قرض الصندوق وخصخصة البترول والمرافق العامة

54

جوهرة التاج فى أى برنامج للاقتراض من صندوق النقد الدولى هو خصخصة المشروعات العامة وبيع الأصول الوطنية للأجانب. وثائق اتفاقية قرض الصندوق لمصر توضح أن بيع الأصول المملوكة للدولة تشكل ركنا مهما من برنامج القرض. تعهدات مصر فى الاتفاقية تنص على طرح حصص فى المشروعات العامة للبيع فى سوق الأوراق المالية، على النحو الذى يجتذب استثمارات قيمتها 5 مليارات دولار على مدى 3 سنوات. كما تنص على أن التركيز سيتم بشكل مبدئى على قطاعات البنوك والخدمات المالية، البترول والغاز، البتروكيماويات، مواد البناء، شركات التطوير العقارى.
وعلى الرغم من تعدد القطاعات التى تشملها قائمة المشروعات التى ينتظر طرحها للخصخصة، فإن قطاع البترول سيمثل فيما يبدو جوهرة التاج فى القطاعات المطروحة. وثائق القرض تتضمن تعهدا من الحكومة المصرية بأن تقوم قبل نهاية شهر مارس الجارى بإعلان استراتيجية لتطوير قطاع الطاقة، وطرح خطة عمل للإصلاح الفنى والمالى للهيئة العامة للبترول. التعهدات المتعلقة بالهيئة العامة للبترول تتضمن ليس فقط إلغاء دعم المنتجات البترولية ليصل السعر إلى 100% من التكلفة فى نهاية يونيو 2019، وليس فقط تخفيض النفقات وتحسين كفاءة التشغيل، وإنما أيضا طرح حصص أقلية (يمكن أن تصل إلى 49% من رأس المال) فى عدد من الشركات التابعة للهيئة العامة للبترول فى البورصة. الأخبار التى تناقلتها الصحف على مدى الشهر الماضى توضح السير فى إجراءات طرح حصة تصل إلى 30% من رأسمال شركة آموك. الإصرار على أن يكون البيع لرأس المال الأجنبى يتضح من تخصيص 10% من الأسهم يتم طرحها فى بورصة لندن من خلال آلية شهادات الإيداع الدولية.
إعادة هيكلة الهيئة العامة للبترول يمثل فى واقع الأمر نقطة البدء لبرنامج يستهدف خصخصة المرافق العامة وتسهيل نفاذ رأس المال الأجنبى إليها. هل تذكرون حديث وزيرة التعاون الدولى للصحافة الأجنبية منذ بضعة شهور عن توجه الدولة لخصخصة المرافق العامة؟ وثائق القرض توضح تعهد الحكومة بمراجعة مستويات أداء الهيئات العامة الاقتصادية ومدى اتفاقها مع المعايير الدولية. كما تنص على تحديد الهيئات التى يمثل نشاطها خدمة من الخدمات العامة التى يتعين على الدولة توفيرها للمواطنين. فالهيئات التى يتم الاعتراف بأنها تقدم هذا النوع من الخدمات سيتم ضمها للموازنة العامة وتظل بالتالى مملوكة للدولة. ويعنى هذا كله التمهيد لفتح الباب أمام القطاع الخاص المحلى والأجنبى للنفاذ إلى بقية الهيئات العامة الاقتصادية، سواء كنا نتحدث عن الهيئة القومية لسكك حديد مصر، وهيئة النقل العام، والهيئة القومية للبريد، أو كنا نتحدث عن الهيئة العامة لميناء بور سعيد والهيئة العامة لموانىء البحر الأحمر أو هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء وهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة. كل هذه المرافق يمكن أن نصحو ذات يوم لنجدها تحت سيطرة احتكارات خاصة محلية أو أجنبية.
هل تبدو هذه التخوفات مبالغا فيها؟ فلنتذكر إذن أن برنامج القرض الممنوح لليونان فى عام 2015 قد تضمن بيع أصول مملوكة للدولة بما يعادل 50 مليار يورو، وأن قائمة المرافق العامة التى تم بيعها شملت مجالات المياه والكهرباء والاتصالات ومكاتب البريد وخدمات المطار والموانى البحرية.

د. سلوى العنترى

التعليقات متوقفه