اتفاقية اليوبوف وأثرها على الاقتصاد القومى وصغار المزارعين
ظهر فى الآونة الأخيرة جدل برلماني حول اتفاقية الدولية لحماية الأصناف النباتية الجديدة (اليوبوف) من حيث الموافقة او رفض الانضمام الى تلك الاتفاقية الدولية. وحدث شبه حوار مجتمعى من المهتمين بأمور التجارة الدولية وعلى الأخص فى مجال المنتجات الزراعية والمهتمين فى وزارة الزراعة حول تلك الاتفاقية من بين معارض ومناصر لها.
فى بادئ الامر لابد من الإشارة إلى ان اتفاقية اليوبوف هي اتفاقية ما يطلق عليها الاتفاقية الدولية حول حماية الأصناف النباتية الجديدة. ويشرف على تنفيذها الاتحاد الدولى لحماية الأصناف النباتية الجديدة وهو منظمة مستقلة وتقع مقرها فى جنيف بسويسرا.
بشكل مختصر يهدف ذلك الاتحاد إلى تشجيع وتطوير واستنباط أصناف جديدة من النباتات تكون لها ميزة فى وفرة الإنتاج ومقاومة الآفات ومبكرة الإنتاج. وتهدف الاتفاقية إلى حماية تلك الأصناف التي تنتج من أن يتم بواسطة الأطر القانونية التي لابد ان تصدرها الدول التي توقع على تلك الاتفاقية وذلك بهدف حماية حقوق المربين والمنتجين لتلك الأصناف.
حماية الملكية الفكرية
وهنا يطرح التساؤل التالى، ما أثر ذلك على الفلاح والمنتج الزراعى وليس على المربى ومستنبط السلالات؟ ما هي نوع النباتات التي تتميز بها مصر فى الإنتاج الزراعى والتي يمكن ان تستفيد بها مصر من تلك الاتفاقية؟ وهل مصر لديها الإمكانيات العلمية والمالية التي يمكن أن تستنبط مثل تلك السلالات؟ وما هو العائد الاقتصادى والاجتماعى والبيئى لتلك الاتفاقية على مستوى الاقتصاد القومى والمنتج الزراعى؟ وأخيرا ما مدى توافق وهل هناك تعارض او تماس بين تلك الاتفاقية واتفاقه حماية الملكية الفكرية التي وقعتها مصر فى إطار اتفاقية حرية التجارة العالمية؟ كل تلك تساؤلات سوف تحاول تلك المقالة التعرف عليها والإجابة عنها بشكل مختصر.
بالنسبة للتساؤل الأول وهو أثر تلك الاتفاقية على المنتج الزراعى وخاصة على فقراء الفلاحين، فى تلك القضية، نجد ان الاتفاقية لن تؤثر على صغار المنتجين الزراعيين بشكل ايجابى بل على العكس يمكن أن يقع صغار المنتجين تحت رحمة كبار المصدرين حيث يمكن لكبار المصدرين ان يستغلوا صغار المنتجين فى زراعة أصناف معينة قابلة للتصدير ثم يحصلون على العائد بأسعار زهيدة فى حين يقوموا بتصديرها إلى الخارج بأسعار مرتفعة (خاصة بعد ارتفاع سعر الدولار) وبالتالي يكون العائد لصالح المصدرين وليس لصالح المنتج الزراعى او العامل الزراعى الذى هو أساس العملية الإنتاجية. هذا بالإضافة إلى ان القدرة المالية الضعيفة وحالة الفقر المادى والمعرفى والمعلوماتى المنتشر بين صغار المنتجين الزراعيين لم يكون لهم القدرة على الاستفادة من تلك الاتفاقية بأى شكل من الاشكال أى بمعنى ادق تلك الاتفاقية سوف تكون فرصة لمزيد من الاستغلال لهؤلاء الفقراء من قبل كبار المنتجين من ناحية ومن قبل كبار المصدرين من ناحية أخرى.
كبار المصدرين
أما بالنسبة إلى أنواع الأصناف النباتية والسلالات التي سوف تستفيد من تلك الاتفاقية؟ فهذا الامر متعلق باستنباط أصناف جديدة لأنها اتفاقية من اسمها للأصناف الجديدة ومصر لها ميزة نسبية وتنافسية فى صادرات الخضر والفاكهة وليس فى تصدير المحاصيل الحقلية. حيث تستورد مصر اغلب غذائها (وعلى الأخص الحبوب والبقوليات والسكريات والزيوت) من الخارج بينما تصدر الفاكهة والخضراوات بشكل اساسى. من هذا يتبين ان تلك الاتفاقية سوف تصب فى استنباط أصناف الخضر والفاكهة بشكل اساسى وهى المنتجات التي لمصر ميزة تنافسية لها فى الأسواق العالمية، وبالتالي المستفيد من تلك الاتفاقية هم كبار المصدرين للخضر والفاكهة وليس صغارهم وهى سوف توفر لهم ميزة الولوج إلى الأسواق الدولية اكثر من صغار المصدرين الامر الذى يؤدى إلى خروج صغار المنتجين من العملية التصديرية، وبالتالي حدوث شكل من أشكال الاحتكار من قبل كبار المصدرين الأمر الذى سيكون طبقة احتكارية فى صناعة التصدير لتلك المنتجات لصالح فئة قليلة وبالتالي حدوث ضرر اجتماعى واقتصادى من جراء ذلك.
