صفحة من تاريخ مصر: الإخوان مرة أخرى.. وليست أخيرة انقسامات الجماعة (8)

644

وكان حسن البنا على دراية تامة برجاله وخاصة القياديين منهم. فقد ترك لهم مقولة ربما لم يلتفت اليها احد منهم لكنهم مارسوها بقدر ما استطاع كل منهم ضد الاخر. فقد قال لهم البنا “إني لا اخشي عليكم حديدا أو نارا، ولا اخشي عليكم مالا او نساء بل اخشي عليكم انفسكم فلا تختلفوا” وقد اختلفوا على من يخلفه فى منصبه وكان خلافا حادا وخاليا حتي من الحوار المهذب. فما أن افاق الاخوان من هول صدمة اغتيال البنا حتي اختلفوا ودمه لم يجف بعد. وبدأ الخلاف وهم فى السجون والمعتقلات ويروي احد قادة الاخوان وهو الاستاذ فتحي العسال مراقب المركز العام للجماعة فى كتابه “الاخوان المسلمون بين عهدين- قصة الاخوان كاملة- الطبعة الثانية (القاهرة- 1992) ص27- قصة هذا الخلاف المرير. متحدثا عما اسماه الخلاف الاسبق فقال “إن الفتنة بدأت تدب داخل الصفوف فى المعتقل، وبعد خروج الاخوان من محنتهم طمع البعض فى أن يحظي بهذا المنصب، فمثلا الاستاذ محمد فريد عبد الخالق كان يقوم بحركات تقليدية متشبها بخجلات الامام الشهيد وحركاته ونبراته، كذلك الاستاذ عبدالحكيم عابدين كان فى المنصب من الطامعين، ويعتقد أن له الاحقية فيه دون غيره لأنه السكرتير العام الذي بيده مقاليد الامور، والمسئول الاول عن الاخوان امام القضاء. وكذلك الاستاذ صالح عشماوي مدير الشركة الاخوانية، وعلاوة على ذلك فقد لبث عمرا طويلا وكيلا للمرشد العام، ولايخفى على القارئ أن الاستاذ عبد العزيز كامل كان له مثل ما لغيره من الامال. ويمضي فتحي العسال قائلا: ويظهر صراع حقيقي وصفه البعض بأنه صراع ذوي القربي (شقيق الاستاذ البنا وكذلك صهره) وذوي القوة (اعضاء الجهاز السري) وحسني النية الذين تصوروا أن الامر يمكن البت فيه عبر النوايا الحسنة والاستحسان المنطقي والمثابرة فى الدعوة (مثل الاستاذ فريد عبد الخالق والاستاذ عبد العزيز كامل والشيخ الباقوري) اما صالح عشماوي فكان مرشح اهل القوة (الجهاز السري) وكان هناك ايضا صاحب النفوذ بين الطلاب الاستاذ مصطفى مؤمن. وكل ذلك مقبول وطبيعي لكن المشكلة تكمن فى كيفية ادارة الاخوان لصراعاتهم.
وننتقل من فتحي العسال الذي تابع صراعات الاخوان من داخل مراكز النفوذ فى القيادة إلى الصراع الذي اصبح مفتوحا وبشراسة على صفحات الجرائد. فما أن احس صالح عشماوي بمنافسة جادة من الاستاذ مصطفى مؤمن حتي هاجمه هجوما شديدا على صفحات جريدة المصري ونقرأ ما قاله “أن ما نشره الاستاذ مصطفى مؤمن لا يعبر عن رأي الجماعة، لأن هذا الاخير لم يعد عضوا فيها، لأنه خرج على الاخوان ولم يعد واحدا منهم لنزعته الذاتية وحبه للتزعم والسيطرة والتي لفتت نظر المغفور له المرشد العام والتي حدت به انه يطلب من الاستاذ مصطفى مؤمن أن يخرج هو ومن يؤيده