الأب.. والإنسان

36

أبدأ مقالى هذا وأنا فى غاية الألم والحزن على فراق إنسان بالنسبة لى أعظم ما فى الحياة ومن أكثر الشخصيات التي أثرت فى تكوينى وشخصيتى. وبالتالي لا يمكن تخيل عمق الألم والحزن بداخلى والذى لم أشعر بهما إلا عند وفاة أمى الحبيبة.
مقالى هذا سيتناول سمير فياض الاب والانسان لأنى إذا تحدثت عن السياسى أو الطبيب فهناك الكثيرون الذين يمكن أن يتحدثوا فى هذا الجانب أكثر منى ولديهم معلومات ومواقف أكثر منى. لأنه ببساطة كان يفصل فصلاً شديد الاحترافية بين كونه سياسيًا وطبيبًا ومفكرًا وأبًا ولكن ما كان يجمع كل تلك الصفات أنه كان إنساناً شديد الإنسانية، كان يتأثر اشد الأثر بالموقف الإنسانى حتى فى تربيتنا وفى تعامله معنا.
كان سمير فياض الأب يهتم بشكل كبير بالعلم والمعرفة والدراسة فقد كانت الدراسة والتحصيل الدراسى عنده أهم الأشياء، لم يبخل قط بأى معلومة سواء دراسية أو غير دراسية عن أهل بيته، الدراسة والمعرفة وربط تلك الدراسة والتحصيل الدراسى بالواقع الفعلى والجانب التطبيقى، كان دائما الحديث معى سواء فى البيت او فى اى مكان عن المواد العلمية والعلم وأحدث التطورات العلمية الحديثة، كان شديد الاطلاع على تطورات العلم الحديث خاصة فى علوم الحياة والاقتصاد. لديه شغف للعلم الحديث لم أر فى حياتى اى فرد لديه هذا الشغف مثل هذا الأب الحنون. تعلم الحاسب الآلى بعد سن الستين وكيفية التعامل مع الحاسب الآلى حتى يتملك أداة من أدوات التطور العلمى، تعلمه حتى يمكن أن يكون لديه القدرة على البحث فى الإنترنت عن أهم المراجع وآخر التطورات العليمى الحديثة وبلا شك إجادته للغة الإنجليزية كتابة وقراءة وتحدثاً كانت عاملاً حاسمًا على ذلك بشكل كبير.
أثر كل هذا فى مناقشاته لنا كم كانت سعادته عندما يستطيع بعد بحث وتنقيب على المعرفة عندما يصل إلى معلومة جديدة او يتعرف على بحث علمى او مقالة علمية تضيف له فى الجانب المعرفى معلومة جديدة لم يكن يبخل بها بل كان يقولها ويحاول ان يبسطها ويقوم بشرحها بل وأكثر من ذلك يقوم بإرشادنا على مكان الحصول على تلك المعلومة وعلى معلومات ومعارف إضافية أملاً فى أن تقوم أنت بدورك فى المعرفة والاطلاع أيضا لم يبخل بعلمه وبمعرفته على أحد، وكنت أنا فى الكثير من الأحيان أكون من أوائل الأفراد الذين كان يشرحها لى، مطالبا بان أقوم بالبحث والتنقيب فى تلك النقطة او تلك الزاوية بشكل اكثر وعلى الأخص إذا كانت المعلومة او ذلك الجزر فى مجال الاقتصاد أو مجال الدراسات الإنسانية.
بجانب هذا الاهتمام الذى نادراً من ان تجد فرد مثله، فقد كان يتصف بالتفكير العلمى والتنوير، وكان حريصا على المناقشة وأن تأخذ المناقشة الجانب العلمى والتفكير العلمى وإعمال العقل فى الحكم على الأشياء. فقد كان يقبل الرأي الآخر طالما كان الرأى الآخر منبثقًا من منهجية علمية وأساس علمى سليم. وكثيرًا ما كانت تتم نقاشات طويلة حول المنهج وحول أسس التفكير العلمى السليم. فقد كان حريصًا على حضور منتدى ابن رشد الذى كان يقيمه الدكتور مراد وهبة فى السبت الأول من كل شهر وكان حريصا على اصطحابي معه فى هذا المنتدى كلما ذهب