قضية التسوية فى زيارة ترامب للمنطقة

51

تعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، وتحديداً السعودية وإسرائيل نهاية مايو الجاري،من بين الأحداث الأكثر أهمية منذ تسلم هذا الأخير مهامه الدستورية كرئيس للولايات المتحدة قبل أكثر من مائة يوم، فالعديد من دوائر صنع القرار فى المنطقة تتصدى لهذه الزيارة الأولى للشرق الأوسط الملتهب بالتحليل والرصد ووضع السيناريوهات المحتملة للنتائج التي ستسفر عنها الزيارة.
من المرجح أن يكون الرئيس ترامب قد كوّن فكرة عما يدور فى أذهان قادة المنطقة بشأن السلام المنتظر، وأسسه وحدود تنفيذه والمعوقات الأساسية التي تعترضه.
وفى قراءة متأنية للإرث الطويل لعملية السلام المتعثرة، والتي بدأت بمؤتمر مدريد عام 1991 ومرت بمحطات عديدة أبرزها اتفاق أوسلو واتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية، واتفاق واي ريفر، وتفاهمات عرفات – كلينتون حتى اندلاع الانتفاضة الثانية بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2، تؤكد أن القضايا الخلافية العميقة مثل القدس واللاجئين والحدود والأمن التي أفشلت الجهود الحثيثة والمخلصة للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون مازالت قائمة، بل ازدادت درجة التباين بشأنها، وباتت أصعب مما كانت عليه قبل 17عاماً، ليس هذا فحسب، بل إن عملية السلام (بات مصطلحاً بلا مضمون) لم تعد قائمة وموجودة على أرض الواقع، بسبب السياسات الاستيطانية لحكومات اليمين المتعاقبة وبخاصة حكومة نتنياهو الحالية (منذ 2009)، كما تبخرت خلال تلك السنوات المبادرة الوحيدة الجادة التي تقدم بها العرب فى قمة بيروت عام 2002 ألا وهي مبادرة السلام العربية.
والسؤال هنا من أين يمكن أن يبدأ الرئيس ترامب ؟
ينصح دنيس روس المفاوض الأمريكي الأكثر شهرة ترامب بأن يبتعد من حيث المبدأ عن إطلاق مبادرة أو عقد مؤتمر للسلام، لا يملك أسباب النجاح، ويعتقد روس أن من شأن ذلك الإضرار بشدة بمصداقية الرئيس من جهة، وزيادة درجة التوتر والإحباط والاحتقان فى الشارع الفلسطيني من جهة ثانية.
وبحكم الإرث السابق لعملية السلام المتعثرة، فإن الخطوة الصحيحة يجب أن تبدأ من بناء مناخ للثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ومناخ الثقة الذي أقصده ليس بين نتنياهو ومحمود عباس فقط، بل مناخ للثقة بين الجمهور الفلسطيني والجمهور الإسرائيلي الذي ازداد تطرفاً بصورة كبيرة للغاية منذ مطلع الألفية الثانية إلى اليوم.
ومن أبرز القضايا التي يحتاج الجمهور الفلسطيني لبناء الثقة فيها هي:
الاستيطان ووقف مصادرة الأراضي.
وقف الاعتقال الإداري وإطلاق سراح الموقوفين إدارياً بدون محاكمات.
إطلاق سراح الأسرى الذين أنهوا محكوميتهم، وتلبية مطالب الأسرى المضربين عن الطعام منذ يوم السابع عشر من نيسان (أبريل) الماضي (يوم الأسير).
أما القضايا المعقدة فلا أعتقد أن الرئيس ترامب قادر على إيجاد «حلول إبداعية» بشأنها، وهي القدس والحدود والأمن ومصير المستوطنات وموضوع تبادل الأراضي المقترح كآلية للمساهمة فى حل معضلة المستوطنات الموجود فى الضفة الغربية.
إن أقصى ما يستطيع فعله الرئيس ترامب فى ظل الظروف المحيطة بزيارته، هو عقد لقاء ثلاثي يضمه بالإضافة إلى نتنياهو وعباس للإعلان عن مبادئ عامة لانطلاق مفاوضات ثنائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مثل التأكيد على حل الدولتين بدون الخوض فى تفاصيل الحل وحدوده وتجنب الإشارة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967.
ما يريده ترامب من زيارته لإسرائيل القول، إنه يولي السلام فى الشرق الأوسط أهمية تعادل أهمية الحرب على الإرهاب ومواجهة الخطر الإيراني، وهي المعادلة التي نصحه به أكثر من زعيم عربي حيث حذروه من أن إهمال القضية الفلسطينية سوف يُعقد موضوع الحرب على الإرهاب وسيسهم فى زيادة التطرف فى المنطقة.
ترامب لا يملك مبادرة للسلام، وهو فى الوقت ذاته عاجز عن فرض أي تصورات على كلا الطرفين، وتحديداً الجانب الإسرائيلي.

رجا طلب

التعليقات متوقفه