مشروع قانون «مكافحة الكراهية والعنف» فى انتظار دور الانعقاد القادم للبرلمان

45

أثار مشروع «مكافحة الكراهية والعنف»، الذي أعلن عنه شيخ الأزهر الدكتور»أحمد الطيب» بأنه تقدم به مؤخرًا للرئيس عبد الفتاح السيسي من أجل تقديمه الى مجلس النواب، وجعله ضمن مساعيه الى «تطوير الخطاب الديني»، وهو مطلب طالما ألح الرئيس على المضيّ قدماً فيه، تخوف البعض كونه يحوى على نصوص بمثابة تقييد لحرية الرأي والتعبير على حد قولهم، خاصة المادة الرابعة، والتي تنص على أنه: «لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأى والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأى قولٍ أو عمل ينطوى على ما يخالف أحكام هذا القانون أي «عند ارتكاب فعل أو سلوك يؤدي إلى إثارة الكراهية أو العنف بين أبناء المجتمع»، جاء ذلك عقب خروج شيوخ معروفين على وسائل الإعلام وانبروا فى الحديث عن أمور عقائدية تخص المسيحيين اعتُبرت بمثابة «حض على الكراهية»، ما استوجب إقرار جزاءات إدارية من وزارة الأوقاف ومن إدارات الفضائيات التي يعملون فيها ضد هؤلاء الشيوخ، وهو الامر الذي أجبر شيخ الازهر على تشكيل لجنة برئاسة مستشاره القانوني «محمد عبد السلام»، لإعداد هذا المشروع.
مشروع القانون
ومن أهداف مشروع القانون أيضًا، «مواجهة من يدعي العلم بالدين لإثارة الكراهية بين أبناء المجتمع والجدل فى أصول الأديان لإثارة العنف باسمها، أو الحض على السخرية من المنتمين إليها»، وأيضا «منع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والرسل أو الطعن فى أزواجهم وآلهم وأصحابهم، تعريضاً أو تجريحاً أو مساً أو سخرية، ومنع التعدي على الكتب السماوية بالتغيير أو التدنيس أو الإساءة أو التعدي على دور العبادة بأي صورة من الصور». كما يهدف مشروع القانون إلى «احترام الاختلاف بين العقائد واحترام المؤمنين بها وعدم جواز اتخاذها مادة للتمييز أو الإساءة أو السخرية».
وإن كان مشروع القانون أكد أنه «لا يخل بحقيقة اختلاف العقائد أو تعارضها أو حرية البحث العلمي فيها، أو حرية البحث العلمي فى الأديان»، لكنه شدد على عدم جواز «طرح المسائل العقائدية محل الخلاف أو التعارض للنقاش العلني فى وسائل الإعلام على نحو يدفع المؤمنين بها للتصادم أو العنف». كما أقر إلغاء تراخيص المؤسسات الإعلامية التي تخل ببنوده، وقرر معاقبة أي فرد لا يلتزم بتلك البنود ومواده الأخرى، لكنه ترك مسألة تحديد طبيعة العقوبة (الحبس أو الغرامة)، وأيضاً مدة العقوبة، إلى المشرع أو ربما الحكومة التي ستتقدم بمشروع القانون للبرلمان.
وقال عبد الغني الهندي، عضو المجلس الاعلى للشئون الاسلامية، ان الازهر ليس دوره إعداد قوانين، ولكن دوره تصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر الثقافة الاسلامية، خاصة وانه لم يقم  بدوره على أكمل وجه كما ينبغي، مشيرًا إلى أنه كان من الأولى أن يكلف شيخ الأزهر كليات الشريعة والقانون، لاعداد هذا المشروع وعرضه على البرلمان، بدلا من تكليف مستشاره الذي قد لا يمتلك الخبرة الكافية للقيام بهذه المسئولية، خاصة وان حيال الحض على التمييز لا يقم بالرد على تلك الاتهامات او يكون له دور  بارز فى الدفاع عن الحريات والمفكريين، أو أي موضوع من هذا القبيل.
الأزهر يدافع
ومن جانبه قال «محمد عبدالسلام»، المستشار القانونى لشيخ الأزهر، إنَّ مشروع القانون مأخوذٌ به ومُطبَّق فى عدد من التشريعات المقارنة بالدول الأخرى، وأن المشروع برمَّته هو رأى خالصٌ لوجه الله والوطن لحماية مصرَ ووَحدتها من شرور الفتنة وإعلاء قيم الإخاء والتسامح والمواطنة والمساواة وقبول الآخر، وقد عكف عليه فريقٌ من المخلصين، وتدارستْه هيئة كبار العلماء.