إلى هناك، وكان حريصا على القراءة فى هذا المجال والكتابة فى هذا المجال حتى يثرى الحوار فى ذلك المنتدى. وكان يفرح عندما يجد الكثير من الشباب الحاضرين فى هذا الحوار على أساس ان التفكير العلمى هو الأساس الأول لخلاص البلاد من التخلف من التفسير الخاطئ الفردى لكثير من القضايا المجتمعية التي نعانى منها إلى الآن. هذا المنهج العلمى فى التفكير تأثرت به فى لم يكن فقط مجرد تفكير للأب سمير فياض ولكنه كان أسلوب حياة عاشه وتعمل معه مع أقرب الناس إليه وهى أسرته سواء زوجته (رحمة الله عليها) أو أبناءه أو أقرباءه.
واكتفى بهذا حول سمير فياض الأب، فهذان المحوران اللذان تطرقت إليهما عن الدكتور سمير فياض أثرا عليه بشكل كبير خاصة فى تربيته وتعامله معنا أو معى أنا شخصيا فلم يجبرنى فى أى يوم على فعل شيء أو دراسة شيء لم أرض عن دراسة او فعله طالما ان هذا الشيء الذى أقوم به يتصف بأنه قانونى ولن يعيق الدراسة والتحصيل وبناء مستقبلى سواء العلمى أو الإنسانى. لم يفرق فى التعامل بينى وبين أختى أو حتى بينى وبين أى إنسان آخر فهو يرى أنه لا فرق بين الابن والابنة كلاهما لهم نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات.
كان ينظر إلى الدين (أي دين سواء سماوى أو غير سماوى) بأنه تهذيب للأخلاق قبل كل شيء وكان دائمًا يقول (ألم يقل الرسول انما جئت لأتمم مكارم الاخلاق) هذا هو الهدف من الدين إتمام مكارم الأخلاق، فقد كان خلوقا حقا، لا يجرح أحدًا لا يتطاول على أحد، يحترم الكافة.
كان له أسلوب فى الحوار فكاهى وضاحك خاصة إذا رأى أن الحوار جامد بعض الشىء أو أن الطرف الآخر بدأ فى الملل من الحوار فكان يعيده إلى حمية الحوار بضحكة أو فكاهة فقط حتى يقلل جمود الحوار مع الآخر.
رفض أن تكون له عيادة خاصة كأغلب الأطباء وعمل فى المستشفيات الحكومية المصرية، ورفض السفر إلى بلدان الخليج للعمل بها فقد كن دائمًا يقول هنا سأبقى فى هذا الوطن لعلاج اهل هذا الوطن وبالأخص فقراء هذا الوطن. على الرغم من الفرص التي لاحت له للسفر إلى بعض بلدان الخليج لعمل وبناء منظومة العلاج هناك حين كانت تلك البلدان تعتمد على الخبرة المصرية فى كثير من المجالات ومنها المجال الطبي.
أتذكر يوما سألته لماذا لا يكون لك عيادة خاصة مثل كل أطباء مصر كان رده بسيطًا: لأنى لا أستطيع أخذ أموالا من الفقراء ومن المرضى، يكفى مرضهم فهل أحملهم فوق مرضهم مصاريف أخرى بجانب مصاريف الدواء والعلاج ومصاريف حياتهم اليومية هم وأسرهم. ثم سألته لماذا لا تسافر إلى الخليج أو إلى أى بلد من بلدان العالم للعمل بها لفترة ثم تعود كان رده لأن وطنى وفقراء وطنى فى حاجة إلى فلا يمكن ان نترك الوطن ونترك مشروعنا الوطنى لبناء مصر دولة خالية من الفقر والجهل والمرض.
هذا هو مشروعه الذى كان رحمه الله دائمًا ما يحلم به بمصر وطننا خال من الفقر والجهل والمرض، كان يحلم بمصر دولة مدنية ديمقراطية تنويرية عصرية حديثة، كان يحلم بمصر وطنًا للحرية والاشتراكية والوحدة والعدالة والاجتماعية.
رحمة الله عليك يا أبى الغالى رحمة الله عليك يا أحن وأصدق وأطيب قلب..
شريف فياض

التعليقات متوقفه