لليسار در: الاعتراف بالخطأ..  ” فضيلة “

45

كما كان متوقعا لم تنته الأزمة التي فجرها القانون رقم 13 لسنة 2017 الخاص باختيار رؤساء الهيئات والجهات القضائية بين السلطة القضائية الرافضة بكل مكوناتها لهذا القانون ، والسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ومجلس النواب الخاضع لها .

ففي يوم السبت الماضي (13مايو2017) عُقدت الجمعية العمومية لمجلس الدولة (1109أعضاء) لاختيار مرشحيها لرئاسة مجلس الدولة تطبيقا للقانون الذي ألزمها باختيار 3 من نواب رئيس مجلس الدولة من بين أقدم 7 من نواب الرئيس الحالي للمجلس ، وإرسال أسماء الثلاثة الذين تم اختيارهم إلى رئيس الجمهورية لاختيار  “الرئيس” أحدهم .. وذلك ” قبل نهاية مدة رئيس مجلس الدولة الحالي بـ 60 يوما علماً بأن الرئيس الحالي هو  د. محمد عبد الحميد مسعود  والذي يبلغ سن الإحالة للمعاش في شهر يوليو القادم .

وقررت الجمعية العمومية بحضور أكثر من 67% من أعضائها تمسكها بمبدأ الأقدمية وترشيح ” المستشار يحيي دكروري ” النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ” فقط  لرئاسة المجلس وإرسال اسمه لرئيس الجمهورية .

وجاء هذا الترشيح منطقيا مع رفض كل الجهات والهيئات القضائية ” مجلس القضاء الأعلى ، مجلس الدولة ، المجلس الأعلى لهيئة قضايا الدولة ، المجلس الخاص بهيئة النيابة الإدارية ” عبر نواديها لمشروع القانون عند تقديمه لمجلس النواب من النائب ” أحمد على الشريف ” موقعا من 60 نائبا في 25 ديسمبر من العام الماضي “2016” .

وبنت الجهات والهيئات القضائية رفضها لمشروع القانون على خمسة أسباب مترابطة :

  1. تجاهل مجلس النواب لنص المادة 185 من الدستور والتي تنص فقرتها الثانية على أن يؤخذ رأي كل جهة وهيئة قضائية في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها.
  2. يمنح القانون رئيس الجمهورية وهو رئيس السلطة التنفيذية الحق في اختيار واحد من بين 3 نواب لرئيس الجهة أو الهيئة القضائية ، وهو ما يمثل اعتداء سافرا من جانب السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ، ويهدر استقلال القضاء .
  3. ينتهك القانون مبدأ الفصل بين السلطات ، المنصوص عليه في المادة (5) من الدستور.
  4. يهدر القانون مبدأ الأقدمية المقرر كأحد أصول العمل القضائي ، والذي يضمن أن يكون رئيس الهيئة القضائية ليس له ولاء لأي كان ، فأقدميته هي التي أتت به .
  5. القانون من شأنه إحداث انقسامات داخل الجهات والهيئات القضائية ، اعتراضا على من الأولى بتولي المنصب .

وعلى عكس الموقف المبدئي الذي اتخذته الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة ، فقد التزمت الجهات والهيئات القضائية الأخرى بالقانون رقم 13 لسنة 2017 وأرسلت أسماء 3 مرشحين من نواب رئيسها ليختار رئيس الجمهورية من يشاء من بينهم .

فرشح ” مجلس القضاء الأعلى ” ثلاثة من نواب رئيس محكمة النقض وهم ” المستشار انس عمارة ـ المستشار مجدي أبو العلا ـ المستشار إبراهيم هنيدي ” .

ورشح ” المجلس الأعلى لهيئة قضاء الدولة ” ثلاثة هم ” المستشارون ” محمد ماضي ـ منير مصطفى ـ حسين عبده خليل ” .

ورشح ” المجلس الخاصة بهيئة النيابة الإدارية ” ثلاثة هم ” المستشارون ” رشيدة فتح الله ، عبد المنعم الدجوي ـ محاسن كامل ” .

والكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية .

فإما أن يختار احترام استقلال السلطة القضائية وإنهاء الأزمة معها ـ ولو بصورة مؤقتة بإصدار قرارات جمهورية بتعيين المرشح الوحيد للجمعية العمومية لمجلس الدولة ” المستشار يحيي دكروري ” رئيسا لمجلس الدولة ، واختيار المرشح الأقدم من المرشحين الثلاثة لرئاسة محكمة النقض وهيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية.

أو يستخدم حقه طبقا للفقرة الثالثة من المادة الخاصة باختيار رئيس مجلس الدولة والتي تنص على أنه ” في حال عدم إرسال أسماء الثلاثة نواب قبل نهاية مدة رئيس مجلس الدولة الحالي بـ 60 يوما ، أو ارسال عدد يقل عن ثلاثة مرشحين أو إرسال أسماء لا تنطبق عليها الشروط ، يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس من بين أقدم سبعة نواب من نواب رئيس المجلس ” لتدخل الأزمة في نفق مظلم ” .

فالمستشار الذي سيختاره الرئيس قد يلجأ للاعتذار عن تولي المنصب التزاما بقرار الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة .

وفي حال قبوله وتجاهله لقرار الجمعية العمومية ـ الذي من المرجح أنه شارك في إصداره ـ فسيجد نفسه في خصومة مع زملائه في المجلس وربما في صدام معهم ، إضافة إلى الخطوات التصعيدية التي قد يلجأ إليها قضاة مجلس الدولة دفاعا عن استقلال السلطة القضائية ومجلس الدولة ، المنوط به الفصل في النزاعات بين الافراد والسلطة التنفيذية .

ومسئولية رئيس الجمهورية اليوم أن يعالج هذه الأزمة بهدوء ، وأن يعيد النظر بسرعة في الأسباب والعوامل التي أدت لهذه الأزمة ، وليس عيبا أن يعترف بأنه ومستشاروه وحكومته وبرلمانه ، قد أخطأوا عندما استخدموا أحد أعضاء مجلس النواب لتقديم مشروع هذا القانون سيئ السمعة ، ومرره وأصدره في أقل من 72 ساعة .

وكما يقال فالاعتراف بالخطأ فضيلة .

التعليقات متوقفه