القاهرة الفاطمية تجدد أمجاد الماضى بمراكز ثقافية وغنائية

78

تستقبل منطقة الجمالية بالقاهرة عددا كبيرا من الجاليات المختلفة، أبرزها الصينيون وجنوب شرق آسيا، واندونيسيا، الذين يتوافدون إليها بهدف الدراسة بالازهر الشريف والالتحاق به، حيث تقدم عروضا ثقافية يشهدها الكثير من داخل البلدان وخارجها، منها عرض التنورة التي يُقام على مدار السنة بأسعار رمزية تصل لخمس جنيهات للمواطن المصري، وثلاثون جنيها للأجانب، وذلك بأيام السبت، والاثنين، والاربعاء، ويتم الإعلان عن العروض فى الموقع الرسمي لوزارة الثقافة، إلى ان ذلك يحتاج لمزيد من الترويج والاهتمام بحسب ما أكد بعض المسئولين عنها، ولكن يظل شهر رمضان هو الأكثر اقبالا نتيجة لعرض الفنون والامسيات الشعرية، والاحتفالات الحيوية التي تشهدها المنطقة والرغبة فى قضاء أوقات الليل فى منطقة الحسين لصباح يوم جديد.

عند الوصول لأحد المنازل الاثرية نجد أروقة متعددة تشبه آلة الزمن تنقلك إلى عصور وحضارات مختلفة، وربما تضل الطريق ولا تعلم من اين تبدأ، أو ربما لا تدري الى أين تصحبك قدميك، ولكن سوف تجد من يهديك الطريق برحلة مجانية، عبر الزمان والمكان، ويمدك بلمحة تاريخية ويشعرك بانك واحدا من سكان هذه المنطقة. وتجولت الاهالي وسط منطقة الجمالية، لترصد عددا من البيوت الاثرية، التي تحولت فى العصر الحديث، إلى مراكز ثقافية، لتجد أمامها «بيت الهراوي» الذي يقع ضمن مجموعة فريدة من المنازل الإسلامية حيث يجاوره منزل وقف الست وسيلة، ويطل على منزل زينب خاتون بشارع محمد عبده بالأزهر وقد أنشأه أحمد بن يوسف الصيرفى فى سنة 1731م. وينسب هذا المنزل إلى الطبيب عبد الرحمن باشا الهراوي، وهو آخر من آلت إليه ملكية هذا المنزل فى سنة 1881م.
بيت العود
ونرى بيت العود والذي اسسه الفنان العراقي، نصير شمه، عام 1998، ليكون أول مركز متخصص وشامل لدراسة كل ما يتعلق بآله العود فى العالم، وقد افتتح الموسيقار الفرع الثاني لبيت العود بمحافظة الاسكندرية، داخل مكتبة الاسكندرية، عام 2011، حيث يعتبر العود آلة رئيسية فى التخت الموسيقي الشرقي، لذا فله أهمية كبيرة وسط الآلات الموسيقية، ومن هنا كان من الضروري تأسيس مدرسة لتعليم الموسيقى وتأصيل ثقافة العزف المنفرد وتطوير المهارات الفردية بشكل متخصص، إضافة إلى تنمية موهبة التأليف والبحث الموسيقى.
ويقدم بيت العود المزيد من الدعم الفني والمعرفى لطلابه من أجل إثراء ثقافتهم العلمية والأدبية من خلال استخدام الطلبة لمكتبة بيت العود التى تشمل كتباً من جميع أنواع الثقافات الأدبية والفنية والفكرية، بالإضافة إلى أنشطة البيت الثقافية والتى تستقطب جميع المثقفين فى مجالات الإبداع عبر ندوات وأمسيات ثقافية.
ويقوم الدارس فى بيت العود بعد إتمام دراسته بتقديم حفل موسيقى هو مشروع التخرج بالنسبة له يعتمد بعدها كعازف منفرد لآلة العود. فقد نجح بيت العود المصري فى تخريج العديد من العازفين المهرة الذين اثبتوا جدارتهم على مستوى العالم العربىٍ. كما استطاع أن يكوّن جمهوراً جديداً لآلة العود والموسيقى العربية وأصبحت آلاتنا العربية متداولة من قبل الأطفال والشباب من الجنسين، والآن لدى بيت العود أعداد كبيرة من العازفين والعازفات على آلات العود، الناى، القانون، البزق، الإيقاعات. كما تقوم الفرق بتقديم كلاسيكيات ومؤلفات جديدة تستخدم مزجاً فريداً بين الآلات الشرقية والتقنيات الحديثة لكى تستطيع هذه الآلات أن تتواصل مع الجيل الجديد وأن تكون معاصرة مع الاحتفاظ بأصالتها.
وقد نجح بيت العود فى تأسيس أول أوركسترا نسائية للعود مكونة من عشر عازفات بارعات والهدف منها دعم تواجد المرأة فى عالم الموسيقى العربية، كما قدم بيت العود عدداً من العروض الإقليمية والعالمية فى أكثر من عشرين دولة بمشاركة خريجى وطلبة البيت. هذا بالإضافة إلى تأسيس ورشة لصناعة العود والقانون وإصلاح الآلات القديمة وتوفير كل مايحتاجه الطلبه والعازفين من أدوات.
وقد اختير بيت العود العربى عام 2003 كأفضل مشروع لتنمية الشباب العربى فى مجال الإبداع من قبل الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومن أهم الإنجازات الدولية لبيت العود مشاركته فى أول أوركسترا فى العالم للموسيقى الشرقية ضمن 70 عازفا من كل دول العالم فى مهرجان الموسيقى الكلاسيكية  بأبوظبى، كما استطاع المركز أن يقدم للساحة الفنية عددا من المواهب الغنائية والموسيقية الشابة من خلال المهرجان السنوى الذى يقيمه الصندوق خلال شهر رمضان للفرق الفنية والتى لاقت نجاحاً وإقبالاً كبيراً وكانت نقطة إنطلاق للعديد منها.
