لليسار در: قراءة فى انتخابات الصحفيين

83

لم يكن يوم الجمعة الماضي (17 مارس 2017) يوما عاديا بالنسبة لنقابة الصحفيين المصريين، ولجموع المنتمين لهذه المهنة الصعبة، للرأي العام المهموم بقضايا الوطن والحريات العامة وحلم الديمقراطية.
ففى هذا اليوم انعقدت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وأمامها جدول أعمال يتضمن الموافقة على « تقرير مجلس النقابة 2017 « و « الميزانية العمومية فى 31 ديسمبر 2016 والموازنة التقديرية لعام 2017 « ومشروع قرار يطالب السلطتين التنفيذية والتشريعية بالإصدار الفوري لمشروع القانون الموحد للصحافة والاعلام ومشروع القانون بالغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر والعلانية والغاء جرائم العيب والإهانة والازدراء والتي لايوجد لها مثيل فى أي بلد ديمقراطي، وأخيراً إجراء انتخابات النقيب والتجديد النصفى لأعضاء مجلس النقابة.
لم يستغرق اجتماع الجمعية العمومية إلا دقائق معدودة حيث صوت الجميع بالموافقة على تقرير المجلس والميزانية والموازنة التقديرية وقرار مطالبة السلطات بالإصدار الفوري لمشروعي القانونين اللذين صاغتهما « اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية « وجرى التوافق عليهما مع الحكومة، التي تقاعست حتى الآن عن تقديمهما لمجلس النواب، رغم مضي ما يقرب من عامين على إعدادهما.
كان واضحا أن الانتخابات هي الموضوع الشاغل للصحفيين، خاصة فى ظل مناخ ملتهب بفعل مجموعة من العوامل الطارئة :
* لقد اعتاد الصحفيون منذ ثورة 25 يناير 2011 أن تجري انتخابات النقابة بعيدا عن أي تدخلات خارجية، خاصة بعد أن توقفت الحكومة عن دعم مرشح معين لموقع النقيب وهو الأمر الذي كان سائداً منذ انتخابات 1981 التي فاز فيها الزميل الراحل ” صلاح جلال ” مدعوما من الحكومة، وحمل وقتها شعار ” نقيب الجسور”.
وجاءت المفاجأة عندما أعلن الزميل ” عبد المحسن سلامة ” مدير تحرير الأهرام عن نيته لخوض انتخابات نقابة الصحفيين على مقعد النقيب بعد التأكد من دعم ” الدولة ” له وبالفعل التقى عددًا من الوزراء بعد إعلان ترشحه كان أخرهم وزير القوى العاملة ” محمد سعفان ” فأعلن ” عبد المحسن سلامة ” أنه ستتم زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا بما يتجاوز الـ ( 280) جنيها، وإنه بحث مع وزير القوى العاملة تعيين أبناء الصحفيين. فى وظائف بالقطاع الخاص (!) وتجاهل ” عبدالمحسن ” أن النقابة فى ظل مجلس ” يحيي قلاش ” توصلت إلى تشكيل لجنة من النقابة والمجلس الأعلى للصحافة ووزارة المالية تقوم بإعداد مقترحات عملية لمعالجة قضية أجور الصحفيين وقواعد صرف بدل التدريب والتكنولوجيا فى ضوء وجهة نظر النقابة بحيث يكون البدل مستحقا لكل الصحفيين المقيدين بجدولي المشتغلين وتحت التمرين بالنقابة العاملين داخل مصر، استناداً إلى الأحكام القضائية التي أقرت أن البدل يمثل حقاً مكتسباً وجزءًا من الدخل الشهري للصحفيين.
* ولم يقتصر التدخل على هذا المستوى، فوزارة الداخلية اعتبرت نفسها خصما لنقيب الصحفيين “يحيي قلاش” ولـ “خالد البلشي” وكيل نقابة الصحفيين وأعضاء المجلس الذين شاركوا فى رفض اقتحام الأمن لنقابة الصحفيين لإلقاء القبض على زميلين صحفيين اعتصما بالنقابة وقادوا اجتماع 4 مايو الذي شارك فيه آلاف الصحفيين للاحتجاج على عدوان الداخلية على النقابة، ونجحت الداخلية مستخدمة أدواتها داخل أجهزة الصحافة والإعلام فى تغيير الصورة وإقناع قطاعات من الرأي