أهم مخاطر الاتفاق مع صندوق النقد الدولى

120

أفاض كثير من الاقتصاديين المصريين على اختلاف مدارسهم الفكرية ومواقعهم العملية فى الحديث عن أهمية قيام الحكومة المصرية بمعالجة مشاكلنا الاقتصادية بعيدا عن صندوق النقد الدولي، وقدموا فى ذلك كثيرا من الحلول والبدائل للتغلب على مشاكل الوضع الاقتصادي الراهن. ومن يتابع ما شهده عامي 2015 و 2016 على سبيل المثال من مؤتمرات وندوات ومحاضرات وما نشر من دراسات ومقالات وما بثته وسائل الإعلام والفضائيات من حوارات ومداخلات، سوف يكتشف أن جهودا كبيرة ومخلصة قد بذلت بالفعل للبحث عن بدائل وحلول لوضع الاقتصاد المصري على الطريق الصحيح الذي يكفل تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية وليس مجرد التغلب على مشاكل الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات وهي المشاكل التي بسببها استدعت الحكومة صندوق النقد الدولي ليقحم انفه فى سياساتنا الاقتصادية ويحدد أهدافها وأولوياتها ويراقب تنفيذها.
رغم كل ذلك فان حوارا مجتمعيا حقيقيا لم يتم ولم تستمع الحكومة ولم تناقش واعتبرت أن كل ما قيل هو مجرد آراء لا يجب حتى الرد عليها وتفنيدها. وبذلك تم تعويم الجنيه تعويما مطلقا والموافقة على ضريبة القيمة المضافة وإصدار قانون الخدمة المدنية وتوقيع الاتفاق مع الصندوق والحصول على دفعة أولى من قرض يتطلب الحصول على باقي دفعاته التزاما حديديا طبقا لجدول محدد طوال 3 سنوات نخضع فيها للتفتيش المالي كل 6 شهور ليتأكد الصندوق من تنفيذ الحكومة للشروط قبل صرف كل دفعة.
معاناة الفقراء
ومع مرور نحو 5 شهور على البدء فى تعويم الجنيه باعتباره محور الاتفاق مع الصندوق، بدأت النتائج تظهر بشكل واضح متمثلة فى شكل فقدان الجنيه المصري لنحو نصف قيمته الخارجية وارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 32 % وارتباك أسواق العديد من السلع المستوردة والمحلية وازدياد معاناة الطبقات الفقيرة وذوي الدخول الثابتة وأيضا الطبقة المتوسطة التي تنحدر مستويات معيشتها بسرعة بالغة.
وتشير متابعة نصوص الوثائق الخاصة بالاتفاق مع الصندوق إلى أننا سنكون بصدد العديد من المخاطر خلال الفترة المقبلة، منبعها الرئيسي هو المخاطر المتعلقة بافتقاد الصفة العلمية والموضوعية لبرنامج الصندوق، حيث أكد الواقع عدم صحة توقعاته رغم ما استخدمه من معادلات ومعطيات.. وبالتالي فان هناك خطورة كبيرة إذا ما اعتقدنا بصحة برامجه ونصائحه.. لان كل ما يهمه هو تطبيق السياسات التي يقترحها ويفرضها بغض النظر عن النتائج… أي الانكماش الاقتصادي وتخلي الدولة عن دورها الإنتاجي وبيع ما تمتلكه من مصانع وشركات ومن مرافق عامة وفتح الباب على مصراعيه للاستثمار الأجنبي والسلع المستوردة.
الصندوق يعتبر أن مشاكلنا هي مشكلة توازنات مالية فقط، ومن ثم يركز على مشاكل الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات، متجاهلا أن مشكلتنا هي حاجتنا الماسة لتحقيق معدلات نمو كبيرة وتحقيق تنمية مستمرة يتطور معها الهيكل الإنتاجي.وهو حين يهتم بزيادة إيرادات الموازنة فانه يحصل عليها من جيوب الفقراء عن طريق ضريبة القيمة المضافة، وبتخفيض الإنفاق العام على بند الأجور والدعم.. أي أيضا على حساب الفقراء وذوي الدخل الثابت أما دخول الطبقات الغنية فلا تمس وأما المستثمرون الأجانب فحقوقهم مقدمة على حقوق مصر كلها..
جذب الاستثمار
