بعد رفع أسعار الأدوية مرتين.. استمرار ارتفاع نواقص الدواء لـ324 صنفا منها 42 بلا بديل.. د. رؤوف حامد: الفوضى تتلخص فــى أربعة أبعاد مترابطة

54

أزمة الدواء ليست وليدة اليوم، وخاصة نقص الأدوية، وإنما أزمة ممتدة منذ سنوات، ولكنها ازدادت تفاقما حاليا بسبب مافيا شركات الدواء وتحكمها فى السوق، بعد توارى شركات قطاع الأعمال العام عن الأنظار،وخسارتها المتتالية،بسبب إهمال الحكومة لها، وعدم النظر إلى أن خسائر هذه الشركات قضية أمن قومي.
وزارة الصحة قامت برفع أسعار الدواء مرتين فى أقل من سنة، بحجة توافر نواقص الأدوية، لعدم الضرر بالمريض من غياب بعض الأصناف الحيوية، ولكن بعد الزيادة أصدرت إدارة الدعم ونواقص الدواء التابعة للإدارة المركزية للشئون الصيدلية التابعة لوزارة الصحة، قائمة النواقص خلال مارس الجاري، والذي ارتفعت لـ324 صنفا دوائيا منها 282 لها بدائل، و42 صنفا ليس لها بديل، بعد أن كانت الشهر الماضي 298 صنفا، بزيادة 26 صنفا على الرغم من إصدار وزارة الصحة قرارا برفع أسعار الأدوية فى 12 يناير الماضي، بهدف توفير الأدوية الناقصة فى السوق.
فالنشرة تضمنت اختفاء كاملا لـ42 صنفا دوائيا ليس لها بدائل فى السوق، تستخدم لعلاج أمراض مزمنة، منها السكر، والكبد، والسرطان، والهيموفيليا، وعلاج الذبحة الصدرية، وأخرى لمنع الحمل، وأدوية التخدير، وبعض المضادات الحيوية.
تفاقم الازمة
ومن جانبه قال الدكتور رؤوف حامد الخبير الدوائي ورئيس هيئة الرقابة الدوائية سابقا، إن تفاقم نواقص الأدوية بسبب الفوضى الموجودة فى سوق الدواء المصري،فقرار تحرير سعر الصرف، ليس السبب الرئيسي فى فوضى سوق الدواء،وإنما القرار كشف هذه الفوضى، موضحا أن الفوضى تتضمن فى أربعة أبعاد مترابطة،فالبعد الأول يتمثل فى الأزمة الطارئة،حيث تحتاج هذه المواجهة إلى تعامل سياسي علمي يقوم على خطاب تفاعلي تشاركي جماعي، وليس خطابات أوامر أو تهديدات من أي مستوى قيادي سواء حكوميا أو غير حكومي.. وتابع أن هذا الخطاب يجب أن يتعامل بشكل كلى شامل مع جميع العوامل المؤثرة بهدف استيعاب ومشاركة كل الشركاء المعنيين بالأمر،فالنجاح فى هذه المواجهة يكتمل من خلال لا مركزية رشيدة فى التطبيق على مستوى المحافظات والمدن،مبينا أنه لتجنب الفوضى أثناء تطبيق الحل السياسي العلمي لابد من الإعلام عن أهداف الحل الذي يتم التوصل إليه، وطريقة تطبيقه، ونقاط القصور فيه.
أما وضع الشأن الدوائي المصري على مسار سياسي سليم، فأكد أنه يجب التحول إلى مسار سليم يحتاج للعمل فى أربعة اتجاهات،الاتجاه الأول يختص بالتوصل إلى صياغة علمية لسياسة دوائية حقيقية تستهدف إتاحة الدواء لكل من يحتاجه وبالسعر الذي يناسبه، فواقعية السياسة الدوائية ونجاحها يعتمد على مؤشرات اقتصادية واجتماعية تقيس الإمكانات المعيشية للأفراد، وتقوم على حسابات للتباينات الكيفية والكمية لهذه المؤشرات عبر الشرائح الاجتماعية المختلفة، وفى جميع المحافظات.. وأضاف أن السياسة الدوائية تتطلب الاجتهاد فى تطبيق المفاهيم الخاصة بالتحكم الأمثل فى عدد الأدوية الخاصة بتطبيق مفهوم “الأدوية الأساسية” والتي تتمتع بالفاعلية والمأمونية والسعر المنخفض،وأيضا تطبيق الوصف الطبي باستخدام الأسماء العلمية للأدوية، مما يقلل من التأثير السلبي لشراسة عمليات الترويج الدوائي،بالإضافة إلى تطبيق منهجي لقواعد الاستخدام الرشيد للأدوية، والتي تهدف إلى تجنب تداخلاتها الضارة مع بعضها أو مع الظروف الخاصة بالمريض مثل العمر والغذاء والأمراض الأخرى.
