#هاشتاج: “Wanna Cry؟”

75

الأضرار التى تعرض لها العالم خلال الأيام القليلة الماضية جراء برنامج “هل تريد البكاء” وصلت حتى لحظة كتابة هذه السطور إلى أكثر من 200 ألف جهاز فى نحو 150 دولة حول العالم، ومتوقع أن تتزايد الأعداد بشكل أكبر، مما جعل البعض يعتبره أكبر هجوم إلكترونى فى التاريخ. وقد استطاع الفيروس الذى ينتمى إلى فئة “برمجيات الفدية” أن يثير ذعرا حقيقيا حول العالم لأنه نجح فى إصابة وتعطيل منشآت ومؤسسات حيوية، كبعض أجهزة وزارة الدفاع الروسية، وخدمات الرعاية الصحية البريطانية، وشركات الاتصالات الأسبانية، كما تأثرت حركة القطارات فى ألمانيا، مما يؤكد خطوة الهجوم، واتساع مدى تأثيره.

وتشير أصبع الاتهام -حتى اللحظة- إلى “وكالة الأمن القومى الأمريكية”، التى استطاعت تطوير برمجيات خبيثة اعتمادا على اكتشافها لثغرة فى نظام التشغيل “وندوز”، وتكتمت عليها، وعملت على تطوير برمجيات لاستغلال تلك الثغرة فى اختراق أجهزة كومبيوتر حول العالم، وتسربت تلك البرمجيات لسبب ما إلى أيدى مجموعة من المجرمين الذى استغلوها فى الهجوم الكونى الحالى.
وإذا كنا نعرف أن وكالة الأمن القومى الأمريكية، لديها الإمكانيات لاختراق أجهزة كومبيوتر حول العالم، فلا شك أن ما لا نعرفه هو أكثر بكثير، إذ يبدو أن لدى وكالات الأمن حول العالم أسرارا، وأدوات أخطر بكثير من مجرد اكتشاف ثغرة فى نظام تشغيل معين، وهو ما يعنى أننا نواجه فى المستقبل المجهول أسلحة أكثر فتكا وأشد دمارا، إلا أنها أسلحة نظيفة، لا تقتل البشر، ولكنها تقتل، وتدمر المعلومات التى باتت مصدر الحياة للكثيرين حول العالم، إذ أن هذه البرمجيات تحول الأجهزة الإلكترونية إلى مجرد خردة من المعادن والبلاستيك لا قيمة لها بدون المعلومات التى يتم تدميرها.
وبما أن الشىء بالشىء يذكر، فإننا نوضح للقارىء الكريم، أن هذا الهجوم، رغم خطورته، إلا أنه لا يعد شيئا قياسا إلى آلات التدمير الإلكترونية التى توصل إليها العقل البشرى، فهناك القنبلة الكهرومغناطيسية، وهى أيضا قنبلة نظيفة لا تستهدف البشر، ولكنها تستهدف كل وأى جهاز به مكونات إلكترونية، وتعمل على تعطيله، وإفقاده أى فعالية، فبمقدور مثل تلك القنابل الكهرومغناطيسية فى أقل من غمضة عين أن تقذف بالحضارة والمدنية الحديثة مائتى عام على الأقل إلى الوراء من خلال إتلاف وتعطيل كل وسائل المواصلات، وشبكات الكهرباء، والاتصالات، والأقمار الصناعية، وأجهزة الكمبيوتر، والميكروويف، وأنظمة البنوك، وشركات الطيران، ومعدات السلاح، والسفن، والطائرات والصواريخ، والدبابات الحربية.. باختصار.. كل شيء تقريبا، ما عدا الأشياء التى لا تعتمد فى تشغيلها على مكونات إلكترونية.
هذه حرب مستعرة، والعالم يشهد من وقت لآخر أحد تجلياتها، وما الهجوم الذى نتعرض له حاليا، إلا موجة صغيرة جدا من موجات الحروب الإلكترونية التى يمكن أن نشهدها فى أى وقت، ولا يعلم إلا الله متى وأين يمكن أن يتم إعلانها.
ومن الواضح، أن الرهان على التطور والتقدم التقنى، كالحديث عن ربط العالم إلكترونيا بشبكات الاتصالات، وإنترنت الأشياء، وغيرها، إلا كمن يلف حبل المشنقة حول رقبته، وهو يعلم أنه فى انتظار النطق بتنفيذ حكم الإعدام.
لذا، علينا أن نعيد التساؤل مرات ومرات حول اختياراتنا المستقبلية، ودراسة البدائل ووسائل الحماية، والوقاية قبل الإقدام على المزيد من الخطوات، ودراسة السيناريوهات البديلة، والتخطيط طويل المدى قبل أن نواصل الإبحار فى أعماق المحيط دون التزود بوسائل النجاة والإنقاذ المناسبة.
من الواضح، أن العالم بحاجة إلى مواثيق شرف أخلاقى أكثر مما هو بحاجة إلى التقدم التكنولوجى، وهنا يأتى دور المنظمات الدولية، والحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والشركات، ووسائل الإعلام.. فهل نحن فاعلون؟ أم أننا “Wanna Cry”؟.

التعليقات متوقفه