ضد التيار : رسائل قاعدة محمد نجيب

62

 

جاء افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية ، كأكبر قاعدة برية في الشرق الأوسط في هذا التوقيت ليبعث بأكثر من رسالة ، وفي أكثر من اتجاه . فالافتتاح تم في الاحتفال بالعيد الخامس والستين لثورة 23 يوليو ، لكي يذكر المصريين بالدور الذي لعبته القوات المسلحة في الحركة الوطنية المصرية، وخاصة بعد ثورة يوليو ، وأن الجيش ينظر إلى قياداته كوحدة واحدة ، بصرف النظر عن الخلافات بين الذين تصدوا لقيادتها ، إذ المهم أن نواصل استكمال أهداف هذه الثورة ، وأن نحافظ على ماحققته من إيجابيات ، لنتجنب ما أضطرتها الظروف للوقوع فيها من أخطاء ، وبينها محو اسم محمد نجيب أول رئيس لمجلس قيادة الثورة ولمصر الجمهورية ، من الذاكرة ومن كتب التاريخ ، برغم الشعبية التي كان يحظى بها  في مصر والسودان قبل استقلاله ، والدور المهم الذي قام به كقائد للجيش في استمرار الثورة ، وعدم تمكين أعدائها من الانقضاض عليها.

ولأن الثورات تأكل أبناءها ، كما كان يقول ” دانتون ” أحد أبرز قادة الثورة الفرنسية، وهم يقودونه للاعدام بالمقصلة، وهي كما أضاف من السهل أن تبتدئ ـ الثورات ـ لكن من الصعب إنهاؤها بسلام ، فإن صحة هذا القول تتجلى إذا ما تم تطبيقها على الثورات الكبرى في التاريخ الإنساني ، التي تمتلئ صفحاتها بشللات من الدماء ، عندما انغمس قادتها ورفاق سلاحها في قتل بعضهم بعضاً ، سواء كان قتلا جسديا أو معنويا ، بالسجن والنفي والإهمال والتجاهل .

لكن ثورة 30 يونيو 2013 قررت أن تثبت ما هو عكس القول الفرنسي القاسي ، وأن تكرس مبدأ الإنصاف الذي يليق بمعنى ” الثورة ” وقيمها وأخلاقها الجديدة ، فأطلقت على القاعدة اسم أحد قادة الجيش المصري ، وثورة يوليو ” محمد نجيب”.

ويأتي افتتاح القاعدة ، مع الاحتفال بتخريج دفعات شابة جديدة من الكليات               العسكرية تبعث على الثقة في النفس، في الوقت الذي تنجح فيه القوات المسلحة في اصطياد أرتال من كميات هائلة من الأسلحة الحديثة المهربة من الحدود الليبية إلى داخل مصر ، بواسطة سيارات الدفع الرباعي الباهظة الثمن ، وتدميرها مع من يستقلونها من الإرهابيين ، لكي يتجدد التأكيد على أن حرب مصر مع الإرهاب لا اختيار سوى النصر فيها ، بتعزيز قدرات البلاد العسكرية ، فالقاعدة العسكرية العملاقة التي شيدت في الصحراء الغربية ، تؤكد لجماعة الإخوان ومن يدعمونها في قطر وتركيا أن فلول جيش داعش المهزوم في العراق وسوريا الذين يحتضنهم حكام قطر ويدربونهم ويمولونهم على حدود مصر الغربية ، لن يسمح لهم بالتمدد في الأراضي المصرية ، وأن السيطرة على تلك الحدود بكفاءة واقتدار باتت أمرًا ممكنا مع الكشف عن هذه القاعدة وتحديد مكانها.

وهكذا تصبح ثورة الثلاثين من يونيو امتدادا طبيعيا للثورة الأم في يوليو1952 ، بإصرارها على الدفاع عن مدنية الدولة المصرية الحديثة ، وعن استقلال إرادتها الوطنية في ظل حماية جيش وطني قوي ، يبنى ولا يهدد ، يصون ولا يبدد ، وتتسلح بالانصاف ، أرقى القيم الإنسانية التي تتباهى بها الثورات .

التعليقات متوقفه