جولة ميدانية لـ«الأهالى» تكشف: المرضـــــى يواصلـــون الصــراخ والوجــــع

85

آهات وآلام وصرخات كثيرة تتوالى واحدة تلو الأخرى،تنطلق من قلب مستشفيات مصر ويخرج معها تساؤلات حائرة حول مستشفيات القطاع الحكومي، التي يعمل بها المسئولون عمدا لتخريبها وزيادة تدهورها أكثر وأكثر، للجوء إلى المستشفيات والمراكز والعيادات الخاصة بهم،لتضاعف أرباحهم على حساب الفقراء وغير القادرين،فالمستشفيات العامة تحولت إلى مصائد للموت تحصد أرواح المرضي ومن يفلت من الموت يصاب بعاهة مستديمة أو يدخل فى غيبوبة تنتهي بالوفاة‏،فبعض الأطباء يلقون بالمسئولية على القضاء والقدر وانتهاء العمر والبعض الأخر يلقي باللوم على سوء الإدارة وضعف الإمكانات.
ومن أحد هذه المستشفيات- مستشفى قصر العيني القديم،الذي يوجد به نقص فى كل الإمكانيات،والأدوية،والأطباء، والمباني تالفة،وغير مؤهلة لاستقبال المرضى، وعلى الرغم من أن المرضى بحاجة شديدة إليهم إلا أنهم فى بعض الأوقات لا يتواجدون داخل العيادات.
فقامت ” الأهالي ” بحجز تذكرة دخول بخمس جنيهات،بحجة زيارة أحد أقاربها،وقامت بالدخول دون اعتراض أو تفتيش الحقيبة أثناء دخولها من أفراد الأمن.
فأثناء التجول داخل الطرقات..أهالي المرضى يفترشون الممر،البعض ينتظر خروج ذويه من غرفة العمليات،أو ينتظر موعد الزيارة والبعض الآخر ينتظر الأطباء للاطمئنان على حالة أقاربهم.. وعند التحدث مع أحد أهالي المرضى، الذين يجلسون على الأرض،أمام العناية المركزة بالدور الرابع، فقال محمد يحيى، إن الممرضات قالوا له لازم وجود أحد من أهله بالقرب من العناية، لأنه من حين لآخر، يطلبون منى شراء أدوية وأكياس دم، مبينا انه يقوم بالمبيت على الأرض أمام الرعاية منذ 3 أيام، لعدم توافر أماكن للمرافقين فى المستشفى.
وأيضا الطرقات ليست فقط مأوى لأهالي المرضى،ولكن فى بعض الأوقات،تكون مأوى للمرضى،يفترشون الأرض ويصرخون فى انتظار دورهم لإجراء تحاليل أو أشعة،بالإضافة إلى عدم وجود أحد الممرضين بجانب هذه الحالات.
ضجيج
وعند دخول ” الأهالي ” لقسم العناية المركزة،كمفتش فني للأجهزة،رافقتها إحدى الممرضات، دون التأكد من حقيقة كلامها، فوجدت بالقسم 13 سرير رعاية مركزة،ولكن ما يتم استغلاله 7 أسرة فقط،مما يعنى أنها تعمل بنصف طاقتها فقط، ولم يتم استغلال النصف الأخر،فى ظل النقص الشديد فى أسرة الرعاية المركزة على مستوى الجمهورية وعندما سألت الممرضة عن سبب عدم استخدام باقي الأجهزة،قالت لها ” أوامر”،يتم استغلالها للحالات،التي تأتى من جانب أطباء المستشفى.. بالإضافة إلى حالة الفوضى والضجيج،التي تمتلأ بها عنابر وطرقات المستشفى،بعد تحول الطرقات إلى سوق للباعة الجائلين، الذين يفترشون الطرقات ببضاعتهم وبين العنابر،ووصل بهم الحال إلى التجول داخل العنابر وعرض البضاعة بصوت عالٍ ” حاجة ساقعة، بسكوت، عصير، مناديل ” فى ظل غياب تام لأمن المستشفى.
ومن جانبه قال سيد صبري، أحد الباعة الجائلين بقصر العيني،أنهم يسترزقون من ناحية ومن الجانب الأخر يوفرون لأهالي المرضى،الذين يأتون من المحافظات الأكل والمياه والعصائر.
قالت حنان محمود،والدة أحد المرضى، إنها قامت بنقل ابنتها إلى قصر العيني بعد حادث سيارة على الطريق مصابة بكسور مضاعفة بالساق والذراع،وتم إجراء عملية جراحية لها لوضع شريحة بالساق استغرقت أكثر من أربع ساعات،وبعدها خرجت من غرفتها وقبل مرور24 ساعة،أصيبت ابنتها بجلطة بالرئة بسبب خطأ وإهمال الأطباء.
وأضافت انه أثناء وجود ابنتها بالمستشفى، مع صباح كل يوم تأتى إليها الممرضة تطلب منها بقشيشا بشكل علني، لرعاية ابنتها داخل قسم العظام،موضحا أن تغيير ملاية السرير،يتطلب بقشيشا،فقصر العيني يبدو أنه بالعلاج المجاني،ولكنه فى الحقيقة غير ذلك،فالمرضى يدفعون ثمن كل شيء من أدوية وشاش وقطن وسرنجات.أما مستشفى الفيوم العام،فقال حنفى عبدالمقصود،أنه عند ذهابه بزوجته 53 سنة،عندما أصيبت بغيبوبة السكر،قام بنقلها إلى المستشفى،وتم علاجها،ولكن عندما أفاقت من الغيبوبة وجدت ذراعها اليسرى فى حالة تورم شديد وأزرق اللون، وازداد الألم مع مرور الوقت، بينما أكد الأطباء انه بسبب الكانيولا وضيق الأوردة وصرحوا لها بالخروج.
