ضد التيار: أما بعد..

61

انتهت انتخابات نقابة الصحفيين بفوز التيار الذى كان يبنى دعايته الانتخابية على أساس أن العمل النقابى ينبغى أن ينحصر فى تقديم الخدمات، ولا ينصرف إلى الاشتغال بالعمل السياسى، وإلى ما وصفه بخطأ المجلس السابق فى إدارة أزمة اقتحام النقابة، بموقع النقيب، وأصبح له الاغلبية فى مجلس النقابة. وبصرف النظر عن أن ذلك لم يكن توصيفا صحيحا ومنصفا لما جرى، ولأن المجلس السابق قدم فى دورته المنتهية خدمات جليلة فى مجال المعاشات والخدمات الصحية والسكنية والترفيهية،كما أن إدارة معركة اقتحام النقابة كانت فى صلب الأمور المهنية لا السياسية، هذا فضلا عن أن برنامج النقيب السابق يحيى قلاش، كان هو الأساس الذى فاز به الزميل عبد المحسن سلامة بموقع النقيب. كما أن بعض خطوات من هذا البرنامج قد تم البدء فى تنفيذها بالفعل، كالنادى الاجتماعى ومركز التدريب، والاتفاق مع وزير الاسكان على تحديد كوتة من مشروعات الاسكان الاجتماعى للصحفيين..الخ.
كان من الطبيعى والواقعى أن ينساق الصحفيون وراء الوعود الاقتصادية لتحسين أحوالهم البائسة، وأن تحكم تلك الوعود قرارهم التصويتى فى الانتخابات أملا فى لائحة أجور منصفة ترد إليهم بعض الحقوق، بعدما أفسد بدل التكنولوجيا مهنة الصحافة وأصبح بابا خلفيا للتكالب على الالتحاق بعضوية النقابة، وحولها إلى تجارة وبيع وشراء، بدلا من من دعمها وتطويرها على المستويين التقنى والبشرى. وفى هذا السياق اتسمت الوعود الانتخابية التى فاز بها النقيب عبد المحسن سلامة وأعضاء المجلس بالطموح الشديد المبالغ فيه، لأنها فى الواقع تتصدى لمشاكل متراكمة منذ عقود فى مهنة الصحافة. و قد تفاقمت هذه المشاكل خلال العام الأخير بشكل مخيف، ومن عناوينها البارزة التصدى لظواهر البطالة فى صفوف الصحفيين بسبب اضطرار بعض الصحف الخاصة إلى الاستغناء عن عدد من الصحفيين بها، أو فصلهم تعسفيا، أو انهاء خدمتهم مقابل تعويضات مالية،وعجز بعضها الاخر عن دفع رواتب من يعملون بها بشكل منتظم، ولجؤ البعض الثالث إلى تخفيض الأجور بنسبة تصل إلى نحو الثلث تقريبا. وعد الزميل عبد المحسن سلامة بزيادة بدل التكنولوجيا 280 جنيها، مع زيادة فى المعاشات،فضلا عن انشاء مستشفى ومدينة للصحفيين، واسترداد النادى النهرى لسلطة النقابة.وبالاضافة لهذا البرنامج الخدمى الطموح الذى يحلم كل صحفى بتحقيقه، فقد تضمن برنامج النقيب الفائز وعدا بحل المشاكل المتراكمة التى تعانى منها مهنة الصحافة، وفى مقدمتها التصدى للآثار السلبية التى ترتبت على تعويم الجنيه وفى القلب منها ارتفاع أسعار الورق وخامات الطباعة ونفقات النقل انخفاض ايرادات الصحف من التوزيع والاعلانات، وارتفاع ديونها لدى البنوك والعجز عن تحصيل مديونيات الآخرين لصالحها.
مشكلة هذا البرنامج الطموح الذى أتمنى من كل قلبى تحقيقه أنه يحتاج وقتا أبعد من مدة العامين التى تنص عليها الدورة النقابية، كما أن بعض الحلول المطروحة لمشاكل قائمة قد يترتب عليها مشاكل أخرى. فالتفكير فى رفع سن المعاش إلى 65عاما هومطلب مشروع، لكنه سيفضى إلى استمرار تكدس المؤسسات الصحفية، ويحمل ميزانيتها بأثقال جديدة، ويحرم الأجيال الجديدة من فرص تولى المراكز القيادية، أو رفع أجورها، بما يتناسب مع ما تبذله من مجهود.
أما أخطر ما فى هذا البرنامج الطموح أن الحلول المطروحة لحل مشاكل المهنة والصحفيين به تقع كلها على عاتق الدولة، فى الوقت الذى يعلم فيه الجميع الظروف الحرجة التى تتحملها ميزانية الدولة، والضغوط التى تواجهها هذه الميزانية فى ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، من قبل شرائح كثيرة أخرى من المجتمع، وبينها العمال والاداريون الذين يعملون فى مجالات الإعلام والصحافة، هو ما يعنى أن وفاء الحكومة بتمويل هذا البرنامج الطموح ليس من الأمور المؤكدة.
ولاحل أمام النقيب والمجلس الجديد لتجاوز هذه العقبة سوى إعادة جدولة هذا الزحام من الوعود الانتخابية، طبقا لأولوياتها، وللمدى الزمنى المطلوب لتنفيذها وللامكانيات التى تسمح بها الحكومة، لكى لا ندخل فى دوامة من التوترات المهنية، وحتى يجد المجلس الجديد الوقت الكافى لتنفيذ قرارات البرنامج المهنى الذى اعتمدته الجمعية العمومية، ولم يشر إليه أحد من الفائزين برغم أنها نصوص دستورية، وفى القلب منها مشروع القانون الموحد للتشريعات الصحفية والإعلامية، ومشروع إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر.

التعليقات متوقفه