خدمة الدين تبتلع الموازنة وتسجل 381 مليار جنيه بزيادة 89 مليارًا.. إلغاء دعم الفلاحين.. وميزانية تكافل وكرامة.. صفر!

101

دخل الاقتصاد فى أزمة جديدة فى أعقاب العملية الإرهابية التى استهدفت اغتيال البابا الأسبوع الماضي، وأدت إلى استشهاد 45 مواطنا أثر الهجوم على كنيسة مار جرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالاسكندرية، والتى أدت إلى إعلان الحكومة تطبيق الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر.
العملية الإرهابية الأخيرة ستقضي على أى أمل لاستعادة النشاط السياحى، الذي بدأ فى الانتعاش خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالى، كما ستؤثر العملية الإرهابية الأخيرة على النشاط الاقتصادى، وخاصة الاستثمار سواء المحلي أو الأجنبي، مما قد يعيق تنفيذ التعهدات من صندوق النقد الدولى، وقد يؤجل بعض الإصلاحات الاقتصادية والقرارات. لكن نجاح الحكومة المصرية فى استيعاب أثر الأعمال الإرهابية والطوارئ، هو ما سيحدد مصير الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة.
كانت الحكومة قد أعلنت عن ملامح الموازنة العامة للعام المالى الجديد الذي يبدأ بحلول يوليو المقبل، وقدر حجم الموازنة بنحو 1،2 تريليون جنيه مصري، واللافت فى موازنة العام الجديد هو ارتفاع بند خدمة الدين إلى نحو 381 مليار جنيه، وهو أكبر بند من بنود الموازنة للمرة الأولى فى تاريخ مصر، متجاوزا بنود الدعم والاستثمار والأجور، نتيجة التوسع فى عمليات الاقتراض، خاصة الخارجى، بعد توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى.
وسجلت قيمة فوائد خدمة الدين العام فى موازنة العام الجديد نحو381 مليار جنيه، مقارنة بـ 292 مليار جنيه فى العام المالى الحالى، بزيادة 89 مليار جنيه،حيث ارتفعت فوائد خدمة الدين الخارجى من 7،6 مليار جنيه إلى 25،5 مليار جنيه، وزادت فوائد الدين المحلى من 284 مليار جنيه إلى 355 مليار جنيه، كنتيجة لزيادة اقتراض الحكومة سواء من السوق المحلي أو من الجهات الخارجية، حيث سجل الدين الخارجى نحو 67 مليار دولار خلال ديسمبر الماضي، وسط توقعات أن يصل إلى 80 مليار دولار فى العام المالى الجديد، ونحو 100 مليار دولار فى نهاية الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، كما تعدى الدين العام ثلاثة مليارات جنيه، بما يعادل 106 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى.
وسجل بند خدمة الدين أعلى بنود الموازنة العامة الجديدة، متفوقا لأول مرة على الأجور والدعم، حيث زادت الأجور بنسبة 7،5 بالمائة لتسجل239،5 مليار جنيه، والدعم والمزايا الاجتماعية 332 مليار جنيه بزيادة 26 مليار جنيه، حيث زاد دعم السلع الغذائية بنحو 22 مليار جنيه، وسجل دعم المواد البترولية أكبر زيادة من 35 مليار جنيه إلى 110 مليارات جنيه، فى ظل زاد دعم الكهرباء بنحو 3 مليارات جنيه، أما دعم تنشيط الصادرات فظل دون تغير عند 2،6 مليار جنيه، فى حين انخفض دعم المزارعين من 5،1 مليار جنيه إلى مليار جنيه، نتيجة إلغاء دعم المحاصيل الزراعية، قصب السكر والقمح.
وخلت الموازنة الجديدة من دعم إسكان محدودي الدخل، والذي سجل فى العام الماضي نحو1،5 مليار جنيه. وزاد معاش الضمان الاجتماعى من 4،1 إلى 15،2 مليار جنيه، فى حين خلت الموازنة من مخصصات برنامج تكافل وكرامة والذي سجل العام الماضي 4،1 مليار جنيه!.
وكان تقرير البنك المركزى المصري قد كشف عن ارتفاع حجم الدين الخارجي للبلاد بنسبة 40 فى المائة خلال عام واحد، خلال النصف الأول من السنة المالية 2016-2017. وبلغ الدين الخارجي 67،3 مليار دولار فى ديسمبر الماضي، مقارنة بنفس الفترة من عام 2015، عندما بلغ الدين الخارجي نحو 48 مليار دولار، ويبلغ إجمالى الدين قصير الأجل المستحق على مصر وواجب السداد قبل نهاية ديسمبر 2017 نحو 11،9 مليار دولار.