وأضاف أنه بعد خروجها ازداد الألم والورم وتحول ذراعها للون الأسود وبعودتها إلى نفس المستشفى قرروا ضرورة دخولها العناية المركزة ولا يوجد لديهم آسرة خالية بالمستشفى، لذلك قمت بنقلها لمركز طبي خاص،وهناك أكد الأطباء وجود خطأ وإهمال جسيم من المستشفى أثناء إعطائها الأدوية،حيث كانت تحقن خارج الوريد،مما عرضها للإصابة بغرغرينة وعدوي أدخلتها فى صراع مع الموت بعد عودتها من الغيبوبة ولم تمكث بغرفة الرعاية سوي ساعات معدودة وتوفيت.
نقص الأسرة
خلال الفترة الماضية تقدم بعض المتخصصين فى القطاع الصحي،بعرض العديد من الاقتراحات،منها القضاء على المستشفيات الحكومية من يد الدولة والاتجاه إلى خصخصة وبيع جزء كبير منها، بحيث تتولى جهة خارجية تمويلها ومن ثم يدفع المواطن مقابل للحصول على الخدمة الطبية،ولكن مقابل بسيط على حد قولهم،فبالرغم من وجود تأييد كبير لهذه الفكرة داخل وزارة الصحة،إلا أنه حتى الآن لم تتم خصخصة إي مستشفيات بشكل حقيقي،ولكن تمت مشاركة القطاع الخاص فى بعض المستشفيات للتطوير،مثل مستشفيات التكامل.. ومن جانبه أكد الدكتور محمد حسن خليل،منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، أن هناك نقصا كبيرا فى معدل الأسرة داخل المستشفيات فى مصر عن المتوسط العالمي الذي ينص على وجود 2.9 سرير لكل 1000 مواطن،وهو ما تراجع بشكل كبير خلال السنوات الماضية،ففى الستينيات كان هناك فى مصر ما يصل إلى 2.2 سرير لكل 1000 مواطن، ولكن فى الوقت الحالي فالوضع داخل المستشفيات الحكومية صعب للغاية، حيث يصل عدد الأسرة إلى 1.4 سرير لكل 1000 مواطن أي أن هناك نقصا يتجاوز 50% عن المتوسط العالمي ويشمل هذا كلا من القطاع الخاص والحكومي فى نفس الوقت.. وانتقد ” خليل ” الإهمال الكبير فى أحوال المستشفيات داخل مصر،لافتا إلى أن الاتجاه لخصخصة قطاع الصحة وبيع المستشفيات الحكومية لعدم تقديمها الخدمات الصحية بصورة لائقة، لا يعد حلا للمشكلة على الإطلاق وإنما يعد مشكلة فى حد ذاته،وخاصة أن هذا يعني أن المواطن البسيط يدفع من جيبه الخاص ثمن العلاج.. وأضاف أن الحل يتمثل فى زيادة المخصصات من الدولة للإنفاق على الصحة وهو ما لم يطبق ولم يفعل من قبل الدولة ومن ثم يترتب عليها المشاكل التي تواجه القطاع الصحي سواء فى نقص المستلزمات الطبية وتضاؤل مستوى الأجور والتشغيل الضعيف للمستشفيات وهروب الكوادر الطبية للخارج،مؤكدا أن تخصيص ثلث ميزانية الصحة لفوائد الدين ما هو إلا حيلة ومحاولة للتلاعب على ميزانية الصحة لتقليلها فى الوقت الذي يجب أن تصل فيه إلى 3%.
غياب البرلمان
بينما تقدم الدكتور محمد عز العرب،المستشار الطبي لمركز الحق فى الدواء،بعض الأفكار لسد العجز فى ميزانية الصحة،حيث إن هذا العجز ناتج عن أن هناك عدم تطبيق للدستور المصري لعام 2014 والذي نص صراحة على تحديد مخصصات وزارة الصحة لتبدأ من 3% على أن تزداد كل عام حتى تصل إلى 6% وهذا قبل تعويم الجنيه المصري أي أن 3% قد تعني ضعف النسبة حاليا.
واستنكر تحديد موازنة الصحة للعام الحالي بـ 53 مليار جنيه وخاصة أنه أضيف إلى ذلك المبلغ،بنود لا علاقة لها بالصحة مثل الماء والصرف الصحي،أي أن ما سينفق على الصحة بنسبة تقريبية سيصل إلى حوالي 20 أو 23 مليار جنيه فقط.
ولفت إلى أنه ضد فكرة الخصخصة من أجل الحصول على خدمة طبية لائقة لان من حق الشخص أن يكون له الحد الأدنى من المقومات الخاصة بالصحة فلا يوجد عائق بين من لا يملك المال،مبينا أن القطاع الصحي خدمي ولا يجب أن تنتظر منه الدولة الحصول على أي مكاسب اقتصادية كقطاع النقل ولابد أن يتم تطبيق بنود الدستور وسد موازنة الدولة من البنود الأخرى غير الأساسي والضرورية وخاصة أن التعليم والصحة خط أحمر،فلا يمكن للدولة أن تنهض بدون النهوض بالتعليم والصحة،فيمكن التوفير من أي قطاع أخر، دون المساس بتلك القطاعات.

التعليقات متوقفه