هواء نقى: عابـــر طريــــق
فى الشدائد والمحن تظهر معادن الشعوب والأفراد، وعبر تاريخها تتعرض الأمم لاختبارات صعبة وتمر بأيام قاسية وليالٍ حالكة الظلمة.. مثلما يتعرض له المصريون حاليًا من شظف العيش وقسوة الحياة فى ظل إجراءات خانقة تطيح بالعيش الكريم بل تهدر فرص الحياة لغالبية المواطنين البسطاء. ظهر معدن المصريين جليًا فى تحمل قسوة الإجراءات الاقتصادية دون احتجاج أو تظاهرات، والصمود أمام موجات الارتفاعات المتوالية فى الأسعار والخدمات دون اعتصامات أو قطع للطرق أملًا فى بناء الوطن وتصديقًا بأن ثمار الإصلاح فى الطريق وخوفًا من انهيار الدولة حسبما يشاع فى وسائل الإعلام.
كذلك يظهر المعدن الأصيل للأفراد وقت الشدائد وفى مواجهة المحن التي يتعرض لها الأقارب أو الأصدقاء أو الزملاء أو حتي عابر السبيل. وقد كنت عابر الطريق الذي تعرض لمحنة قاتلة عندما انقلبت بي السيارة عدة مرات بأحد الطرق السريعة لتستقر فى جوف حقل وسط ظلام دامس. انشقت الأرض ليحيط بي مجموعة أفراد من ابناء هذه الأرض الطيبة، اسرعوا لتجفيف الدماء المتدفقة وطلب الإسعاف، حافظوا على كل المتعلقات الشخصية، حتي بطارية السيارة التي طارت فى الهواء أحضرها أحدهم ليضعها بالسيارة التي تحطمت، ويدس آخر فى جيبي نقودًا تناثرت. شاهدت نموذجًا حيًا لأصالة وعراقة وحضارة المصريين تطفو على السطح وقت المحن وتنفض غبار الأنانية عند الشدائد لتظهر قيم التضحية والنزاهة والقدرة على تحمل الصعوبات، مثلما ضرب الشعب المصري المثل والقدوة فى الصمود وتحمل الإجراءات الاقتصادية الصعبة.
استكمالًا وتأكيدًا للجذور الراسخة فى قلب الإنسانية المغروسة فى وجدان أفراد هذا الشعب ودون أن تتأثر بالعوامل السلبية والإحباطات المعيشية ونقص الإمكانات حدث فى مستشفى قليوب الأميري حيث أسرع أطباء النوبتجية (بعد منتصف الليل) لإجراء الفحوصات والأشعات وايقاف نزيف الدماء بعمليات دون بنج علشان مفيش، وجبس متواضع علشان مفيش، وأشعات لا تظهر على أفلام علشان مفيش رغم نقص بل انعدام الإمكانات بذل الأطباء والممرضات جهودًا كبيرة لإنقاذ حياة مصاب يصارع الموت، ورغم الجنيهات المعدودة التي تصرف (كبدل سهر) للأطباء إلا أن الدوافع الإنسانية لديهم أقوي والحفاظ على حياة المصاب هدف تتضاءل بجواره المعاناة وقسوة الظروف.
إنه نموذج آخر يكشف قدرة المصريين أفرادًا وشعبًا على تحدي الصعوبات والصمود أمام المحن.
كل هذه المعاني الطبية الكافية فى تكوين المصريين تنكمش وتتأثر سلبًا بتزايد ضغوط الحياة والإحباطات المعيشية وتفشي الفساد. كما أن وجود هذه النماذج الرائعة لا يعني أبدًا عدم سقوط آخرين فى مستنقع الأنانية والإهمال والفساد لعدم قدرتهم على تحمل الضغوط والإحباطات والاختبارات الصعبة. لذلك فإنه من الخطأ الجسيم المراهنة على استمرار تحمل المصريين للضغوط الاقتصادية المتوالية فى ظل عدم وجود بصيص ضوء للخروج من النفق المظلم.
احذروا غضب الشعب.
التعليقات متوقفه