وبمجرد تعويم الجنيه انخفضت قيمته للنصف مقابل العملات الأجنبية وبدأت معدلات التضخم فى الارتفاع بالغ الخطورة حيث تجاوزت 32 %_، الأمر الذي يعني مزيدا من صعوبات الحساب الاقتصادي أمام المستثمر سواء المصري أو حتى الأجنبي بدلا من تيسير مهمته، وبالتالي فان ما يستهدفه الاتفاق من اجتذاب للاستثمار الأجنبي يصبح محلا للشك لغياب ما يستهدفه أي مستثمر من عدم وجود معدلات مرتفعه للتضخم. ويعني التعويم وما صاحبه من إجراءات رفعت معدل التضخم مزيدا من أعباء الحياة على المصريين وخاصة الفقراء بعد أن وصلت الزيادة فى الأسعار إلى 40 % بالنسبة للغذاء وهو البند الذي يستوعب الجزء الأكبر من دخول الفقراء.
البيع للأجانب
وبانخفاض قيمة الجنيه تزداد مخاطر استيلاء الأجانب على مشروعاتنا الاقتصادية العامة والخاصة بعد أن أصبحت رخيصة بالنسبة لهم ( أعتقد أن هذا هو الهدف الأساسي للاتفاق مع الصندوق وأرجو أن أكون مخطئا وأن تثبت السنوات القادمة أني بالغت فى تصوري )، وهنا بصفة خاصة لابد من الإشارة إلى أن الصندوق يلزم الحكومة ببيع عدد من شركات البترول والبنوك بحيث تكون للأجانب حصة مسيطرة فى هيكل ملكيتها.. الأمر ليس مجرد خصخصة ولكن اشتراط البيع للأجانب يعني أن المجتمع المصري ممنوع من السيطرة على موارده ومن أرباح هذه المشروعات.
و يتضمن البرنامج سياسة انكماشية شديدة بتقليل الإنفاق العام وزيادة معدلات الفائدة المصرفية مع حجب الأموال التي يتم تجميعها كمدخرات من البنوك لكي لا تستخدم فى تمويل المشروعات؟. وهذا كله معناه مزيد من التضييق على قطاعات الإنتاج وعدم توفير التمويل المصرفى اللازم، فضلا عن ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب زيادة أسعار المكون الأجنبي المستورد وارتفاع أسعار الكهرباء والطاقة مما سيؤدي بالضرورة إلى خروج الآلاف من هذه المشروعات من السوق خاصة المصانع والمشروعات الصغيرة التي لن تقوى على تعويض ارتفاع تكلفة الإنتاج ولا على منافسة المنتجات المستوردة. وبانخفاض مستوى النشاط الاقتصادي ستزداد معدلات البطالة وحالات التعثر المصرفى وندخل فى دائرة لا يعلم أبعادها إلا الله. والمهم أن انخفاض النشاط الاقتصادي يعني أيضا انخفاض الحصيلة الضريبية وبالتالي المزيد من عجز الموازنة وليس العكس.
الرهن للبنوك
وهناك قيود شديدة على قيام ألدولة وهيئاتها بالاستيراد بما فى ذلك السلع التموينية والإستراتيجية..ولا تستطيع الدولة تقييد الواردات أو أن تطلب من منظمة التجارة العالمية مساعدتها فى ضبط الاستيراد بسبب ظروفنا غير المستقرة..فقد تنازلت الحكومة وبصراحة عن حقها فى طلب وضع بعض القيود بالاتفاق مع منظمة التجارة العالمية والدول المصدرة، باعتبار أن الزيادة فى الأسعار كفيلة بمفردها للحد من الواردات.. وبلاش الناس تاكل…
وأخيرا فان الاتفاق يجعل إدارة الاقتصاد المصري كله بهدف أساسي هو سداد ديون واستثمارات الأجانب، حيث يتم حجز القروض الأجنبية من المنظمات الدولية لتعلية الاحتياطيات وليس لتمويل التنمية.ولعلنا لاحظنا التهليل الإعلامي لارتفاع رقم الاحتياطيات الدولية كما لو كانت زيادة هذه الاحتياطيات هي الهدف النهائي للسياسة الاقتصادية.. كما أن موارد النقد الأجنبي الزائدة عن حاجة البنوك التجارية والتي يشتريها منها البنك المركزي لا يمكن استخدامها بمعرفة الحكومة والقطاع العام ولكنها تستخدم أساسا لتعلية الاحتياطيات.. أي أننا نقترض نقدا أجنبيا ونرهنه فى البنوك الخارجية لتطمين المستثمر الأجنبي والدائن الأجنبي ولا نستخدمه لتمويل التنمية والمهم ألا تكون علينا مستحقات لأي مستثمر أجنبي بما فى ذلك شركات البترول العاملة فى مصر..
صندوق النقد الدولي لا يلعب دورا محايدا لحل مشاكل أحد وإنما يؤدي دوره كمؤسسة تابعة للشركات دولية النشاط التي تحكم الاقتصاد العالمي وتمد نفوذها إلى كل أركانه وتحول كل الدول إلى أسواق لمنتجاتها. وفى هذا الإطار ينبغي فهمه وتقييم دوره وتغيير الاتفاق معه.

محمد نور الدين

التعليقات متوقفه