لقطات: أحمد … مشروع إرهابى؟

103

 

دق جرس الباب. فتحت. وجدت أمامى طفلا.  بدا  نحيل الجسم لا يزيد طوله عن متر واحد. سألته ماذا يريد. أجاب بصوت خافت أنه جاء لأخذ المكوة. اسمك؟ أحمد. سنك؟ 12 سنة. و يبدو أنه لاحظ اندهاشى، فأضاف: أنا طالع سنة سادسة. هزنى المشهد بعنف. لم أتمالك نفسى؛ فوجدتنى أتمتم: يا إلهى، هذا إنسان عمره 12 سنة؟! غير معقول …غير معقول. لكن يبدو أن ظروف مجتمعنا تجعل غير المعقول فى حكم المعقول. منتهى العبثية. واضح أن هذا الطفل يعانى من حالة تَقَزُّم بمفعول سوء التغذية. و قد تؤدى إلى تخلف قدراته العقلية. حاولت أن أتخيل كيف سيواجه هذا المسكين الحياة. أى تعليم سيحصل عليه؟ ماذا ننتظر منه عند تجنيده ليدافع عن أمن الوطن؟  وماذا بعد انتهاء خدمته العسكرية؟ أسئلة كثيرة دارت برأسى.  و كانت الإجابات كلها سببا للهم و القلق؛ فحالة أحمد نموذج مؤلم لجيل بأكمله.

لا شك أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التى تطبقها الحكومة ستزيد حالة أحمد بؤسا على بؤس. فهى قد رفعت أسعار كل شىء، و خسفت قيمة الإنسان. و أجبرت الناس على التنازل عن بعض ضروريات الحياة للتركيز عللى الأكثر ضرورة. و فى مجال الغذاء، يصبح “العيش البلدى” المدعم هو الملاذ الأخير للفقراء فى ظل ارتفاع أسعار الخضراوات و الفاكهة، ناهيك عن اللحوم و أخواتها. هذا النمط الغذائى الذى يفرزه و يفرضه الغلاء يؤدى إلى المزيد من سوء التغذية. و ينتج جيلا من المصريين الأقل قدرة على مواجهة متطلبات الحياة. و لن تكفى شبكة الحماية الاجتماعية لاغاثتهم مهما اتسعت.  لذلك كنت أتمنى أن تحسن الحكومة التعامل مع هذا الأمر بما يتناسب مع خطورته. لكن للأسف، حكومتنا تفعل عكس المطلوب تماما ولا يهمها إلا ما يقوله الصندوق و أعوانه.

فها هى تطلق على الإجراءات الإقتصادية التى إتخذتها اسم إصلاح اقتصادى. و لكنه اسم على غير مسمى. فهذه الإجراءات فى الحقيقة ارهقت الشعب المصرى الصابر الصامد، خصوصا الفقراء و المهمشين من هذا الشعب. بل إن الضغوط طالت الطبقة الوسطى التى أصبخت تتآكل بمعدلات مخيفة تحت ضغط الغلاء الفاحش. فهل كتب على هذه الفئات أن يكونوا وحدهم ضحايا ما يسمى الإصلاح الاقتصادى فى  صورة غلاء يشوى وجوههم و يكوى جيوبهم؟ هذا بالتحديد ما أدت إليه إجراءات ما يسمى الإصلاح، و ليس آخرها الإجراءات المتضمنة فى الموازنة العامة للدولة 2017/18. بالله عليكم، كيف نسمى الدواء الذى يقتل المريض علاجا؟ وكيف نطلق على الإجراءات التى تغتال مستقبل  أطفالنا إصلاحا؟ و أين ذهب شعار “عيش … حرية … عدالة اجتماعية”؟

إن مجتمعنا يدفع  من أرواح و دماء أبنائه ثمنا باهظا لداء الإرهاب العضال. و المسئولون يؤكدون باستمرار ضرورة  مكافحة الإرهاب و تجفيف منابعه. و هم يتصورون أن منابع الإرهاب مالية و فكرية فقط. لكن الحقيقة أن المنبع الرئيسى للإرهاب هو  وجود أعداد كبيرة من المواطنين الذين يعانون الحرمان من فرص الحياة و يحسون بذلك الحرمان. و لنتخيل ماذا بعد أن يكبر أحمد، طفل المكوة و تلميذ السادسة إبتدائى. فقد يخرج إلى معترك الحياة بعد إتمام الدراسة  الإبتدائية. و قد يستكمل تعليمه حتى الشهادة الإعدادية أو الثانوية. و الأرجح أنه لن يلتحق بركب التعليم الجامعى. وما  لم ننتبه لمثل حالته  بتدايبر الوقاية اللازمة، فقد يلتقطه أحد المتطرفين ويتولى برمجته. و نكون هنا أمام “مشروع إرهابى” بكل المعايير. و بما أن الوقاية خير من العلاج، فإن العدالة الإجتماعية، و ليس الإصلاح على طريقة الحكومة، هى المصل الواقى ضد الإرهاب.

كل عام و نحن و المحروسة بخير بمناسبة الذكرى 65 لثورة يوليو.

التعليقات متوقفه