رأى دبلوماسى: صواريخ «التوماهوك» مرة أخرى

41

الساعة الرابعة من فجر يوم الجمعة الموافق 7 أبريل أطلقت مدمرتان امريكيتان عدد 59 صاروخا من طر از “ توماهوك” ضد الأراضى السورية مستهدفة قاعدة جوية على بعد 150 كيلومترا من مدينة “ حمص “، دمرت خلالها المقاتلات السورية والدشم التى تحتمى بها ومستودعات الذخيرة والوقود بالقاعدة. وحسب المصادر العسكرية الأمريكية، قامت وزارة الدفاع الأمريكية بإبلاغ قيادة الجيش الروسى بالهجمات الأمريكية قبل وقوعها حتى يتسنى سحب أفراد عسكريين روس بالقاعدة المذكورة.
وبسب الفارق فى التوقيت بين منطقة الشرق الأوسط والساحل الشرقى للولايات المتحدة، كانت الساعة التاسعة مساء بتوقيت واشنطن لحظة اطلاق “التوماهوك” ضد سوريا، قلب العروبة النابض، وهو ما تزامن مع كلمة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتبرير هذا العدوان الأمريكى بذريعة ان الجيش السورى استخدم السلاح الكيماوى فى هجوم على “ خان شيخون “ يوم الثلاثاء الموافق أبريل.
بهذا العدوان تبدلت السياسة التى تحدث عنها المسئولون الجدد فى البيت البيض وفى مقدمتهم الرئبيس الأمريكى شخصيا من ان واشنطن لن تعمل من أجل تغيير أنظمة بعينها فى الشرق الأوسط، كما أنها ترى ان الشعب السورى هو الذى سيحدد مصير الرئيس السورى بشار الأسد.
جاءت الهجمات الصاروخية الأمريكية على القاعدة الجوية السورية لتبدد الآمال فى ان الادارة الأمريكية الجديدة ستعمل مع المجتمع الدولى بصفة عامة، وروسيا بصفة خاصة،من أجل الإسراع بالتوصل للحل السياسى المنشود فى الأزمة السورية وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.ومن ان سياستها تجاه مجمل قضايا الشرق الوسط والوضع فى ليبيا ستكون مختلفة عن سياسة الادارة الأمريكية السابقة.
والسؤال الذى طرح نفسه بقوة عقب الهجمات الصاروخية الأمريكية يتعلق بالأسباب التى قد تفسر هذا التغيير الجذرى فى موقف الرئيس ترامب تجاه الرئيس بشار الأسد، وعما إذا كانت هذه الهجمات مقدمة لهجمات أخرى ضد سوريا، وماهى الأهداف الخفية وراءها.
التقدير هو ان الرئيس الأمريكى بعد فشله فى تمرير مشروعه للتأمين الصحى بدلا من النظام المعمول به حاليا، وعدم نجاحه فى حشد الأصوات الكافية من الأعضاء الجمهوريين فى مجلس النواب الأمريكى لتمريره مماأثر على صورته امام الرأى العام الأمريكى وأمام العالم الخارجى، ومن أجل كسب أصوات صقور الحزب الجمهورى لصفه كعضو مجلس الشيوخ السناتور جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ والذى يضغط بشدة لتسليح الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة السورية بهدف تمكينها من اسقاطها.الدافع الآخر هو كسب تأييد اليسار الأمريكى، وهنا اليسار يعنى الأجنحة الليبرالية فى الحزبين الجمهورى والديمقراطى بالاضافة الى كسب مساحة من التعاطف من قبل وسائل الاعلام التى كانت تؤيد منافسته فى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى العام الماضى،السيدة هيلارى كلينتون.السبب الآخر الذى يمكننا طرحه فى محاولة لتفسير هذا التحول الجذرى تجاه الأزمة السورية من قبل ادارة ترامب هو محاولة احتواء ما يتردد بالحاح حول علاقات مشبوهة بين حملة انتخابات ترامب الرئاسية فى العام المنصرم وجهات رسمية روسية.والجدير بالذكر ان هذه الهجمات جاءت بعد ايام قليلة من طلب مستشاره السابق للأمن القومى الجنرال مايك فلين منحه الحصانة مقابل موافقته على الادلاء بشهادته امام الكونجرس الأمريكى فى التحقيقات الجارية حول وجود اتصالات مع الحكومة الروسية لمسئولين فى ادارة ترامب.
السبب الآخر يرتبط على الأرجح باولويات ادارة ترامب فى الشرق الأوسط والتى تعنى فى المقام الأول بمواجهة ايران وتحجيم تأثيرها وامتداداتها الأقليمية.فى هذا السياق تستهدف هجمات التوماهوك ايران كما أستهدفت سوريا، وتريد البعث برسالة قوية ومدوية لطهران، وان كانت غير مباشرة، من ان “ التوماهوك “ الأمريكى قد يجد طريقه الى الأراضى الايرانية، وواشنطن بذلك تحقق هدفين مرتطبتين الأول يتمثل فى الضغط على ايران للتخلى عن دمشق، والثانى هو ممارسة الحرب النفسية على النظام الايرانى من أجل حمله على تقليص دوره فى المنطقة والضغط عليه فى اليمن والعراق.
الحسابات الأمريكية فى استهداف سوريا تتعلق بالسياسة الشرق أوسطية لواشنطن بقدر ما تتعلق باعتبارات ومقتضيات السياسة الداخلية الأمريكية. وفى كل الأحوال بعث العدوان الأمريكى على سوريا بالاشارات الخطا لكل الأطراف فى معادلات الصراعات الدائرة على امتداد العالم العربى بما فى ذلك الجماعات الارهابية، وهى المستفيد الأول بلا منازع من هذا العدوان.

السفير حسين هريدى

التعليقات متوقفه