بيت السناري
يقع «بيت السناري»بحارة منجي وهو من أبرز العلماء الفرنسيين بوسط القاهرة، شيد فى عام 1794 من قبل رجل سوداني يدعى «إبراهيم كتخدا» الذي سمي بالسناري نسبة لمدينته «مدينة سنار»، وعند مجيء الحملة الفرنسية لمصر اتخذته الحملة مسكنًا لعدد من علمائها وفنانيها، يشبه المنزل فى تخطيطه المنازل  الإسلامية فى تلك الفترة حيث يتوسط الدار فناء به نافورة صغيرة وبه بعض أشجار النخيل وتطل عليه مشربيات قاعات المنزل.
ويتكون المنزل من ثلاث طوابق بالطابق يوجد المطبخ وغرفة المياه التي بها بئر صغير  لإمداد المنزل بحاجته من الماء، وبها مخازن أيضًا، أما الطابق الثاني فيحتوي على السلاملك الخاص بتجمع الرجال، والحرملك الخاص بتجمع النساء بالدار، ويحتوي الطابق الثالث على عدد من الغرف التي يبدو أنها كانت مخصصة لسكان المنزل.
حكايات زمان
وقال «أحمد كمال ممدوح» الخبير الاثري، ان البوابة الرئيسية لبيت السناري، لديها مطرقتين، واحدة كبيرة، والاخري صغيرة، الكبيرة لمن يطرق الباب من الرجال، فيقوم أحد سكان البيت «رب المنزل» بفتح الباب، والصغيرة، للسيدات التي يطرقن البيت فتقوم إحدى النساء، بفتح البيت، وحفاظا على راحة أهل البيت فى حالة وجود مرضى، يقوم سكانه بوضع الورد الاحمر خارج البيت، حتى لا يكون هناك ازعاج للمريض.
وأضاف فيما يخص بناء الجدران السميكة، بهدف الحفاظ على الهدوء والرقي لأهل البيت، فضلا عن اعتدال درجات الحرارة،  وفيما يخص المدخل قال «أحمد ممدوح» انه ليس مباشرا، ولكنه مدخل منكسر حفاظا على خصوصية أهل البيت بعيدا عن حركة الشارع وما يدور به، وكان صاحب البيت «إبراهيم كتخدا» حريصا على زخرفة المدخل بزخارف كثيرة.
وقال «مصطفى الصباغ» المسئول الاداري والفني لبيت السحيمي، إن بيت السناري، المعروف بـ «بيت العلوم والثقافة والفنون»، الأثري بحي السيدة زينب فى القاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، بدأ نشاطه الفعلي فى عام 2011، وهو مفتوح للزيارة المجانية، كما يتيح حاليا أنشطة متنوعة مثل: “سيمنار الجبرتي للدراسات التاريخية، وسيمنار الوثائق” المقدمين من قبل شباب المؤرخين وشباب الباحثين فى مجال الوثائق، فضلا عن «صالون الشباب الأدبي»، والمعارض الثقافية والفنية والحفلات الموسيقية والغنائية”.
بيت الكريتلية
وتُطيل الرحلة لتمتد  لبيت الكريتلية أو «متحف جاير أندرسون» والذي سمى بهذا الاسم نسبة لأخر ضابط الانجليزي كان يسكن البيت، وبلقاء أحد المسئولين عن المنزل قال «إبراهيم جميل»،إن  البيت يحوي منزلين الأول هو بيت الكريتلية نسبة إلى آخر من سكنه وهي سيدة ينتهي أصلها إلى عائلة من جزيرة كريت، أما الآخر فهو منزل آمنة بنت سالم نسبة إلى آخر من امتلكه، ويطلق على البيت حاليًا متحف سير جاير أندرسون، وذلك نسبة إلى هذا الضابط الإنجليزي الذي منح المنزل ليقيم فيه، وذلك لحبه للآثار، وفى المقابل تبرع بمجموعته الأثرية لهيئة الآثار، وكان ذلك شريطة أن توضع فى المنزل ويحول إلى متحف.
يحوي الدور الأرضي لهذين المنزلين المداخل والخدمات والمخازن، هذا بالإضافة إلى السبيل، يؤدي المدخل المفتوح على جامع أحمد بن طولون إلى فناء البيت، ويفتح عليه غرف الدور الأرضي، وملحق بيت الكريتلية يتكون من حجرة مستطيلة المساحة، بكل من ضلعيها الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي دخلتين تحوي كل منهما شباك التسبيل تغشيه زخارف سنبلية وحزوزات.
ويحتوي المتحف على مجموعة من التحف الفنية وقطع الأثاث التي تنتمي إلى عصور إسلامية مختلفة، والتي تنتمي أيضًا إلى أماكن متفرقة علاوة على بعض التحف الأوروبية وقطع أثاث انجليزي الذي خصص له السير جاير قاعة أسماها باسم الملكة آن استيوارت، بجانب مجموعة من التماثيل الفرعونية، وآنية تعرف باسم «طاسات الخضة « وننتقل من الدور الأرضي للأدوار العليا حيث توجد قاعة الحريم، والقاعة الشتوية، والقاعة الفارسية، وقاعة مدخل البيت، ثم قاعة الاحتفالات، وأضاف «إبراهيم» يتم الان عرض فنون شعبية، وأمسيات شعرية وثفافية، بالاضافة إلى حفلات غنائية.

التعليقات متوقفه