وأشار إلى أن السياسة الدوائية الوطنية لا تكون حقيقية،ولا تنجح إلا بتضمنها لآليات يكون من شأنها توقع المشكلات،مثل نقص الأدوية أو مفاجآت ارتفاع أسعارها،وإدارة التوصل إلى حلول لها،فمنظومة السياسة الدوائية تحتاج إلى علاقات تغذية مرتدة،وسيناريوهات احتياطية، لاتخاذ قرارات استثنائية عند مواجهة الأزمات والكوارث مثل الأوبئة أو تغيير سعر العملة، لذلك لابد من إخضاع السياسة الدوائية للتقويم الدوري من خلال دراسات علمية وورش عمل.
وأوضح أن الاتجاه الثاني المكمل للسياسة الدوائية يختص ببناء نظام قومي كفء للرعاية الصحية،أما الاتجاه الثالث يتمثل فى استنهاض قومي للصناعة الدوائية المصرية، فيتطلب تطوير معايير تقويم هذه الصناعة، وتهيئتها للتقدم من خلال إحداث تحولات إستراتيجية فى بيئتها وفى بنيتها وفى علاقاتها المؤسسية،مؤكدا ضرورة تأهيل هذه الصناعة للابتكار والارتقاء فى التسويق وفى البحوث وفى إنشاء التحالفات والتكتلات الإستراتيجية التي تحقق ذلك.
أما الاتجاه الرابع هو إنشاء كيان دوائي قومي يختص بإدارة تشمل جميع شئون الدواء فى مصر،أي بإدارة السياسة الدوائية والصناعة الدوائية فى نفس الوقت،فالحاجة إلى هذا الكيان تنبع من الطبيعة العالمية للتغيير فى القرن الحادي والعشرين،والذي يعتمد على تطوير السياسات والاستراتيجيات، وبالإبداع عند التطبيق، وبحسن المتابعة والترشيد.
تضرر المريض
اعتبر الدكتور على عبد الله،مدير المركز المصري للدراسات الدوائية والإحصاء،أن المتضرر الوحيد من ارتفاع أسعار الدواء،خلال الفترة الماضية هو المريض البسيط،بينما باقي الأطراف حققت مكاسب هائلة باختلاف نسب الأرباح من طرف لأخر، فتحرير سعر صرف الجنيه يمثل عائقا واحدا فقط من المعوقات التي تواجه صناعة الدواء فى مصر.
فالربط بين تحريك سعر الدواء وتحرير سعر الصرف نظام معمول فى دول أخرى، وقرار مهم ولا بديل عنه، ولكن يحتاج أن يتم بطريقة مدروسة وليست عشوائية، وأن تضع الدولة نظام تسعيرة عادلا وعاجلا، يوازن بين سعر التكلفة والسعر للجمهور، وأن يكون عادلا،أيضا بألا تكون هناك تفرقة بين شركة وأخرى، فمثلا شركات قطاع الأعمال المصرية يحدث لها جمود فى التسعير،فى حين يتم تحريك السعر لشركات أخرى مرة واثنين فى فترة زمنية أقل.. وأضاف أن أداء وزارة الصحة خارج نطاق الخدمة، خاصة فى التعامل مع ملف الدواء،فالوزارة لم تمتلك أي رؤية أو خطة لأزمة تفاقم نواقص الأدوية بشكل كبير،وأكبر دليل هو عجز الدولة حتى الآن عن حل مشكلات نقص الأدوية والمحاليل والأنسولين، موضحا أن الحل يكمن فى اعتراف الدولة بأننا أمام وضع دوائي مقلق، ويحتاج إلى حلول غير تقليدية، من خلال سد العجز فى الأدوية التي لا يمكن الاستغناء عنها.. وتابع أنه يجب على مصانع الأدوية،أن تتحمل لفترة هذه الظروف الاستثنائية للدولة، حتى يستقر سعر الدولار،أما محور الطبيب والصيدلي والمريض، حيث يجب أن يدرس الطبيب السوق وما هو متاح من أدوية، ويراعى ظروف المريض المادية والاجتماعية، ويكتب له دواء صناعة محلية من البدائل المتاحة، وليس ضروريا المستورد،بينما الصيدلي فمهمته تثقيف الأطباء والمرضى بالأدوية البديلة والصناعة المحلية، وهو نفس الشيء الذي يجب أن يقتنع به المرضى.