كما ارتفع الدين العام الداخلي بنسبة 28،9 فى المائة، ليصل إلى 3،052 تريليون جنيه مصري، أو ما يوازي 166،9 مليار دولار، مقابل 2،368 تريليون خلال نفس الفترة من العام الماضي. وبلغ رصيد البنك المركزي من احتياطي العملات الأجنبية 28،5 مليار دولار.
وتلجأ الحكومة للاقتراض من الخارج كبديل للاستدانة الداخلية،التي وصلت لمستويات كبيرة جدًا، وبأسعار فائدة تعدت نحو 19 بالمائة نتيجة تعويم الجنيه المصري فى نوفمبر الماضي، ورفع أسعار الفائدة بنحو 3 بالمائة. وبلغت قيمة الديون المحلية 2،6 تريليون جنيه فى نهاية العام المالي الماضي، بزيادة 23% على مستواها فى العام السابق، ووصلت نسبتها من ناتج مصر المحلي الإجمالي إلى 94،5%.
وأشار تقرير لـ وكالة موديز الأمريكية للتقييم الائتمانى، إلى أن التحول من الاعتماد على التمويل المحلى إلى الخارجى بالعملة الأجنبية سيعرض مصر لمزيد من انخفاض العملة وزيادة التعرض للمخاطر الخارجية،غير أن هيكل الدين سيتحسن ويساعد على دعم تمويل القطاع الخاص.
مشيرا إلى أن مخاطر التكلفة الاجتماعية والاقتصادية – مثل التضخم وفوائد القروض- الناجمة عن البرنامج ستعمل على تباطؤ إيقاع أى إصلاح اقتصادى، كما أن التحول من الدين المحلى إلى الدين الخارجى، رغم أنه ينتج هيكل ديون أفضل لكنه سيزيد من المخاطر الخارجية للحكومة.
ويتخوف اقتصاديون من قدرة مصر على سداد الديون، خاصة الدين الخارجى، الذي توسعت فيه مصر كثيرًا، منذ توقيع الانفاق مع صندوق النقد الدولى، خاصة أن الموارد المتاحة للاقتصاد المصري لن تتيح له القدرة على تسديد تلك الالتزامات المتزايدة بالعملة الصعبة للدائنين، خاصة أن تلك الأموال لا تستخدم فى مجالات مولدة للدخل.
كما أن الإجراءات التقشفية التي تتخذها الحكومة مقترنة بغياب أي رؤية لإصلاح حقيقي للاختلالات الجوهرية فى هيكل الصناعة والصادرات لا تقلل من فرصة الخروج من المأزق سوى بمزيد من الديون. ولا توجد بوادر لتعديل النموذج الاقتصادي الذي تتبناه مصر باتجاه التصنيع، وإنما التركيز كله منصب على إقامة العاصمة الجديدة والمطارات وبيع الأراضي.
ويعتبر الاقتصاديون أن حجم الدين الخارجي مازال “معقولا” وفى الحدود الآمنة حتى الآن بالمعايير الدولية، ولكن بعض خبراء الاقتصاد يرون أن الوضع بالنسبىة لمصر يختلف، فحجم الديون الخارجية “ليس كبيرا فعلا بالمعايير العالمية،أما بالنسبة لوضع مصر وظروفها فهو كبير، لأن الاقتصاد أصلا صغير وموارده كلها قليلة. والعبء الناتج عن تلك الديون لن يكون هينا، خاصة فى ظل سعر الدولار الحالي”، وفى ظل ما تعلنه الحكومة من طرح لسندات جديدة للاقتراض من الأسواق الدولية، “وعقدها اتفاقيات قروض بأرقام كبيرة، مثل القرض الروسي الخاص بمشروع الضبعة، البالغة قيمته نحو 25 مليار دولار، يثير الكثير من القلق”.
كان رئيس الجمهورية قد اعتمد فى نهاية 2015 اتفاقية قرض تقدمه روسيا لمصر،على شرائح خلال 13 عاما، لتمويل محطة الطاقة النووية التي سيتم إنشاؤها فى الضبعة، بينما يسدد القرض على مدار 22 عاما تبدأ فى 2029.
ويطالب اقتصاديون بضرورة إعادة هيكلة الدين الخارجي من خلال خطة لاستبدال الديون قصيرة ومتوسطة الأجل بأخرى طويلة الأجل، “هذا أمر مطلوب، حتى لو كان له أثر على ارتفاع الفائدة فى الأجل القصير”. فمصر لا تنتج شيئا لا يستطيع العالم الاستغناء عنه، كما أنها لا تملك قطاعا تصديريا، سلعيا أو خدميا، قادرا على التوسع بالسرعة الكافية لتوليد الدولارات اللازمة لخدمة الدين الخارجي عندما تستحق أقساطه وفوائده، فى غضون السنوات القليلة القادمة.

التعليقات متوقفه