وأضاف أنَّ مشروع القانون جرى رفعه للجهات المختصَّة باعتباره مقترحًا ورأيا ووجهة نظرٍ لا تقيِّد ولا تُلزم السلطة التشريعيَّة المختصَّة التى يحقُّ لها أن تناقشَه وتأخذ به أو تعدِّله أو تضيف اليه، وأنَّه يحقُّ لكلِّ أصحاب الرأى أن يدلوا بدلوهم فى مشروع القانون دون إجحافٍ أو إلحافٍ أو تعريضٍ بالأزهر الشريف الذى اجتهد وأبدى رأيًا ينبغي احترامه، أخذًا بحريَّة الرأى التى يدافع عنها البعض ثم ينكرها على الأزهر الشَّريف.
وتابع: «مستشار شيخ الازهر» إنَّ التخوُّف من اتساع مفهوم بعض المصطلحات الواردة بالمشروع هو تخوُّفٌ مشروعٌ لدى البعض من أصحاب الرأى، وحاولنا قدرَ الإمكان ضبط هذه الصياغة لتحديد مدلولها، وهى مشكلة عامَّة فى العديد من الاصطلاحات القانونية ببعض القوانين التى تتم معالجتها بأدوات الصياغة التشريعيَّة استنادًا الي قواعد التَّفسير المستقرة وما تواتر عليه العمل التشريعي، ويمكن للسلطة التشريعية أن تتفاداها حين نظر المشروع الذي لايعدو كونه اقتراحا من الأزهر ودعوة للمشرع بالتصدي لجريمة الحض على الكراهية التي جرمها الدستور، ومساهمة منه فى القضاء على خطاب الكراهية لما يمثله من خطر عظيم على تماسك المجتمع ووحدة نسيجه.
القوانين  الدولية
وقال النائب «محمد أبو حامد» وكيل لجنة التضامن بمجلس النواب، إن مشروع القانون المقدم من قبل الازهر، فى انتظار قيد المراجعة من الرئاسة، خاصة وان دور الانعقاد فى المجلس تم رفعه حاليا، مؤكدا ان المشروع يقيد حرية الرأي والتعبير، وجاء بذلك نص واضح فى بعض مواده وخاصة «المادة الرابعة»، موضحا ان المشروع  يغيب عنه الرؤية النقدية للأفكار الدينية ومقارنات الأديان، التي تحض على الكراهية، وغياب الضمانات التي تؤكد عدم استغلاله ضد المثقفين والمفكرين.
لافتا إلى أنه يتنافى مع المعايير الدولية للقوانين التي وضعتها الامم المتحدة، التي شرعت لوضع ضوابط تحمي حرية الرأي والتعبير، الذي يعانيه المجتمع جراء تطبيق قانون إزدراء الأديان، الذي يستخدم بصورة تنال من الحريات وتعاقب المفكرين والتنويريين فقط.
وقال، عضو مجلس النواب: قدمت مشروعًا فى مايو شهر الماضي «مكافحة الكراهية والتمييز» مستوفيًا للمعايير الدولية، وصدق عليه أكثر من 10% من أعضاء البرلمان، وتمت إحالته للجنة التشريعية والدستورية، لافتا الى انه سوف تتم مناقشته مع بداية دور الانعقاد الجديد للمجلس.
وأكد «أبو حامد» ان مشروع القانون يتكون من 16 مادة، ويتضمن فى طياته تجريم 8 مواد هى «الإساءة  للذات الإلهية، أو الأديان، أو الأنبياء والرسل، أو الكتب السماوية ودور العبادة، على أساس دينى، أو عقدى، أو مذهبى، أو طائفى». وتضمنت العقوبات بالحبس 3 سنوات فأكثر، أو بالغرامة بـ50 ألف جنيه من يرتكب تلك الجرائم المنصوص عليها بمشروع القانون، مضيفا ان المشروع حث على تضاعف العقوبة لمن يشغلون منصبا عاماً، وتشمل العزل الفوري من الوظيفة والسجن المشدد وغرامة مالية تبدأ من 100 ألف جنيه.
وطالب «أبو حامد» بضرورة اعادة النظر فى التشريعات وتفعيلها من أجل الحد من الكراهية والتمييز وحرية الرأي والتعبير، خاصة وان التشريعات الحالية قديمة ووضعت فى ظروف اقتصادية واجتماعية مخالفة لهذا العصر.
