ما بعد مذبحة قاعدة براك الشاطئ الليبية

46

الهجوم الذي شنته ما تعرف بميليشيات القوة الثالثة على قاعدة براك الشاطئ، فى ليبيا، قبل أسبوع، كان هجوما مخططا له بعناية من خارج حدود الدولة. شارك فيه قيادات تأتمر بأوامر المجلس الرئاسي الليبي، لكن الأهداف لم تكن أبدا لخدمة المجلس الرئاسي، ولا لمحاولات الدول الصديقة والشقيقة لحل الأزمة الليبية وتقريب وجهات النظر بين الخصوم.
سقط فى الهجوم الجبان أكثر من مائة من العسكريين والمدنيين. وتستخدم قاعدة براك الشاطئ الجوية كنقطة لهبوط وانطلاق الطائرات العسكرية والمدنية التابعة للجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر، بين شرق ليبيا وباقي بلدات الجنوب. ولم تكن توجد فى القاعدة حشود عسكرية تذكر أو عتاد كبير للحرب.
توجد حرب حقيقية فى ليبيا، ليست بين الليبيين فقط، ولكنها بين عدة دول، ثلاث منها عربية وواحدة دولة إسلامية. وفى الخلفية يقف أصحاب المستعمرات القديمة فى المنطقة، لتغذية الاحتراب والاقتتال لإضعاف ليبيا ذات الثروات والموقع المتميز على البحر المتوسط.
وتسببت التحركات المصرية والإماراتية لرأب الصدع بين الليبيين، فى استثارة غضب دول لا تريد الاستقرار لليبيا. فبالإضافة إلى جهود القاهرة للتوفيق بين المتصارعين فى هذا البلد المجاور للحدود المصرية، تمكنت الإمارات من الجمع بين كل من فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وحفتر، على أن تستأنف مصر محاولات عقد اتفاق نهائي وشامل للحل.
من هنا بدأت تحركات الدول التي لا تريد لكل من مصر والإمارات أي دور فى حل الأزمة الليبية. واستغلت أطراف من كل من قطر وتركيا ضعف المجلس الرئاسي، وبدأت فى التواصل مباشرة مع قيادات عسكرية على الأرض، ممن تملك أسلحة ومقاتلين ليبيين ومرتزقة عرب وأفارقة.
كانت الحالة الليبية فى تلك الأيام التي سبقت الهجوم الدامي على قاعدة براك الشاطئ، تخضع لحالة من الهدنة، ووقف إطلاق النار بين قوات الجيش الوطني الليبي والميليشيات التي تعرف باسم “القوة الثالثة” وهي ميليشيات تتبع صوريا وزارة الدفاع فى حكومة الوفاق التابعة للمجلس الرئاسي، وتحصل منه على ملايين الدولارات، لكن ولاءها له ليس كاملا.
ولأسباب تتعلق بالهدنة وتتعلق بكون قاعدة براك الشاطئ بعيدة عن أي هجوم فى تلك الأيام، كان الجيش الوطني الليبي يحاول بسط الاستقرار فى مناطق أخرى والتواصل مع القوى الاجتماعية على الأرض، وفى نفس الوقت المضي فى مسار المحادثات مع السراج للتوافق. وهذا لم يعجب أعداء ليبيا فى الداخل والخارج.
وبعد المذبحة فى القاعدة، أصدر السراج قرارات بوقف كل من وزير الدفاع، المهدي البرغثي، وآمر القوة الثالثة، جمال التريكي، عن العمل. لكن الرجلين هددا السراج بفضحه، إذا أصر على الاستمرار فى وقفهما عن العمل. ومعروف أن السراج منح نفسه لقب “القائد الأعلى للقوات المسلحة”، ويبدو أن هناك أوامر كانت قد صدرت منه، تعطي لميليشيات القوة الثالثة الحق فى العمل على شن الحرب ضد قوات حفتر. لكن المذبحة هزت الجميع وأخافت السراج وعددا من قيادات المجلس الرئاسي.
واستندت تلك الميليشيات على أوامر السراج فى ضرب السراج نفسه، من خلال مباغتة الجنود والموظفين التابعين لقوات حفتر، والذين كانوا فى أوقات الراحة فى قاعدة براك الشاطئ. ونفذت تلك الميليشيات مذبحة، تشبه المذابح التي يقوم بها تنظيم داعش.
وشجعت أطراف دولية كلا من البرغثي والتريكي على تحدي السراج. وهو أمر ينذر بمزيد من الفوضى، ويهدد جميع الاتفاقيات التي توصلت لها الأطراف الدولية والإقليمية ودول الجوار لحل المشكلة الليبية. ويبدو أن هذا هو المطلوب. وترتب على الهجوم انهيار الهدنة تمامًا. وحقق أعداء ليبيا هدفين هما ضرب السراج وحفتر معا، بحجر واحد، فى قاعدة براك الشاطئ.
كانت هناك أخطاء كبيرة ارتكبها كل من حفتر والسراج والدول المساندة لهما. تتمثل هذه الأخطاء فى تصديق وعود ميليشيات القوة الثالثة، رغم أنها غير منضبطة ومتحالفة مع جماعات متطرفة من تنظيم القاعدة ومن تنظيم داعش.
ومن الأخطاء أيضا، ترك السراج لوزير دفاعه، البرغثي، للعمل مع مجاميع لا تنتمي للجيش، والتواصل مع قيادات من المتطرفين، وتحويل خصومته العسكرية مع حفتر إلى خصومة شخصية.
ومن بين الأخطاء كذلك، استمرار فوضى إنفاق أموال من المصرف المركزي ومن قيادات ليبية أخرى ومن دول أجنبية،على المتطرفين وعلى الجماعات التي لا تمتثل للدولة، مثل ميليشيات القوة الثالثة التي سبق لها ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين فى مدن الجنوب.
يبدو موقف السراج صعبًا، لأنه يتحمل قدرًا كبيرًا من المسئولية عن منح الغطاء السياسي والمالي، للقوة الثالثة، وممارساتها ضد الجيش الوطني وضد المدنيين. وحين حاول أن يبدو أمام العالم منصفا، بقراره بوقف البرغثي والتريكي، عن العمل، استقوى هذان الرجلان بأطراف خارجية وبدأ كل منهما فى تهديد السراج نفسه.
لكن يبدو موقف حفتر والجيش الوطني أكثر وضوحًا؛ فلا هدنة جديدة ولا مهادنة مع القتلة والمرتزقة، ولا تسامح ولا رحمة مع من يوفر لميليشيا القوة الثالثة المأوى والأموال.. وستشهد الأيام المقبلة متغيرات غير مسبوقة على الأرض لاستعادة موازين القوى لصالح الجيش والدولة والاستقرار، بمساعدة الدول التي تريد حقا توفير الأمن والأمان لكل الأشقاء الليبيين، وعلى رأسها مصر والإمارات.

عبد الستار حتيتة

التعليقات متوقفه