خبراء وباحثون مصريون وصينيون يطالبون باستغلال التاريخ المشٌرف للحضارتين لبناء مستقبل واعد.. ترحيب بإعادة النظر لإنشاء طريق الحرير

40

متابعة: محمد مختار

أكد، د. رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع، أن القوى الناعمة وعلى رأسها الثقافة، من الممكن أن تعقد روابط وصداقات قوية، وتلعب دورًا ايجابيًا فى دعم التواصل بين الدول، مستشهدًا بالمقولة “اطلبوا العلم ولو فى الصين”، قائلاً: إن هذا المثل يقول للصينين اطلبوا العلاقات مع مصر، لآفتًا أن العلاقات المستقبلية بين مصر والصين يجب أن تبنى على الاستفادة من التاريخ لبناء المستقبل.

جاء ذلك خلال فعاليات “الملتقى الدولى للعلاقات المصرية الصينية عبر العصور”، والذى نظمه المجلس الأعلى للثقافة على مدار يومين، وبحضور السفير الصينى بالقاهرة “سونج آى”، ورئيس الوزراء الأسبق عصام شرف، وعدد من الباحثين والمهتمين بالشأنين المصرى والصينى.
وعن مؤتمر باندونغ والذى شارك فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قال رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع، إن مصر أرادت الحصول على السلاح، وكان المؤتمر تمهيدًا لذلك.
وأوضح، أن رحلة الاختلاف بين الصين والاتحاد السوفيتى كانت رؤية وطنية تنبع من أن الصين لآ تقبل أن يملى عليها شروط من دولة أخرى، موضحًا أن الصين قد بدأت مرحلة الاختلاف الفكرى مع الاتحاد السوفيتى فى حينها، لآفتًا أنه بدون مثل هذه العلاقات لمصر، ما كان لعبد الناصر أن يقف فى وجه الغرب، وكان سيقف وحيدًا ويتصادم ويناور مع الاتحاد السوفيتى.
وتابع “السعيد”، أن جمال عبد الناصر، حافظ وعمل على التنمية الزراعية وواكبة تصنيع هائل ونشأ جيل جديد من فلاحى الاصلاح الزراعى، وعمال القطاع العام، وأبناء العمال فى القطاع العام والذين تعلموا تعليما مجانيًا، استطاعوا ان يكونوا طبقة جديدة من المثقفين.
عولمة جديدة
وفى سياق متصل، قال رئيس الوزراء الأسبق، عصام شرف، إن هناك أهمية قصوى، للعلاقات المصرية الصينية، وأنه لآ نستطيع أن نفصلها بما يحدث فى العالم الخارجى، موضحًا ان العالم لديه بديلين أولهما أن تستمر العولمة المتوحشة فى طريقها، وبذلك نكتب شهادة وفاة الحضارة الإنسانية، أو البديل الأخر وهو ظهور نوع جديد من العولمة تراعى البعد الإنسانى.
وأشار رئيس الوزراء الأسبق، إلى أن الصين لديها أبعاد حضارية مميزة ومنها عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وهو ما يتناسب مع العولمة الجديدة الانسانية، فضلا عن تميزها بالفوز المشترك، إضافة إلى تأجيل الخلافات، موضحًا أن هذا مبدأ مهم فى التقارب الثقافى بين الحضارات.
وقال “إنه من المصالح المشتركة إلى المسئولية المشتركة”، هى العنوان الأبرز للعلاقات المصرية الصينية، موضحا أنه من الرائع أن نمتلك حضارات تاريخية مميزة، ولكن تحمل المسئوليات تجاه البشرية والانسانية وفقا لهذه الحضارة أمر مطلوب أيضًا.
وعن مبادرة الحزام والطريق، لفت إلى أنه ليس مشروع فقط، ولكنه مفهوم جديد فى تطور العلاقات، وهو ليس جسر فقط ولكنه رابط بين الثقافات المفاهيم التنموية، مشيرًا إلى أن ٦٥ ٪ من سكان العالم يقعون بجانب هذا المشروع، وأن العالم يتغير وتوجه نحو عولمة جديدة، موضحًا أنه تكتل هائل ويستطيع أن يعدل كفة الميزان المختل، والفوضى الموجودة الآن.
وقال عصام شرف، إن ما نحتاجة الآن وبشدة هو تسويق للعلاقة المشتركة فى كل من البلدين، والتعرف بصورة مباشرة على ثقافة البلدين، مطالبًا بضرورة تفعيل دور المجتمع المدنى فى تفعيل دور الشعبوى بين البلدين، قائلاً “دعونا نحلم بأن نولد افكار جديدة فمن المهم أن نهتم بالافكار”.
علاقات مشتركة