ليعمل بما يرضي نزعته (المصري – 2 نوفمبر 1950 ) ويري مصطفى مؤمن على صفحات المصري قائلا “ولا يسعني فى هذا الصدد إلا أن استبعد على الاحياء أن يعلقوا على مشجب الشهداء اثوابا وردية ليست لهم” (المصري – 3 نوفمبر 1950) ويعود صالح عشماوي ليتهم مصطي مؤمن بأنه أراد موقع المرشد لخطة اغتيال البنا فقد وعندما كنا فى المعتقل وسمع الاستاذ مصطفى مؤمن استشهاد المرشد العام أن اذاع بين المعتقلين نبأ الاستشهاد ثم عقب على هذا النبأ قائلا “لنستبدل المنهاج بمنهاج والرجل برجل ولا حاجة بنا إلى الانتظار، بل انه قال “ان وجودنا فى الطور ما هو إلا نتيجة لتصرفات المرشد فإننا قد اعتقلنا بجريرة غيرنا” (المصري – 5 نوفمبر 1950) ويرد مصطفى ردا عنيفا مكذبا فيه وكيل الجماعة صالح عشماوي فقال “ان حديث صالح عشماوي محض خيال وحديث خرافة، إذ من غير المعقول أصلا أن يكون مقام الحزن والرثاء محل جدل سياسي، ونقاش برنامج عن حاضر أو مستقبل”. ثم يأتي مصطفى مؤمن ليفجر قنبلة مدوية قائلا “أن صالح عشماوي لم يكن معهم فى الطور عند استشهاد المرشد وانما كان معتقلا فى معتقل هايكستب قرب القاهرة” (المصري- 7 نوفمبر1950) ويرد صالح عشماوي قائلا “انه من الصحيح عدم وجوده فى الطور ولكنه سمع ذلك ممن كانوا فى الطور” ويمضي قائلا “انه سمع هذا الكلام من اخوان صادقين وأمناء وشرفاء، وإذا كانت البينة تقوم برجلين أو اربعة فأنا استطيع أن اذكر لك اربعين شاهدا بل اربعمائة من الشهود العدول”. وتمضي المعركة الشرسة سجالا لتدمر كثيرا من مصداقية اطرافها فيعود مصطفى مؤمن ليكذب صالح عشماوي ليؤكد ان الطور لم يكن به سوي 150 معتقلا من الاخوان والشيوعيين واليهود معا وليس اربعمائة وحتي لو اضيف اليهم الحراس والهجامة والقومندان فلن يصلوا لهذا الرقم” ثم يمضي مصطفى مؤمن ليلقم صالح عشماوي حجرا يصعب ابتلاعه فيقول” ان اشقاء فضيلة المرشد العام الثلاثة الاساتذة محمد وعبد الباسط وجمال كانوا معي فى الطور وهم بلا مراء اغير واحفظ لما يقال عن مرشدهم وشقيقهم الشهيد” وطلب شهادتهم، ويعود صالح عشماوي ليرد ردا مرتبكا ولكن بكلمات قاسية قال فيها وقد نسي انه قال فى بداية الصراع ان مصطفى مؤمن قد فصل من الجماعة، ان مصطفى مؤمن مجرد عضو عادي فى قسم الطلاب.
.. وبعد هذه المعركة العنيفة والتي اهالت ترابا كثيفا على كرامة ومصداقية الجماعة ككل.. امتدت ايد ما خفية كان يهمها ان تستعيد الجماعة مكانتها.. فأتت بمرشد من خارج المتصارعين جيمعا. ونجد أن فتحي العسال يفسر الامر بأن المستشار حسن الهضيبي اتي إلى موقع المرشد قائلا “أن الامر ثم عبر اتفاق بين ناظر الخاصة الملكية نجيب باشا سالم زوج شقيقة حسن الهضيبي وبمساندة من منير دلة وعبد الحكيم عابدين”. وهكذا اتي القصر الملكي فى نهاية الامر بمن يريد لقيادة الجماعة.

التعليقات متوقفه