لليسار در: الإرهاب والطوارئ.. وحقوق الإنسان

48

أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الأحد قبل الماضي عن قرارين خطيرين لمواجهة الإرهاب، عقب العمليتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا كنيسة مارجرجس فى مدينة طنطا والكاتدرائية المرقسية بمدينة الإسكندرية: وأدتا إلى استشهاد 45 مصريًا وإصابة 126 آخرين، سواء من المصلين أو ضباط وجنود الشرطة المكلفين بحماية دور العبادة.
القرار الأول: هو إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر فى أنحاء البلاد كافة.
والقرار الثاني: هو إنشاء ما أسماه «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف».
وقد وافق مجلس النواب على إعلان حالة الطوارئ بعد إدخال تعديل على « القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ « يعيد لمأموري الضبط القضائي « ضباط الشرطة « سلطة ضبط واعتقال « كل من تتوفر فى شأنه دلائل على ارتكاب جناية أو جنحة وتفتيش مسكنه وكل الأماكن التي يشتبه فى إخفائه فيها أي مواد خطرة أو متفجرة أو أسلحة أو ذخائر أو حيازتها.. « ويمنحهم الحق فى احتجازهم لمدة 7 أيام، كما يمنح التعديل محاكم أمن الدولة الجزئية طوارئ الحق فى احتجاز من توفر فى شأنه دلائل على خطورته على الأمن العام « لمدة شهر قابل للتجديد».
المؤسف أن المجلس وافق على هذا التعديل رغم إدراكه بترجيح عدم دستورية هذا التعديل، فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا إصدار حكم فى 2 يونيو 2013 بإسقاط البند ( 1 ) من المادة الثالثة من قانون الطوارئ، والتي كانت تنص على وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والمرور فى أماكن وأوقات معينة « والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم».
وقد راهن المجلس والحكومة على أن الطعن على هذا التعديل غير الدستوري لن يكون له أثر إلا بعد سنوات قد تصل إلى عشر كما حدث عند الطعن على البند ( 1 ) من المادة الثالثة !.
أما القرار الخاص بإنشاء « المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف « فقد جاء عامًا دون تحديد واضح لاختصاصه وتشكيله، ويحاول مجلس النواب والحكومة الآن تفصيل اختصاصات له واقتراح تشكيله وسيواجهون بعده مطبات، فهل سيكون هذا المجلس هو المجلس المنصوص عليه فى المادة (205) من الدستور تحت عنوان « مجلس الأمن القومي « والمختص بقرار وضع استراتيجيات تحقيق أمن البلاد، ومواجهة حالات الكوارث والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومي المصري فى الداخل والخارج، والإجراءات اللازمة للتصدي لها على المستويين الرسمي والشعبي، أم سيستمر تجاهل هذا النص الدستور، وإنشاء مجلس آخر لاسند له من الدستور !.
وسيمثل القانون الجديد إضافة سلبية لقوانين عديدة قائمة لمكافحة الإرهاب.. منها القانون 97 لسنة 1992الذي أصدره الرئيس الأسبق حسني مبارك، والذي أدخل تعديلات على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وقوانين سرية الحسابات بالبنوك، والأسلحة والذخائر،وإنشاء محاكم أمن الدولة والقرار بقانون رقم 8 لسنة 2015 فى شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
والقرار بقانون رقم 94 لسنة 2015، بإصدار قانون مكافحة الإرهاب.
ولم تفلح هذه الترسانة للقوانين فى مكافحة الإرهاب، أولا لتركيزها على المواجهة الأمنية فحسب فى مواجهة الارهاب، رغم أن الإرهاب له أبعاده وأسبابه الأمنية والفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
كما أن هذه القوانين أصابها العوار الذي تعاني منه منظومة التشريع فى مصر، فقد استخدمت عبارات مرنة وفضفاضة ولا تحديد لها فى مجال التجريم، مثل « الوحدة الوطنية « و» السلام الاجتماعي «،وهي عبارات مقتبسة من قوانين سبق الغاؤها مثل « قانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي رقم 33 لسنة 1978» وتم الغاؤه عام 1992، والقانون رقم 2 لسنة 1997 والقانون 95 لسنة 1980 بشأن حماية القيم من العيب وتم الغاؤهما.
وجاء تعريف الإرهاب تعريفًا واسعًا فضفاضًا يمكن أن يستوعب أي نقد أو تعبير عن الرأي ويجرم حق الإضراب والاعتصام.
وتنص المادة الرابعة من القانون» على أن يعاقب بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة كل من اتفق أو ساعد بأية صورة على ارتكاب الجرائم المشار إليها فى هذه المادة، ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك الاتفاق أو تلك المساعدة».
وقد قضت أحكام المحكمة الدستورية بعدم دستورية « جريمة الاتفاق الجنائي « حماية للحرية الشخصية، ومبدأ شخصية العقوبة، ومبدأ افتراض البراءة.
كما يعاقب القانون بالحبس كل من قام بأي عمل من أعمال الإعداد والتحضير لارتكاب جريمة إرهابية حتى ولو لم يتعد عمله هذا الإعداد والتحضير، بينما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النصوص التي تؤثم الأعمال التحضيرية.
وأجاز القانون لرجال الشرطة القبض على المتهم وتفتيشه والتحفظ عليه فى غير حالات التلبس وبمجرد الاشتباه، وذلك بالمخالفة للمادة (54) فقرة (أ) من الدستور.
وحَوَّّل القانون الحبس الاحتياطي إلى عقوبة مسبقة واعتقال مقنع وحبس مطلق، عندما منح النيابة العامة أو سلطة التحقيق صلاحية الأمر باستمرار التحفظ على المتهم لمدة أو لمدة أخرى لا تجاوز سبعة أيام فى المرة الواحدة.
ويبدو أن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فى مصر، تؤمنان بأن القضاء على الإرهاب يتحقق بالعدوان على مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة، وهدفهما خاطئ تماما، فالتجارب المصرية والإقليمية والدولية تؤكد أن القضاء على الارهاب يبدأ باحترام مبادئ حقوق الانسان والحريات العامة والدساتير والقوانين.
وقد وجه الأمين العام للأمم المتحدة خطابًا بتاريخ 6 مارس 2003 إلى لجنة مكافحة الإرهاب الأممية،عكس الشعور المتنامي بالقلق بشأن الاستعداد للتضحية بالحريات فى سبيل القضاء على خطر العنف، حيث قال إن ردود أفعالنا تجاه الإرهاب وجهودنا الرامية إلى وأده ومنعه، يجب أن تنهض بحقوق الانسان والحريات الأساسية التي يهدف الارهابيون إلى تقويضها، إن حقوق الإنسان والحريات العامة وسيادة القانون كلها تعد بمثابة الأدوات الجوهرية المستخدمة فى المساعي الرامية لمكافحة الإرهاب، وليست مجرد امتيازات يمكن التضحية بها فى وقت ارتفاع التطورات.

التعليقات متوقفه