الإستشارى حسين صبور فى حوار جرئ لـ «الأهالى»: محاربة البيروقراطية والفساد.. أهم من قانون الاستثمار

152

أكد المهندس الاستشارى حسين صبور، رئيس مجلس إدارة شركة الأهلى للتنمية العمرانية، ضرورة العمل على تحسين مناخ الاستثمار لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، مشيرا إلى أن اصدار قانون جديدلاستثمار وحده لن يجذب الاستثمارات، وطالب فى حواره مع « الأهالى» بضرورة محاربة الفساد والبيروقراطية، وحل مشاكل المستثمرين المحليين.
وأضاف بترشيد الدعم، وقصر الدعم على المحتاجين فقط، والتحول إلى الدعم النقدى للقضاء على تسرب الدعم، وقال إن يمكن تحويل الأثار السلببية لتعويم الجنيه لفوائد، ضاربًا مثلا فى قطاع العقارات، بوقف استيراد مواد البناء التى يمكن أن تنتجها المصانع المصرية، والتوسع فى بناء مصانع مواد البناء.. فإلى نص الحوار..
* هل قانون الاستثمار كاف لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لمصر؟
** القانون وحده لا يكفى لجذب الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية.. ورغم أهمية القانون لتنظيم الاستثمار غير أن مناخ الاستثمار أهم من القانون نفسه.. فالمناخ الحالى أصبح طاردًا للاستثمارات ليس الأجنبية فقط، بل المحلية أيضًا، فالبيروقراطية متفشية داخل أجهزة الدولة.
من وجهة نظرك.. ما أسباب انخفاض الاستثمارات فى مصر؟
فرص الاستثمار فى مصر واعدة بشكل كبير، فلدينا 90 مليون مواطن مستهلك، ولكن الأزمة لدينا تتمثل فى بيئة الاستثمار، فهى غير صالحة خاصة للاستثمار الأجنبي، حيث يحتاج الاستثمار الأجنبي لتوافر الأمن والأمان لكى ينتعش ويستثمر أمواله. فالمستثمر الأجنبي يبحث عن الثقة فى الدولة التي ينفذ مشروعاتها بها، ويهمه الأمان فى استرداد أمواله حال الرغبة فى وقف عمله بالدولة، إضافة لعدة عوامل أخرى من عدم احترام الدولة لتعاقداتها، وعدم حل مشاكل المستثمرين.
يجب محاربة الفساد والبيروقراطية التى تتسبب فى تعطيل الكثير من المصالح خاصة المتعلقة بإصدار التراخيص أهم.. فقانون الاستثمار به بند يلغي المصاعب التى تواجه المستثمر المصري والأجنبي وتعرقل الحصول على التراخيص، حيث يتضمن القانون بند الشباك الواحد الذى يلزم الدولة بتقديم الرخصة خلال مدة محددة، وبالتالي لم يعد المستثمر ينتظر لسنوات للحصول على الرخصة بشكل ينفره من الاستثمار… ويبقى الأهم التطبيق.
فمصر لديها امكانات كثيرة لم تستغل خاصة الثروات المعدنية، وأهم من ذلك أنها دولة نسبة الشباب فيها مرتفعة، فإذا تمكنا من تدريب العنصرالبشري وتشغيله بكفاء لاستفاد منه اقتصادينا استفادة بكيرة.
* ما تأثير انخفاض قيمة الجنيه على قطاع المقاولات؟ وكيف يمكن تقليل الآثار السلبية لتعويم الجنيه؟
** وكل مشكلة إذا تم بحثها بعناية يمكن أن يخرج منها فوائد جمة، فمثلاً انخفاض سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية بعد قرار تعويم الجنيه 3 نوفمبر الماضى، تسبب فى زيادة تكلفة مشروعات البناء فى مصر، وبالتالى ارتفاع أسعار الوحدات العقارية.
لكن من الممكن أن يكون ذلك مفيدًا جدًا.. إذا قررنا وبسرعة تخفيض استيراد مواد البناء التى يمكن تصنيعها فى مصر.. هذا سيؤدي إلى فتح مصانع جديدة، ويقلل من إنفاق العملات الصعبة.