تقييد للحريات
بينما قال الباحث فى الشئون الاسلامية، سامح عيد، إن القانون الذي قدمه الازهر، ماهو الا تقييد للحريات، وللاطاحة بحرية الرأي والتعبير، خاصة وان مواده مطاطة تتحمل أكثر من تفسير، ويمكن استخدامها بشكل سيء، مؤكدا أنه إذا انتقد اي فرد عن الأزهر ومناهجه،  سوف يتم تطبيق القانون عليه، وأضاف ان القانون فى شكله العام حماية للاديان ولكن فى طياته حماية لاشخاص بعينهم، خاصة وأن هناك مواد واضحة فى قانون العقوبات لمكافحة التطرف؛ ولم  يتم تطبيقها، موضحا أن الأزمة ليست فى نقص القوانين، ولكن فى كيفية تفعيلها خاصة ان هناك بعض التصريحات خرجت من شيوخ السلفية تحض على الكراهية، ولم يفعل معها القانون حتى الان.
وأضاف الباحث فى الشئون الاسلامية، لست واثقا فى مؤسسة ولا أدائها خاصة بعد تورطها فى رفع قضية بنفسها على أصحاب الرأي مثال إسلام البحيري، وغيره فلماذا تقدم مشروعا عن الكراهية الآن، خاصة وانها عجزت عن القيام بدورها المنوط  بها فى حل أزمات ازدراء الاديان، أو تعديله، موضحا أن  الازهر يعتبر أى انتقاد للمؤسسة هو إنتقاص من كرامتها وحض على الكراهية، وإساءة  للدين.
حوار مجتمعي
بينما أوضح الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الاسلامية، ان المشروع يصب فى الأتجاه الصحيح، ويؤكد قيمة المواطنة، ويحارب مصطلح الأقلية، ويعمل على استعادة التماسك فى المجتمع، خاصة وان هناك أحداث جديدة طرأت على المجتمع  فى الاونة الاخيرة بمحاولة هدمه، ونزع الترابط  بين المصريين وبعضهم، فضلا عن غزو الفكر المتطرف، والانفتاح على الثقافات الاخرى عن طريق السوشيال ميديا، وأشار إلى أن الحض على الكراهية يرفضه الشرع والقانون، ولذلك فأن المجتمع بحاجة الى قانون مكافحة الكراهية والعنف، بجانب مادة أزدراء الاديان، من قانون العقوبات، وشدًد «الجندي» على ضرورة وجود ضمانات وقيود باللائحة التنفيذية للقانون لعدم اساءة استخدامه، خاصة وأن الازهر لا يريد تقييد حريات الافراد.
وعن اعتراض البعض لمواد القانون، قال «الشحات الجندي» من الضرورة أن يخضع المشروع للحوار المجتمعي، كي يشارك فيه كل اطياف المجتمع، ليتم التعريف بجميع وجهات النظر المختلفة بشأنه حتى يخرج بالصورة التي ترضي الجميع، خاصة وان الأزهر يريد الإصلاح وليس الخلافات، مشددًا ليس من حق رجال الدين الاسلامي والمسيحي، الضبطية القضائية فى مادة ازدراء الاديان او مكافحة الكراهية والعنف، حتى لا تزيد الشحونات والصدامات فى المجتمع، خاصة وأن المادة 3 من قانون «الحسبة» تعطي الدولة الحق فى الضبطية وليس الاشخاص.. وتابع: أن القانون أعطى لرجال الأزهر الحق فى الضبطية القضائية فيما يتعلق بالمصاحف الشريفة فقط، حال مخالفة بعض المطابع التصميم الأساسي للمصحف، خاصة وأن بعض المطابع تستغل الطباعة لتحريف المصحف على هويتها.
وفى السياق ذاته قالت الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر؛ أن ما يقوم به الأزهر وشيخه من إقرار قانون بذلك هي فكرة صائبة حتي يكون هناك زجر وردع لكل من تسول له نفسه بالاجتراء على أي عقيدة، موضحة أن دور الأزهر وعلمائه يأتي لنفى هذه التهم خاصة وان الأزهر منذ إنشائه ما يقرب من ألف وخمس وأربعين عامًا هو الحامي لرسالة خاتم المرسلين، ويعد امتدادا لنشر وسطية الدين واعتدال أحكامه دون تعصب لمذهب على حساب آخر بعيدا عن الغلو والتطرف.
فيما أكدت «أمنة نصير» عضو مجلس النواب، عدم إطلاعها على نص مشروع القانون المعروض امام اللجنة الدينية بالمجلس.

التعليقات متوقفه