شكشكة: «بصمة» الدكتور عبد المنعم تليمة

110

فى غمار عملى الصحفى ونشاطى الثقافى التقيت بشخصيات من كل اتجاه فى الحياة، ولكن القليل منهم بل النادر من تركوا بصمة دائمة على حياتى، ومنهم الدكتور عبدالمنعم تليمة. كان لقائى الأول بالدكتور الراحل بعد أن نشرت روايتى الأولى”ولنظل أصدقاء الى الأبد “عام 1971. فى ذلك الوقت كان عدد الروائيات المصريات أقل كثيرا من نظيراتهن الشاميات، الأمر الذى دفع بعض كبار الكتاب للهجوم على المرأة المصرية مع الاحتفاء الشديد بالأديبات السوريات واللبنانيات والفلسطينيات.وعندما دعيت للمشاركة فى البرنامج الإذاعى”براعم تتفتح”، وكنت أخطو خطوتى الأولى ومازلت فى مرحلة الشك والتوجس،وعلمت أن أستاذا فى النقد الأدبى سوف يحلل روايتى، ولأنها كانت تجربتى الأولى فقد توقعت نقدا شديدا للرواية،وكانت المفاجأة التى أذهلتنى أن الراحل العظيم قرأ الرواية وعبر عن إعجابه الشديد بها كعمل أول، وبعد أن علم بخلفيتى الثقافية الإنجليزية، أشار على بضرورة دراسة اللغة والأدب العربي إذا كنت أرغب فى أن يكون لى أى شأن فى الحياة الثقافية العربية. كانت نصيحة مخلصة، توافقت مع حلم يداعب خيالى منذ تخرجى فى قسم اللغة الانجليزية بجامعة الاسكندرية، ولم يكتف الراحل الكريم بذلك بل بادر بتقديم أوراقى لكلية الآداب قسم اللغة العربية، جامعة القاهرة. وكانت نقلة مهمة فى حياتى، فقبلها كنت كمن يسير فى طريق مظلم طويل، فإذا بالدراسة فى القسم تضىء مصابيحه الواحد بعد الآخر حتى اتضحت معالمه تماما بعد حصولى على الليسانس. ومن أهم بصمات الدكتور تليمة على حياتى أنه حثنى على الانضمام لاتحاد الكتاب الذى شارك فى تأسيسه.
لم تأت نصيحة الدكتور عبد المنعم تليمة من فراغ بل نبعت من إيمانه العميق بعالمية الأدب وبالأخص الأدب المصرى، وبأنه مثل الأوانى المستطرقة يصب بعضه فى مجرى البعض. ومسيرته الدراسية تعكس رؤية فلسفية ومنهجا اتبعه فى حياته، وصعد سلمها درجة درجة، فبعد تخرجه فى قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة، حصل على دبلومة عامة فى التربية وعلم النفس، ثم حصل على درجة الماجستير فى الأدب العربى الحديث، ثم نال درجة الدكتوراه فى النقد الأدبى الحديث وتدرج بالقسم نفسه حتى وصل الى رئاسته،ولم تعقه مسئولياته كأستاذ ورئيس قسم عن تطبيق نظريته فحصل على ليسانس فى الآداب الكلاسيكية اليونانية واللاتينية من جامعة عين شمس. وشارك فى تأسيس الجمعية المصرية للأدب المقارن، التى انتخب رئيسا لمجلس ادارتها، وفى تأسيس الجمعية المصرية للدراسات اليونانية واللاتينية، وتم اختياره خبيرا بمجمع اللغة العربية. وقد ساعده فى كل هذه المهام ثقافته الموسوعية التى أهلته للقيام بانجاز بالغ الأهمية وهو إنشاء قسم اللغة العربية باليابان.
لم تنقطع لقاءاتى بالدكتور عبد المنعم تليمة العديد من المرات، وكان فى كل مرة يمدنى بذخيرة من التشجيع والاعجاب بما أكتب خصوصًا فى “ الأهالى “ جريدته المفضلة. ولن أنسى سعادته الغامرة بعودتى لكتابة الرواية، ملاحظاته القيمة على مسودة روايتى الأخيرة “ ذاكرة الجدرن “، ثم شرفنى بالتحدث عن الرواية فى الندوة التى أقيمت بالمجلس الأعلى للثقافة.

التعليقات متوقفه