وشدد على ضرورة اهتمام الدولة بالبحث العلمي، وتطوير الصناعة المحلية للدواء، والتوسع الأفقي والرأسي، حيث نمتلك أكثر من 200 نوع نباتي، و60 صنف نباتي بسيناء لا يوجد له مثيل فى العالم،يجب استخلاص المادة الفعالة منه وإدخالها فى صناعة الدواء.
تخلى الدولة
وقال الخبير الدوائي وعضو تمرد الصيادلة الدكتور هاني سامح، إن محتكري ومافيا الدواء،هم المستفيدون الوحيدون من ارتفاع أسعار الدواء،فالدولة خرجت خاسرة واستسلمت لضغوط الشركات،بالإضافة إلى عدم الدفاع عن حقوق المواطنين والمرضى، وتخلت عن دورها بشكل واضح وصريح،مبينا أن الدولة استجابت لضغوط جامعات الضغط الأجنبية الخاصة بشركاتهم،بالرغم من أن هذه الشركات كانت تحقق الملايين من الجنيهات،بل وفى بعض الشركات كانت توصل للمليار وأكثر.. وأوضح أن تكتل رجال الأعمال وسيطرتهم على عدد من مفاصل الدولة، هو السبب الحقيقي لارتفاع الأسعار مرتين متتاليتين فى أقل من سنة،مشيرة إلى أن هناك عددا كبيرا من رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمصانع وغرفة صناعة الدواء،داخل مجلس النواب،فبالتالي من الطبيعي أن تستجيب الدولة لمطالبهم.
ووافقه الرأي محمود فواد، مدير المركز المصري للحق فى الدواء، فى أن الدولة لم تحقق فائدة من ارتفاع أسعار الدواء بأى شكل، وان المستفيد هى شركات الأدوية، نظرا لان الفائدة تعم على الشركات الخاصة المصرية التي تستولي على ٣٨٪‏ من مبيعات السوق أو الشركات الأجنبية التي تستولي على ٥٨٪‏ من المبيعات ولكن تستفيد من مبيعات قطاع الأعمال التي لا تتعدي ٣٪‏ فقط.. وأضاف أن جميع مكونات صناعة الدواء تأتي من الخارج مستوردة لذلك فالاقتصاد المصري،يتحمل فاتورة باهظة فى حالة الاستيراد بحوالي ٢ مليار دولار المواد الخام والأدوية المستوردة وهي فاتورة كبري يدفعها الاقتصاد المصري بالعملة الصعبة.
خطوة فارقة
ومن جانبه قال النائب هيثم الحريري،عضو لجنة الصحة،إن وزارة الصحة لم تمتلك أي رؤية أو خطة فى أي ملف، خاصة ملف الدواء،فالقرارات جميعها عشوائية وبدون دراسة كافية،مؤكدا رفضه التام للقرارات الأخيرة برفع أسعار الدواء،حيث أن الحل الأمثل لوزير الصحة فى أي أزمة تواجه الوزارة هي تحمل تكلفتها للمواطن البسيط، ورفع الأسعار لتربح أصحاب الشركات.. وأضاف أن الحكومة ترفع الدعم عن الكهرباء والمياه وغيرهما، وفى ظل ارتفاع الدولار فى الأسواق الرسمية،وارتفاع أسعار الأدوية،وبالتالي زيادة العبء على المواطن، مشيرة إلى أن الدستور الحالي نص على حق المواطن فى العلاج والحصول عليه بسعر مناسب، ويجب على وزير الصحة العمل بشكل جماعي وتنظيمي من أجل حل أزمة غياب الأدوية وتوافرها بشكل سريع.. ولفت “ الحريري “ إلى أن هذه هي توجهات الحكومة وليست وزارة الصحة فقط، بتحميل كل الأعباء على المواطنين،مؤكدا ضرورة سحب الثقة منها، ولكن تحالف دعم مصر يعوق هذه الخطوة الفارقة من تاريخ الدولة بأكملها.

التعليقات متوقفه