فيلم على الهواء

78

ليس هناك أروع من أن تري بنفسك، على الهواء مباشرة، حدثا يكسر كل القواعد التي تعرفها منذ أن ولدت، وأن تراقب بنفسك ما يحدث من شخصيات حقيقية، مبجلة رسميا باعتبارها حاكمة لملايين من امثالك، ومؤثرة عن قرب وعن بعد، وكأن الخيال تداخل مع الحقيقة، أو اصبح لا يفترق عنه.. وكأنك كمشاهد تشارك فى صناعة فيلم تسجيلي يوثق على الهواء ما يحدث على ارض الواقع، ويقدم لملايين الملايين من البشر قراءة جديدة لمفردات قديمة، واقصد بهذا كله ما رأينا عبر الشات عن زيارة الرئيس الامريكي ترامب للسعودية..و كونها الزيارة الاولي له بعد انتخابه الي دولة خارجية، وكيفية “سقوط الاساطير” من خلال هذه الزيارة، واولها الاساطير البروتوكولية فى بلد الزيارة التي لم تكن تسمح لاي رئيس يزورها بأن ترافقه زوجته، أو أن تمر من خلال مراسم الاستقبال اساسا، لكن هذا تغير مع زوجة ترامب ميلانيا، والتي نزلت معه سلم الطائرة خطوة بخطوة، وثانية بثانية، مرتدية فستانا انيقا اسود اللون (حشمة) ومؤكدة أنه ليس عباية من خلال حزام ذهبي ضخم فى وسطها، أما شعرها الذهبي الطويل فقد تآلف مع الحزام للتأكيد على هويتها وليس العكس، سارت ايفانكا وراء زوجها فى كل خطوات الاستقبال وصافحت الكثيرين من المستقبلين السعوديين، وأن تعمد البعض ألا يصافحها، ولم تكن وحدها كامرأة أماما هذا المحفل الرجالي وأنما شاركتها الصورة امرأة اخري هي المترجمة التي جاءت مع الرئيس الامريكي، وشاركته الاجتماع مع الملك سلمان وكانت الناطقة بكل ما يقوله للمرة الاولي فى تاريخ لقاءات المسئولين السعوديين مع غيرهم من الرؤساء الاجانب غير أن هذه البداية المثيرة للرحلة تلتها مرحلة اشد اثارة حين بدا انها زيارة لاعلان توقيعات السعودية على صفقات امريكية كثيرة ومتتالية اخشي أن احصيها، وكأنه الرئيس الامريكي الجديد فى رحلة تسوق اساسا وليس من اجل بحث سياسات تربط بينه وبين البلد المضيف، كان وجه ترامب يضحك وينتشي، وبراءة الاطفال فى عينيه، كلما تم الاعلان عن صفقة عقدها واحد من ابنائه اصحاب الشركات لبيع انتاجه للسعودية وهو ما يحدث ربما لأول مرة، فهو لم يكرر السنياريو القديم لكل الرؤساء الامريكيين قبله الذين تحدثوا عن الحريات والتعاون، وانمابدأ من هات وخد! وفى اليوم التالي، حين عقد المؤتمر العربي الامريكي الاسلامي بحضور رؤساء اكثر من 50 دولة للتحالف ضد الارهاب وتحدث الرئيس السيسي عن الدول التي ترعي الارهاب وتموله مؤكدا انه على هذا الحشد أن يكون صادقا وأن يصف الافعال بمسمياتها ومطالبا بأن تتوقف الدول التي ترعي الارهاب والارهابيين عما تفعله، وأن يتوقف التصنيف الهزلي لبعض الجماعات الارهابية على انها غير ارهابية وفقا للمصلحة، فى هذه اللحظة من خطاب السيسي، نظر ترامب الي وزير خارجيته ومال عليه بسرعة ليقول بضع كلمات.. هكذا قالت الكاميرات التي نقلت الحدث، والتي رأها ملايين المشاهدين.. ماذا قال ترامب لمساعده.. لا احد يعلم الآن، ولكن قد نعلم بعد ذلك وفقا لحركة ترامب وتصريحاته فى اسرائيل والضفة الغربية والفاتيكان، ولكن ما نعلمه الان يقينا.. عبر الشاشات.. بأن استقبال الرئيس الامريكي الجديد فاق كل الحدود وتخطاها فى السعودية بينما قال عنه هو كلمة واحدة موجزة هي “عظيم” وبأن السعادة المتبادلة بينه وبين المسئولين فى السعودية كان لها ثمن غال، ولكن، ان كانت للسعودية اسبابهاو هي تدفع هذا الثمن، فإن هناك، فى الجزء الثاني من الزيارة، ما يستحق الخوف والقلق فى زيارة ترامب لاسرائيل التي تمارس الان اقصي موجات الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين، اسرائيل لن تقدم لترامب ما قدمته السعودية.. ولكن هل يمكنها أن تأخذ منه ما يفسد اثار زيارته للرياض وعلاقته بالعالم العربي والاسلامي؟..وهل من الممكن لمن تلقي كل هذه الهدايا من العرب أن يسدد إليهم طعنات سريعة بمجرد مغادرته.. وهل سنكمل نحن المشاهدين مشاهدة بقية احداث الفيلم على الهواء بنفس الوضوح؟

التعليقات متوقفه