ومن ناحية أخري، يمكن البدء تسويق العقار المصري خارج مصر، فالمصريون الذين يعملون فى الخارج وعددهم كبير يتقاضون أجورهم ومرتباتهم بعملات صعبة، أصبحت عند تحويلها إلى الجنيه المصري ذات قيمة كبيرة، وأصبح بذلك العقار المصري فى منتهي الرخص بالنسبة لهم، مما ينشط سوق العقارات.
ولكن يستلزم ذلك تسويق جيد فى أماكن تواجد هذه العمالة، بالإضافة إلى أن مصر لها شواطئ طويلة جدًا وجاذبة، ويمكن أيضا تسويق العقار فى هذه المناطق السياحية لغير المصريين، وهذا له فائدة أخري وهو زيادة جذب السياح، وتوفير العملة الصعبة للدولة، ولو نظرنا لدول السياحة بها منتعشة مثل أسبانيا لوجدنا أن نسبة من السياح إليها يمتلكون شققا فى المصايف ولكننا تأخرنا فى تطبيق هذه السياسة.
* توسعت الدولة فى المشروعات القومية الكبرى.. كيف ترى هذه المشروعات وتأثيرها على الاقتصاد المصري؟
** المشروعات القومية الكبري، تعتبر من السياسات الواضحة فى العصر الحالي، فهي تحاول أن تغطي النقص الشديد فى البنية التحتية من طرق وكباري وكهرباء ومياه ومجاري، وهي تسهل الوصول إلى سيناء التي كانت مهملة، وبها امكانيات اقتصادية بالاضافة إلى الاهتمام بسكان العشوائيات ولم يهتم بهم أي برنامج فى أي زمن سابق.
وبالتالي فإنها تعمل على تحسين مستوي معيشة غير القادرين، كما تعمل على سرعة حل المشاكل التي تعوق التنمية، فلا يمكن تنمية بدون كهرباء. بالإضافة إلى بدء الاتجاه إلى مشروع قومي لزيادة الرقعة الزراعية وتشغيل عمالة عاطلة فى هذا المشروع، وبالتالي فإنا أري رغم أنها مكلفة اقتصاديًا غير أنها ستؤدي إلى دفعة قوية بعد إقامة مشروعات صناعية وخدمية استنادًا إليها. فمشروع محور قناة السويس الممتد من بورسعيد الى جنوب السويس، وطوله 200 كيلو متر شرقاً وغرباً، يصلح لإقامة مشروعات متنوعة سواء كانت مشروعات صغيرة أو متوسطة او طويلة المدي، وهو مستقبل مصر، لكن هذا المشروع يحتاج لحسن إدارة من القائمين عليه، لمساهمته فى زيادة الدخل القومي لمصر.
* ما تعليقك على التعديل الوزاري الأخير؟
** التعديل الوزاري الأخير تم بعد مخاض طويل، وكان الغرض منه بالطبع تحسين أداء الوزارة بخروج بعض الشخصيات ودخول شخصيات أخري تحل مكانها، وقد تعجبت من خروج أشرف العربي وزير التخطيط، وكذلك وزير النقل، حيث كان أداؤهما أكثر من جيد، فى الوقت الذي تم الإبقاء على وزير الصحة الذي كان يجب أن يستعبد منذ فترة عندما تم القبض على مستشاره لتلقيه رشوة، وأيضا حدثت مشاكل فى توفير وتسعير الدواء بعد تحرير سعر الصرف، ولم يكن تحرير سعر الصرف مفاجأة للوزير، وكان يجب أن يكون مستعدًا له منذ فترة، كما أن دخول الوزير المصيلحي لتولي حقيبة التموين والتجارة الداخلية له دلالة مهمة، وهي أننا قد نضجنا واصبحنا لا نستبعد الكفاءات لمجرد انها تولت مناصب ادارية فى زمن حسني مبارك.
هذا التعديل الوزاري الغرض منه تحسين إداء الحكومة ولكنني اعتقد أنه يجب النظر فى تطبيق سياسات اقتصادية أفضل من الحالية لزيادة الإنتاج وتحسين معيشة المواطن، والاهتمام بالتعليم الذي هو المعد الرئيسي لكفاءات ضرورية فى المستقبل.
