إتباع سياسة انكماشية متشددة عبر أساليب السياسة المالية والسياسة النقدية وخصخصة عدد من المشروعات المملوكة للدولة خاصة شركات البترول والبنوك وبيعها للأجانب بالتحديد. وتربط الوثائق بوضوح بين هذه الإجراءات المتفق عليها من ناحية وبين النتائج المتوقعة والتي تدور أصلا حول تخفيض كل من عجز الموازنة العامة للدولة والدين العام وعجز ميزان المدفوعات.
وعلى الرغم من تأكيد الصندوق على العلاقة بين “ الإجراءات “ والنتائج “ فقد فوجئنا عند أول مناسبة بعد توقيع الاتفاق بممثل الصندوق يعلن بالفم المليان انه فشل فى التنبؤ بالمستوى الذي سيهبط إليه سعر صرف الجنيه المصري بعد التعويم وأنهم فوجئوا بأن الجنيه المصري قد انهار بأكثر مما كان متوقعا وأنه قد فقد نصف قيمته…
هذه الاعترافات تثير مجموعة من الأسئلة المهمة خاصة وحكومتنا تستعد لاستقبال بعثة الصندوق خلال الأيام القادمة لإجراء المراجعة الدورية قبل صرف الدفعة الثانية من القرض.. المراجعة التي تعني أن يتأكد الصندوق من أن الحكومة قامت باتخاذ الإجراءات المتفق عليها طبقا للجدول الزمني الموضوع بمعرفة الطرفين.
المفروض أن الصندوق يقوم بتحليل الأوضاع الاقتصادية مستخدما العلم وليس قراءة الكف، ليعرف الاتجاه العام للنشاط الاقتصادي وتأثير الإجراءات والسياسات الموصى بإتباعها على المتغيرات الاقتصادية فى الدولة، ويقوم من أجل ذلك بالاطلاع على كل التفاصيل وتفاصيل التفاصيل من المعلومات والبيانات والقواعد المنظمة للأنشطة الاقتصادية والإحصاءات المنشورة والسرية ويفتح جميع السجلات والدفاتر دون أن يتمكن احد من إيقافه أو الاعتراض على طلباته بالحصول على معلومات، ويستخدم كل ذلك فى التنبؤ بما سيكون عليه الوضع فى ضوء المتغيرات التي يختارها لتكون محلا للتعديل خلال فترة البرامج.
أي أن الصندوق لابد أن يكون قد درس بعناية كل التأثيرات المتوقعة للسياسات والإجراءات التي اقترحها أو وافق عليها أو أوصى بها أو رآها ملائمة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي، وكان على رأسها وفى القلب منها تعويم سعر صرف الجنيه تعويما مطلقا وعدم تدخل الدولة والبنك المركزي بشكل مباشر أو غير مباشر للدفاع عن قيمته فى مواجهة الدولار والعملات الأخرى.
فإذا جاءت النتيجة مخالفة لتوقعات الصندوق وكان تدهور سعر صرف الجنيه اكبر بكثير مما توقع، بل وانخفضت قيمته بأكثر من نصف ما كانت عليه وظلت على هذا المستوى المنخفض لأكثر من 3 شهور، ألا يثير هذا بحد ذاته الشكوك فى مجمل سياسات صندوق النقد الدولي وفى الصفة العلمية التي يدعيها لسياساته وفى آثارها الخطيرة على الاقتصاد المصرى؟
ألا يثير ذلك فكرة أن الصندوق قام بالتركيز أساسا على الشروط والإجراءات المطلوب اتخاذها وممارسة ضغوطه لفرضها على المفاوض المصري دون التأكد من نتائجها أو بغض النظر عن نتائجها على الاقتصاد المصري.. ومن ثم كان التعويم والخصخصة وضغط الإنفاق على الدعم وارتفاع الأسعار وبيع ممتلكاتنا للأجانب بأسعار منخفضة هي المضامين الحقيقية والأساسية للاتفاق وليس إصلاح الاقتصاد المصري آو التخفيف مما يعانيه من مشاكل ؟
ألا يدعو ذلك بجد ذاته حكومتنا الرشيدة للتشكك فى مصداقية ما يقوله خبراء الصندوق من ناحية وفى كفاءة من يقومون بالتباحث مع الصندوق من ناحية أخرى..؟
ألا يدعو ذلك لإثارة فكرة مسئولية الصندوق و الحكومة عن التدهور الذي يصيب الاقتصاد المصري فى ظل هذه السياسات المدمرة؟

محمد نور الدين

التعليقات متوقفه