غذاء الفقراء
وهنا يجرنا إلى التساؤل الثالث وهو هل لمصر القدرة المالية العلمية لاستنباط تلك الأصناف التي سيتم حمايتها؟ الإجابة على ذلك التساؤل ان لمصر القدرة والميزة العليمة ولكن ليس لديها القدرة والميزة المالية نظراً للعجز الشديد فى الموازنة وانخفاض الإنفاق الحكومى على الأبحاث العلمية فى مراكز البحوث وفى الجامعات. الامر الذى سيؤدى إلى دخول الشركات الخاصة فى استنباط تلك المنتجات للاستفادة من التشريعات والقوانين التي ستصدر لحماية تلك الأصناف الجديدة التي سيتم استنباطها وبالتالي تحويل البحث العلمى فى البلاد إلى خدمة مصلحة كبار الممولين وليس إلى خدمة المجتمع والدولة المصرية بشكل عام هذا من ناحية، بالإضافة إلى ان البحوث التي ستنفق فى استنباط أصناف جديدة سوف تكون فى مجال الخضر والفاكهة بشكل اساسى لما تتميز بها مصر بميزة تنافسية فى الاسواق الدولية وليس إلى استنباط أصناف جديدة للمحاصيل الحقلية من الحبوب والزيوت والبقوليات والسكريات والتي هي غذاء الفقراء بشكل اساسى الامر الذى يمكن أن يعمق الفجوة الغذائية المصرية ويزيد اعتماد مصر على الخارج فى توريد غذاء الفقراء وبالتالي هنا يكون الامن الغذائي فى خطر. هذا بالإضافة الى تهديد ما يسمى بالسيادة الغذائية نظرا لان الموارد الزراعية سوف توجه لمصلحة كبار المصدرين وليس لمصلحة المجتمع المحلى.
كبار المنتجين
أما بالنسبة الى التساؤل الرابع وهو العائد الاقتصادى والاجتماعى والبيئى الذى تؤثر عليه تلك الاتفاقية؟ فللإجابة على ذلك التساؤل يمكن التوضيح أنه لا يوجد أي دراسات تفصيلية ودقيقة جرت حول أثر تلك الاتفاقية الإقتصادى والاجتماعى والبيئى، حتى يمكن بناء رؤية واقعية من اثر تلك الاتفاقيات. ولكن من خلال الرؤية الأولية ومن خلال الخبرات السابقة يمكن القول ان العائد الاقتصادى المتوقع إن كان هناك عائد اقتصادى حقيقى سوف يكون لصالح كبار المصدرين بشكل اساسى. وجزء منهم وليس بالقليل هم من كبار المنتجين الزراعيين، وسوف يكون هذا على حساب صغار المصدرين والمنتجين الزراعيين وخاصة الصغار منهم، بالإضافة أن أثر تلك الاتفاقية فى بعدها الاقتصادى سيصب بشكل اساسى لمصلحة المنتجين الذين سينفقون على استنباط أصناف جديدة لها ميزة تنافسية فى الأسواق العالمية، الأمر الذى يؤدى إلى شكل من أشكال احتكار سوق التصدير وبالتالي الفشل السوقى، لان الاحتكار هو شكل من أشكال الفشل السوقى. أما بالنسبة للبعد الاجتماعى، فنتيجة لما تم التعرف عليه فى البعد الاقتصادى فمثل تلك الاتفاقية سوف تؤدى إلى زيادة الفجوة الطبقية ومزيد من الاستغلال من قبل كبار المصدرين لصغار المنتجين الزراعيين، وبالتالى زيادة الفجوة الطبقية فى المجتمع. وبالنسبة للبعد البيئي فنجد أن تلك الاتفاقية يمكن أن تؤدى إلى إعادة توزيع استخدام الموارد الزراعية وعلى الأخص موردى المياه والأرض، وبالتالي سيعاد استخدام تلك الموارد لإنتاج المنتجات التي لمصر ميزة تنافسية فى الأسواق الدولية، وبما ان تلك المنتجات تحتاج إلى الكثير من المياه وخاصة لمحاصيل الفاكهة (مياه نيل وليس مياه أبار نسبة الملوحة بها مرتفعة نوعا ما)، بالتالى سوف يؤدى ذلك إلى إعادة توزيع المياه حيث ستستخدم بشكل اساسى لإنتاج تلك المنتجات وبالتالي تدهور العديد من الاراضى التي لا تنتج المنتجات التي سيتم تصديرها وبالتالي تدهور عنصر الأرض وسوء إدارة المياه، وهذا له آثار بيئية مدمرة على المدى الزمنى.
تكنولوجيا الزراعة
وأخيرا مدى توافق تلك الاتفاقية مع الاتفاقية الدولية التي وقعتها مصر لحماية الملكية الفكرية. فتلك الاتفاقية يمكن أن تكون مكملا الاتفاقية الدولية لحماية الملكية الفكرية والتي أدت إلى أن استخدام التكنولوجيا مربوط فقط بما لدية قدرة مالية اكثر، وكذلك أدت إلى زيادة التكاليف على المنتجين الراعين الفقراء منهم لان بموجب تلك الاتفاقية لا يحق استخدام التكنولوجيا الزراعية والتي هي التقاوى والأصناف النباتية جزء منها إلا بموافقة الهيئة أو المركز أو الشركة التي انتجت ذلك المنتج التكنولوجى. وبالتالي مثل تلك الاتفاقية (اليوبوف) سوف تكرس مثل ذلك لصالح الأغنياء وسوف تكون ضارة بشكل كبير على الفقراء وصغار المصدرين والمنتجين.
د. شريف فياض
التعليقات متوقفه