وفى سياق متصل قال السفير الصينى بمصر، سونج أى، أن البلدين يتمتعان بتاريخ طويل وحضارة عريقة، مشيرًا إلى عمق العلاقات بين البلدين ذوى التاريخ الطويل والحضارة الممتدة.
وقال، إن مصر من أهم شركاء التعاون بالنسبة للصين، لافتًا إلى أن مصر هي أول دولة عربية وأفريقية تربطها علاقات بالصين وأنها تعلق آمالآ كبيرة لدور مصر المحورى فى المنطقة، مؤكدا أن الثلاث زيارات التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للصين، ساهمت فى تعميق الصداقة بين الدولتين، وأعطت دلالة واضحة على قوة العلاقات بين مصر والصين.
وأوضح أنه تم الاحتفال العام الماضي بمناسبة مرور 6 عقود على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مشيرًا إلى أن العلاقات المصرية الصينية قديمة منذ آلاف السنين، وإنه فى عام عام 2014 قرر الرئيسين الارتفاع بمستوى العلاقات على مستوى العلاقات الاستراتيجية، ومزيد من التكامل فى العلاقات، وذلك فى إطار الاسترلتيجية المصرية ٢٠٣٠.
وقال السفير: “نتطلع إلى مزيد من العلاقات مع مصر ومزيد من التكامل على كافة المستويات”، موضحًا مشاركة بلاده لمصر فى التنمية المستدامة وتنمية محور قناة السويس.
واختتم السفير، بأن الملتقى الدولي للعلاقات المصرية الصينية من شأنه تعزيز علاقات الصداقة والثقافة بين البلدين، مضيفًا أنه من المقرر عقد مؤتمر دولى فى القريب العاجل فى الصين حول مبادرة “حزام وطريق”.
هدف واحد
ومن جانبه، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، هيثم الحاج على، أن هذا الملتقى يمثل خريطة ذات أهمية قصوى، حيث إنه يناقش موضوعًا حيويًا يمثل ركنًا كبيرًا فى التاريخ القديم والمعاصر، موضحًا أن القاهرة وبكين دائما ما كانت لديهم علاقات وطيدة، على الصعيد السياسي وغيرها، وأن الصين كانت من اوائل الدول التى وقفت بجانب مصر فى جميع المحن التى تعرضت إليها، ومنها العدوان الثلاثى، واستشهد “على”، بالمقولة الشهيرة بين الزعيمين جمال عبد الناصر وماو، “طريقنا واحد وهدفنا مشترك”.
تبادل تجارى
وقال تشانغ هونج، رئيس الوفد الصينى بالملتقى، ونائب رئيس جمعية الدراسات لبحوث الشرق الأوسط، إن من يشرب من ماء النيل يعود إليه ثانية وها أنا قد شربت وعدت إليه خمس مرات، مشيرًا إلى أن التطور السريع الذى تشهده العلاقات بين البلدين الآن ويمثل اتجاهاً تحرص عليه الصين الآن لدعم علاقات الصين بالدول العربية، مؤكدًا أن هذا الملتقي فرصة عظيمة لتبادل الآراء فى مختلف المجالات وفرصة لدراسة التاريخ القديم والحديث للعلاقات الصينية المصرية.
وتابع، أنه لآبد من التركيز على العلاقات المصرية الصينية عبر التاريخ، والتى تتنوع بين العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والثقافية والتعليمية، مشيرًا إلى أن التاريخ الصينى يقول لنا أن هذه العلاقات بدأت منذ أسرة “تشين” الملكية، ٢٠٧ ق. م.
وعن العلاقات السياسية فى التاريخ الحديث، قال إنها بدأت من العلاقات الخاصة بين الرئيس جمال عبد الناصر، ورئيس الدولة الصينى فى حينها، وكان الروساء فى الدولتين يهتمون بتبادل الزيارات، لتوطيد هذه العلاقات، موضحًا أنه فى هذا الوقت فإن الرئيس عبد الفتاح السيسى زار الصين ثلاثة مرات، فى عامى ٢٠١٤ و ٢٠١٥ وفى اجتماعات مجموعة العشرين.
وعن العلاقات التجارية، قال سيشهد الرئيس السيسى الاحتفالات المقامة بمناسبة الذكرى الـ٧٠ لانتصار العالم فى الحرب ضد الفشية اليابانية.
وعن المجال الثقافى، قال تشانغ هونج، إنه كان تعاونًا مثمرًا، موضحًا أن الصين بها أكثر من ٦٠ جامعة تدرس اللغة العربية كلغة أساسية، وفى مصر فإن اللعة الصينية تدرس فى جامعة القاهرة من سبيعينات القرن الماضى.
مؤتمر باندونغ
