هذا ما قاله الكاتب بن جلون للرئيس «ماكرون»

91

هل كان الطاهر بن جلون قادرًا على الكتابة إلى الرؤساء العرب ايام المحن الكبرى أو الانتخابات المصيرية، أم أنه لم يستلطف رئيساً يكتب إليه نصائحه الأبوية غير الفرنسي: إمانويل ماكرون !
حين أفصحت صناديق الانتخابات الفرنسية عن البطليْن الرئيسيْن اللذيْن سوف يكونان فى الدور النهائي، وبرز ما لم يكن متوقعاً، فالأحزاب التقليدية غابت عن ساحة المنافسة تاركة الفرصة لاثنين غريبين، هما رجل وامرأة.
أما المراة فهي بنت مؤسس حزب الجبهة الوطنية الفرنسية المعروف بمواقفه المعادية للأجانب، وبنظرته الانعزالية وسياسته المناقضة فى الصميم لتوجهات الاتحاد الأوروبي مع نزعة فى الانسلاخ من الاتحاد، والمسّ بقيم أساسية وأخلاقية قامت عليها السياسة والمصالح العليا الفرنسية.
وأما الرجل فهو شاب طموح، لافت الذكاء والمبادرة، وشغل وزير اقتصاد فى حكومة فالس، وهو لم يبلغ الأربعين ربيعاً، ولكنه أسس حزباً اسماه (en marche)، ويلوح فى شعاراته بالقيم الجمهورية وبالدفاع عن دور مهم لا بد أن تلعبه فرنسا فى فرنسا، وفى الاتحاد الاوروبي والعالم.
إلى هذا الرجل الذي اسمه ماكرون الذي ينافس مارين لوبان، فى الرئاسيات الفرنسية أرسل الكاتب المغربي دون اللسان الفرنسي الطاهر بن جلون رسالة حتى لا تهزمه هذه السيدة المعروفة بمكرها السياسي ويحذره من الوقوع فى ما تنصبه من فخاخ ومناورات.
لماذا بعث الكاتب بن جلون إلى الرئيس المتوقع ماكرون رسالة مفتوحة مؤرخة فى 28 أبريل (نيسان) 2017 ؟ (عشرة أيام قبل الدور النهائي) ؟
حتى يقرأها العموم، ويسجل هذا الكاتب موقفه، ليقول التاريخ: إن الطاهر بن جلون كان منحازاً الى ماكرون ومضاداً للجبهة الوطنية وما تمثله من أطروحات سياسية عنصرية وثقافية، ويحذر ماكرون من غريمته السياسية فى سباقه الرئاسي.
ما استراتيجية بن جلون فى خطابه إلى الرئيس المتوقع وصوله الى قصر الإليزيه ؟ لقد سمح الطاهر بن جلون ( مواليد 1944) لنفسه باعتماد نبرة أبوية، واضحة، بالنصح الموجه لماكرون ( مواليد 1977 ) فـ33 عاماً اعتبرها بن جلون فترة كافية لجعل نبرته الأسلوبية قريبة من الأبوية، ولعل بن جلون أراد أن يقول لماكرون: “يا بنيّ، اسمع مني فأنت لم تكن مولوداً ولم تعش ولم تعرف مثلي ومثل جيلي انتفاضة الطلاب الشهيرة فى مايو (أيار) 1968”.
لا شك أن بن جلون عايش وعرف وعانى فى شبابه معنى أن تكون غريباً فى فرنسا وعانى غربة أيضاً فى المستوى الثقافي، وكان عليه أن يستجيب إلى ما يطلبه الرأي العام الفرنسي، والناشر الفرنسي والأوروبي من كاتب مغربي يعيش فى أوروبا، أو فى فرنسا الأوروبية، وكان عليه أن يكتب روايات ذات مواضيع عجيبة وغريبة وقريبة إلى انتظارات الغرب الذي يريد أن يرى المغرب والمجتمع العربي بمنظار يوافق الهوى الغربي فالعربي عنده متخلف، وله أقاصيص عجيبة قريبة من أجواء ألف ليلة وليلة، وفى هذا الإطار ترجم الطاهر بن جلون رواية الكاتب محمد شكري التي صدرت بالفرنسية “le pain nu “ قبل العربية وعنوانها الأصلي العربي “الخبز الحافي”.
ولم يكن الطاهر بن جلون ليستطيع تنفيذ هذه المهمة لو لم يكن كاتباً قادرًا باللسان الفرنسي على أن يثبت قدرته الأدبية والاجتماعية على التأقلم فى مجتمع أدبي ورأي عام أوروبي أكثر قسوة حتى من المجتمع المدني الاجتماعي الفرنسي؟
ووصلت دار سوي Seuil الفرنسية إلى ان تكلف بن جلون بتحرير كتاب “كيف أشرح العنصرية إلى ابنتي”، وقد نال هذا الكتاب صدى أوروبياً جعله مترجماً إلى أغلب اللغات الحية.
قامت رسالة بن جلون على جانب حميم وهي تذكير ماكرون بمناسبات اجتماعية وصداقات مشتركة، حتى يُبين أنه يعرفه، ويعرف عنه شيئاً كثيراً، تخصّ حتى لباسه الشبابي، ويكاد يتنبأ له (مثل قارئ الفنجان أو أي عراف مغربي) بمستقبل باهر من خلال ثقة سياسيين فرنسيين فى قدرته، ويحذره من الزهو بالنصر.
ذكَّر بن جلون ماكرون بأساسيات الجبهة الوطنية التي أجرت عمليات تجميل كبيرة على وجه حزبها لنزع توجهاته العنصرية من خلال محاولة استقطاب أصوات الفرنسيين الفقراء الخائفين على أمنهم، وعلى استقرار بلادهم، وذلك من خلال المنخرطين فى الحزب، واستقطبت الجبهة المتفرنسين القادمين من البلاد العربية وصاروا ناطقين باسمها، بل أصبحوا على رأي المثل الفرنسي: ملكيّين أكثر من الملك نفسه.
نبّه بن جلون ماكرون إلى أن عليه أن لا ينسى الفقراء الذين توجهت إليهم الجبهة الشعبية وأغرتهم بالتصويت للمرشحة لوبان التي لم تدخر جهداً فى ابتعاد ماكرون عن الطبقات الفقيرة والمعدَمة.
منصف المزغني

التعليقات متوقفه