العام والصحفيين بأن ” قلاش ” والبلشي ” هما اللذين صعدا الصراع ضد الداخلية وأدخلا النقابة فى صدام مع أحد أجهزة ” الدولة ” وبالتالي فإعادة انتخابهما يضع النقابة فى مأزق مع الدولة ! متناسين أن النقابة مؤسسة من مؤسسات الدولة، وأن الداخلية هي أحد أجهزة الحكومة، وأن الخلاف معها لم يبدأ باقتحام النقابة والتصعيد معها إلى حد اتهام النقيب ووكيل النقابة وسكرتيرها العام بنشر أخبار كاذبة وإيواء مطلوبين للعدالة، وإصدار النيابة العامة قرارا بحبسهم والإفراج عنهم بكفالة 20 ألف جنيه لكل منهم، وإحالتهم للمحاكمة والحكم عليهم بالسجن عامين ( أول درجة ).
* ولأول مرة يدخل بعض رجال الأعمال المالكين لقنوات فضائية وصحف خاصة على الخط، ليفرضوا حصارا على ” يحيي قلاش ” وأخباره ونشاطه، وليروجوا للمرشح المنافس ويستضيفوه فى برامج للترشيح له.
* لم يحسب البعض أثر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتدهور الأوضاع المعيشية لجموع الصحفيين وتدني أجورهم حيث أصبحوا فى ذيل المهنيين كافة، وبالتالي تأثيرا لتلويح بزيادة البدل على تصويتهم بالنسبة للنقيب وقائمته.
* نجح الزميل ” عبد المحسن سلامة ” والذين تولوا إدارة معركته الانتخابية، فى إثارة نعرات التحيز لمؤسسة الأهرام وحشد المقيدين من ” الأهرام ” فى جدول المشتغلين بمن فيهم الإداريون والموظفون الذين قيدوا فى النقابة فى ظروف معينة، التصويت لصالح ” مرشح الأهرام ” وكان المشهد فى الساعات الأخيرة لافتاً، عندما توافد المئات تم نقلهم بحافلات الأهرام إلى مقر النقابة. ولم يكن حشدهم بهدف فوز ” عبد المحسن سلامة ” فقط وإنما جرى توزيع قائمة خاصة بالمجلس ضمت خمسة من الأهرام ” فوق السن ” ومعهم الزميل ” جمال عبدالرحيم ” وذلك لضمان إسقاط ” خالد البلشي ” وأسامة داود وكارم محمود ” وجميعهم فوق السن، وهو ما يفسر حصول الفائزين فوق السن على أصوات تتجاوز الألف صوت ” جمال عبد الرحيم 1182 ” وجاء ترتيبه الأول حيث حصل على أصوات تيار الاستقلال النقابي المساند ليحيي قلاش والزملاء الخمسة أعضاء المجلس السابق والذين رشحوا أنفسهم فى الانتخابات إضافة إلى أصوات المؤيدين ” لسلامة “، وحصول ” حسين الزناتي ” من الأهرام على (1165 صوتا ) ومحمد خراجة من الأهرام كذلك على (1152 صوتا ) بينما لم تتجاوز الأصوات التي حصل عليها الثلاثة ( تحت السن ) إلـ 800 صوت، حيث فاز ” محمد سعد عبد الحفيظ ” بـ (801 صوت ) من الشروق وعمرو بدر من الدستور بـ (755 صوتا ) وأيمن عبد المجيد من روز اليوسف بـ ( 763 صوتا ).
والنتيجة النهائية هي أن مجلس نقابة الصحفيين الجديد لمدة عامين يغلب على عضويته التيار الحكومي، مع وجود عدد محدود من تيار الاستقلال النقابي ( ما بين 3 و5 ) ويغيب عنه المرأة والأقباط بعد إسقاط الزميلة ” حنان فكري “. وكعادة الصحفيين دائما فبانتهاء الانتخابات يصطف الجميع خلف المجلس الجديد ويقفون مساندين له فى مواجهة التحديات التي تواجه النقابة والمهنة بدءًا بتنفيذ قرار الجمعية العمومية الإسراع بإصدار مشروعي القانونيين اللذين صاغتهما اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية، والبحث عن حل لأزمة ديون الصحف ( قومية وحزبية وخاصة التي ستتضاعف فى ظل تخفيض قيمة الجنيه المصري، وقضية الأجور والبدل، وتحديث قانون النقابة، والخدمات، واستكمال مشاريع ” معهد التدريب ” والنادي الاجتماعي والثقافى ” الذي بدأ منذ شهر، وحل مشاكل الصحف المتوقفة.. الخ.

التعليقات متوقفه