صفحة من تاريخ مصر: الإخوان مرة أخرى .. وليست أخيرة انقسامات الجماعة (8)

193

وتتواصل انقسامات الجماعة ليكشف كل منها بعضا من الخصائص الديكتاتورية التي استنبتها حسن البنا في تربة تأسيس الجماعة , ونعود هذه المرة إلى تمرد قيادات مهمة جداً في الجماعة على ذلك الوافد الجديد الذي هبط عليهم من سماء سلطة القصر الملكي كحل لصراعات دامية في صفوف الجماعة بين مصطفى مؤمن وصالح عشماوي حول منصب المرشد العام وهي صراعات كشفت الكثير عن لا اخلاقيات قادة الجماعة .. كما سنرى فيما بعد .. لكن الصراع تمدد هذه المرة بين من فوجئوا بالغريب الذي لا يعرفون ولا يقبلون يأتي من صفوفهم ليجلس على مقعد الامام .. المرشد العام . وكان المتمردون الشيخ محمد الغزالي وصالح عشماوي وأحمد عبد العزيز جلال ، وكان كل من الأولاد يرتب نفسه لتولي المنصب ، فلما جاء المرشد الغريب تحالفا ضده وينقل السيد الحراني ( اسرار الكهنة ص318) وثائق هذا الخلاف ونقرأ ” قرارات لجنة تحقيق العضوية في قضية الأساتذة صالح عشماوي والشيخ محمد الغزالي ـ أحمد عبد العزيز جلال وعمدتنا من القانون في هذا التطبيق المواد الثلاث الآتية :