* هل تؤيد الدعم العينى أم النقدى؟.. ولماذا؟
** موضوع الدعم يأكل حوالي ثلث إنفاق الدولة، فإذا اضفنا إلى ذلك خدمة الدين سواء المصري أو الأجنبي ومرتبات ومعاشات موظفى الحكومة، فلا يتبقي غير النذر اليسير الذي لا يمكن من إجراء تقدم وتنفيذ مشروعات جادة للمستقبل، ومن المؤكد أننا لا نستطيع الامتناع عن سداد خدمة الدين ولا نستطيع الامتناع عن صرف مرتبات الموظفين الهزيلة، ولكن كثرة عددهم لوجود تعيينات غير مبررة فى السابق. ايضا لا يمكن تقليل سداد هذه المرتبات.. ويصبح التحكم فى الدعم وترشيده هو الأمل الوحيد لتوفير أموال تصرف فى خطط مدروسة لأحداث التقدم فى مصر، وحيث أن الدعم يتم حاليا بتخفيض أسعار سلع كثيرة وهذا يدعو إلى الاكثار فى استهلاكها. فإني أري أن التحول إلى الدعم النقدي لمن يستحقه مع ابقاء كل السلع بسعرها الحقيقي سيقلل كثيرًا من قيمة الدعم الذي تتحملها الدولة، كما سيقلل من كمية المواد المدعمة حاليا بعد تعديل سعرها إلى سعر حقيقي، علما بأن هذا لا يجب بتاتا أن يتسبب فى زيادة معاناة الطبقات الفقيرة، ويجب أن يتمكنوا من توفير حاجاتهم الأساسية باستعمال الدعم النقدي.
* ما أسباب أزمة الإسكان؟
** مشكلة الإسكان فى مصر متفاقمة، ونحتاج لحوالي نصف مليون وحدة سكنية سنوياً لمواجهة الزيادة السكانية، وبالتالي فإن الإقبال على الاستثمار العقاري فى مصر يتزايد فى مقابل الطلب المتزايد على السكن.
فإذا أردنا الحل لابد أن نعرف سبب المشكلة الأساسي، ومشكلة الاسكان ظهرت بعد ثورة 1952والتى كان من مبادئها الإصلاح الزراعي، ولم يكن من مبادئها أى شئ يخص الاسكان، وفى رأيي أن جمال عبدالناصر سبب رئيسي فى المشكلة الموجودة حاليا، فقد حدد الملكية، فى السنة الأولى من الثورة، تم خفض إيجارات المساكن بالمدن بنسبة 15% دون سبب لذلك، ودون أن يشتكى الناس من ارتفاع الايجارات، وبالتالي شهدت مصر حالة عزوف عن بناء المساكن، ثم وبعد فترة عاد البعض للبناء، ولكن بعد انحدار الاستثمار فى البناء.
ثم أصدر عبدالناصر، قرارًا ثانيًا بإنشاء لجنة البناء والتشييد، وأعطى لكل محافظة مبلغ محدد سنويا تبنى به مساكن فى العام، فأخر البناء، ثم تدخل فى سياسات الهدم واعادة البناء، ووضع لها شروط مستحيلة، ثم عاد وخفض إيجارات المساكن أكثر من مرة، ثم تدخل مجددا بالسلب وأصدر قرار بألا يحدد مالك العقار القيمة الإيجارية وجعلها فى يد الحى، فعزف الناس أكثر عن البناء، وبدأت الدولة تبنى المساكن بكثرة، وهى أول من بدأت نظام التمليك، لتوفير سيولة تستطيع بها بناء مساكن جديدة، وبرغم ذلك لم تستطع وزارات الاسكان المتعاقبة الوصول بالمساكن المبنية للعدد المطلوب سنويا فبدأت الأزمة بالجهل والتعنت الذى حول مصر من فائض معروض من المساكن إلى أزمة ونقص شديد بها.
* ولكن ما الحل؟
** والآن المشكلة هى ارتفاع تكلفة الإنشاء عن قدرة دخل المواطنين، والعالم كله لديه نظام التمويل العقارى، وهذا النظام ناجح فى كل العالم إلا مصر، لأن الفائدة عالية جدا ومستوى الدخل متدن، والحل الآن هو أن تبنى الدولة المساكن بإفراط شديد، وهو ما بدأ يحدث بالفعل، وأن تشجع القطاع الخاص على البناء بأسعار رخيصة، بأن تعطيه تسهيلات فى الأراضي والإجراءات، وتخفض أسعار الفوائد على القروض العقارية، وأن يقبل الشباب بشقق بسيطة تتناسب مع دخلهم فى بداية حياته.

التعليقات متوقفه