ومن جانبها قالت زببدة عطا، مقررة لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، إن عمر الحضارتين المصرية والصينية تضربا بجذورهما فى عمق التاريخ، وأنه حتى الآن ما زلنا نشاهد آثر الحضارة المصرية والتى تشهد بعظمة المهندس المصرى القديم، وهو نفس الأمر بالنسبة للحضارة الصينية، مشيرة إلى أنها وصلت إلى أدغال بورما وآسيا الوسطى ومنغوليا، وكانت لهم صناعات مشهورة، واقاموا اكاديمية علمية، واشتهروا بمشاريع الرى، موضحة غنه فى العصر الحاضر نسعى إلى توطيد العلاقات وتوثيقها.
وتطرقت عطا، لمؤتمر باندونج “عبد الناصر وشوين لاي، الذي بدأ بمتغيرات أساسية فى الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية ثم بدأت حركات التحرير من الاستعمار فى العالم العربي وكانت مصر قد صوتت لصالح تايوان “ فرموزا” عام 1952 وقد انتهت الحرب الأهلية فى الصين بإعلان ماوتسي تونج قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949.
نجيب محفوظ
وتطرقت، “تسولان فانغ” عن نجيب محفوظ فى الصين من منظور جمال التلقي فى مراحل تاريخية مختلفة، ويعكس تحول الإيديولوجيات الصينية وسياق الثقافة الصينية وأذواق مترجميها وقرائها الصينيين، وبالتالي يحاول البحث تحليل عالمية محفوظ الروائية وقيمها الإنسانية فهو صاحب جائزة نوبل للآداب عام 1988 وهو من أكثر كتاب العرب معرفة وترجمة ودراسة فى الصين”.
طريق الحرير
وتحدث السفير المصرى الأسبق ببكين، محمد نعمان جمعة، عن طريق الحرير الجديد، والإبداع الفنى فى النموذج الاقتصادى، موضحًا أن طريق الحرير هو أحد المبادرات التى تقام حاليًا وذلك فى ظل التطور فى وسائل النقل والمواصلات، فضلا عن النهضة الأوروبية الكبيرة بعد الثورة الصناعية، مضيفًا أنه ومع التقدم الذي حدث فى الصين المعاصرة اقتصاديا، واتجاهها للانفتاح السياسي والإجتماعى والثقافي.
ولفت إلى أن استهداف ربط طريق الحرير القديم بما اسماه الرئيس الصيني الحزام، بأن يكون الطرح متواكبا مع القرن الحادي والعشرين، والذي يتميز بسمات منها أنه عالم متشابك ومتداخل، وان المفهوم الجديد يضيف بعدًا جغرافيا وتنمويا، أنه يربط بين الحضارة الصينية القديمة كمرجعية فكرية وتجارية وثقافية، وأن الطرح الجديد يتماشى مع مفهوم تعزيز التعاون الإقليميفى تعامل الصين مع العالم الخارجي، فضلا عن نقل العملية التنموية الصينية إلى الداخل، وطرح النموذج الصيني أمام العالم الخارجي.
وأوضح أن الملاحظة الثانية التى ترتبط بطريق الحرير الجديد، هى المبادرة التى أطلقت فى عام ٢٠١٣، مشيرًا أن المفكرين الصينيين وجدوا أن إحياء هذا الطريق هو سفينة الانقاذ وطوق النجاة للصين للمرور من الأزمة الاقتصادية الحالية، وتابع أن الملاحظة الثالثة تتعلق بضرورة إيجاد مستقبل حقيقى للعلاقات المصرية الصينية، وأنه يجب السعى لتحقيق ذلك، موضحًا ان الصين لديها اشتراطات للتعاون ومنها وجود قانون واضح للاستثمار فضلا عن النية الأساسية، مطالبًا بضرورة تغيير البروقراطية المصرية والصينية أيضا.
وقال إن مقومات النهضة للصين هى وجود أيديولوجية ورؤية واضخة وزعيم شعبى ووجود كوادر تستطيع تنفيذ الاستراتيجيات الموضوعة، وأن الأهم هو تطبيق سياسة القانون بحزم.
توصيات
وقد جاءت توصيات المؤتمر كالتالى، أن يعقد هذا الملتقى هذا الملتقى كل عام ويكون تبادليا، وتستهدف البحث العلمى والجانب الثقافى، وتعميق الرواط، وأيضًا العمل على اتاحة الفرصة للتعاون من أجل تعميق العلاقات من خلال اتاحة البحوث دون وسيط بين الجانبين، فضلا عن العمل على تنشيط الترجمة وتفعيلها فى إطار مؤسسى.
وقد أوصى المؤتمر أيضًا بضرورة تكوين لجنة عليا تعمل على التنسيق التعاونى بين الجانبين فى سائر المجالات انطلاقا من العلاقات المتمبوة بين الجانبين، إضافة إلى ضرورة تنشيط وتفعيل الدور الشعبوى فى الدولتين باعتبار الدولتين ذات عمق فى الحضارات الانسانية.

التعليقات متوقفه