المادة 4 ـ عضو الهيئة ” هيئة الاخوان المسلمين هو كل مسلم عرف مقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بأن يناصرها ويحترم نظامها وينهض بواجبات عضويتها ويعمل على تحقيق اغراضها .. الخ والمادة 36 والتي تحدد شروط عضوية الهيئة التأسيسية والمادة 39 والتي تنص على ” تزول صفة العضوية عن عضو الهيئة التأسيسية بالاستعفاء أو بفقدانه أحد شروط العضوية .. ثم ” واللجنة بعد أن ناقشت قرار الاتهام تستخلص أن المدعي عليهم قد اعتصموا في دار المركز العام ، وظاهروا الشباب المعتصمين وجرؤوهم على ذلك .. وأنهم أدعوا كذبا بأن المرشد أعلن استقالته ، ثم أصدروا قرارات  لايخولهم قانون الاخوان المسلمين حيث اوقفوا مكتب الارشد والغوا قرار المكتب  بفصل الاربعة وبذلك يكونوا قد خرجوا على القانون ونقضوا العهد ونكثوا البيعة ، وأنهم نصبوا أنفسهم أوصياء على الجماعة .. ثم وبعد تفاصيل خروجهم على الجماعة انتهت إلى ” قررت بالاجماع إزالة صفة العضوية العامة في الدعوة عن الأساتذة صالح العشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز وأحيل هذا القرار إلى فضيلة المرشد لاعتماده 3 من شهر ربيع الاخر سنة 1373 هـ ـ 9 ديسمبر 1953 م ، رئيس اللجنة محمود عبد الحليم ، السكرتير العام سعد الدين الوليلي ، وهنا نعود لنبدأ قصة الانقسام ضد المستشار الهضيبي ومحاولة طرده من الجماعة لنجد في تفاصيلها التي لم تعد خافية أن أصابع عبد الناصر كانت موجودة في كل تفاصيلها ، وتبدأ الحكاية بأن الكثيرين عندما يتحدثون عن الجهاز السري للإخوان يتحدثون عن جهاز واحد ذلك الذي كان يرأسه عبد الرحمن السندي ، بينما كان هناك جهاز آخر فالماكر حسن البنا خشى أن يتملك رئيس الجهاز سلطة آمره فأسس جهازا آخر أكثر سرية أسمه جهاز ” الوحدات ” ويضم أعضاء الجماعة من الجيش والبوليس وترأسه صلاح شادي الذي كان يحاول محو سلطة السندي وعندما تولي حسن الهضيبي اقنعه شادي بأنه لا يجوز أن يتولى قيادة جهاز سرى شخص سبق القبض عليه واعترف على نفسه وعلى زملائه بعضوية الجهاز السري  ، كما أنه لا يجوز لمستشار أن يترأس جماعة بها جهاز إرهابي ، واقتنع المرشد ونقرأ لصلاح شادي ” واقتنع المرشد وبدأ يحكم خطوة بالاعلان عن عدم وجود الجهاز ولكنه أبقى عليه وأن كان قد أتى بقائد جديد له هو يوسف طلعت ” حصاد العمر ص 132″ وبإيعاز من عبد الناصر الذي أسرع باحتضان السندي ، تمرد بعض قادة الجهاز وقرروا ( بمساندة من الشيخ الغزالي وصالح عشماوي وأحمد عبد العزيز) أعضاء مكتب وقد جمعتهم شهوة كل منهم في أن يكون المرشد . المهم أرسل السندي مجموعة من رجاله إلى منزل المرشد لإجباره على الاستقالة واعلان صلاح عشماوي مرشدا ، وهنا تتحقق نبوءة حسن البنا فجهاز الوحدات أنقذ المرشد ويقول صلاح شادي ” وصلت إلى المركز العام سيارات تاكسي تحمل أعضاء من قسم الوحدات وتسلقوا الأسوار ودخلوا ومعهم صلاح شادي وطردوا أنصار السندي ( المرجع السابق ص152) وفي ذات الوقت كان رجال السندي يحاولون انتزاع الاستقالة من المرشد الذي رفض قائلا ” كيف أخلع ثوبا البسنيه الله ” فرد عليه أحدهم ” أنت لا تعرف كيف تقود الجماعة واحنا تعبنا منك فلم نر منك خيراً ، فرد المرشد ” الاخ اسمه إيه .؟ فأجابه أنا محمد حلمي فرغلي من أخوان تحت الأرض ( وهي التسميه الاخوانية للجهاز السري) ويروي صلاح شادي أن الاخ صلاح العطار (وهو مخترع فكرة الحزام الناسف) صرح للأخ سيد عيد يوسف مسئول الجهاز بشبرا الخيمة ” الاخ سيد سابق قادم الان من عند عبد الناصر ليبلغ السندي بدعمه للانقلاب داخل الاخوان وأن التعاون مع عبد الناصر سيتم بنجاح (صلاح شادي حوار مع مجلة الوطن الكويتية 31ـ12ـ1980) .. وفي ذلك الحين وفاز سيد فايز رقم 2 في الجهاز السري على الهضيبي فأرسل له السندي علبه حلوى المولد النبوي إلى بيته وعندما حاول فتحها انفجرت فقتلته وقتلت شقيقته الطفلة ، وهنا وجدها الهضيبي فرصة سانحة فأعلن فصل السندي وثلاثة من قادة الجهاز هم أحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي معلنا أن الحركة ليست بحاجة إلى جهاز سري .. وبعدها قام باسقاط عضوية صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز ، وصدر القرار من مكتب الإرشاد بفصل الأربعة الأول ( اعضاء الجهاز) وقد أكد محمود عبد الحليم ” لقد تخلص السندي من سيد فايز بأسلوب فقد فيه رجولته وانسانيته وعقله وقد تولى عدد من قادة الجهاز التحقيق في القضية وثبت ثبوتا قاطعا تدبير السندي لها (الاخوان المسلمين ـ أحداث صنعت التاريخ ص502) .. وهكذا نجحت خطة عبد الناصر في اختراق جماعة الاخوان وتحقيق انقسام في داخلها مستعينا بشهوة أحدهم في تولي سلطة رئيس الجماعة وبالسندي الذي كان يريد العودة إلى رئاسة الجهاز السري لكن الباب الدوار دار فأوقفه تحت أقدام عبد الناصر .

التعليقات متوقفه