ضد التيار: الموارد الضائعة فى الاقتصاد المصرى

47

 

أثار اللقاء الذى جمع وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى الدكتورة سحر نصر مع رجلى الأعمال الوليد بن طلال وهشام طلعت مصطفى فى شرم الشيخ يوم الأحد والجولة التى قاموا بها ،مناخا من التفاؤل فى قدرة القطاع السياحى المصرى على أن يستعيد عافيته ، وأن يجتذب إليه مزيدا من الاستثمارات المحلية والاجنبية، خاصة بعد الإعلان عن استعداد الأمير الوليد وهشام مصطفى وربما آخرين عن ضخ استثمارات تصل قيمتها إلى 800 مليون دولار فى ثلاثة مشروعات جديدة هى تطوير شرم الشيخ ومدينة العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية .الأهمية القصوى لهذه المساهمات  تكمن فى ادراك المسئولين فى الحكومة أن الصعوبات التى تواجه الاستثمار فى قطاع السياحة الآن ، نتيجة لتركيز الإرهابيين ضرباتهم إليه ، هى صعوبات مؤقتة ، بالرغم من الأضرار الفادحة التى الحقتها بالاقتصاد المصرى . وكان من أخطر هذه الأضرار حالة البطالة التى تعرض لها مئات الالاف من العاملين فى هذا القطاع، وإشاعة مناخ من الاحباط واليأس فى قلوب كثيرين منهم .

ولا شك أن جذب قطاع السياحة والعقارات لاستثمارات جديدة هو خطة لاتخلو من صواب سوف تؤدى إلى  توظيف  قسم ملحوظ  من البطالة فى قطاع التشييد والبناء ، فضلا عن انها ستؤدى إلى مزيد من التوسعات فى قطاع السياحة ، بمجرد نجاح مصر فى القضاء على بقايا الجيوب الإرهابية ، ومخطط افشال الدولة الذى يسعى إليه الإرهابيون وحلفاؤهم .

لكن التفاؤل بتنشيط الاستثمار فى هذين المجالين لا يجوز أن ينسينا أهمية ما أشار إليه الرئيس السيسى ، وغيره من وزراء الحكومة ،من أهمية إعادة التوجهات الاقتصادية للبلاد بشكل يختلف عن الصيغة التى  سادت فى عهود سابقة  وتم الاعتماد فيها على الموارد السيادية غير الثابتة المتمثلة فى دخل قناة السويس والعائد من السياحة ومن تصدير العمالة المصرية للدول النفطية ، بحيث يكون فى طليعتها تنمية الانتاج الصناعى والزراعى كأساس للموارد التى يعتمد عليها الاقتصاد المصرى ،بما يتيح فرصا للعمل للأيدى المعطلة فى الداخل ،بدلا من تصديرها للخارج ، لاسيما بعد تراجع الطلب علي هذه العمالة بعد تشبع الأسواق العربية بها من ناحية ،وبعد معاناة بعض هذه الاسواق من عدم استقرار بلدانها ،كما يجرى فى ليبيا والعراق الآن. كما أن زيادة الانتاج الصناعى والزراعى من شأنه أن يؤدى إلى سد احتياجات السوق المحلى من هذه المنتجات ،واغلاق الثغرة التى تفتح بابا لاينغلق للاعتماد على الاستيراد ،الذى تتحكم فيه حفنة من المحتكرين كحل لاشباع احتياجات المستهلك المصرى . فضلا عن أن هذا التوجه نحو تشجيع الانتاج ، هو الذى يزيد قدرة مصر على انتاج  سلع تامة التصنيع ، وليس مجرد تجميع لمكونات اجنبية  مستوردة .

لم يعد يكفى لحل مشكلة الاقتصاد المصرى الاعتماد على الموارد السيادية، التى خضعت فى السنوات الأخيرة لتقلبات الاوضاع السياسية والاقتصادية فى المنطقة وبينها الانخفاض فى اسعار النفط ،بالاضافة للظواهر الاجتماعية الضارة التى ارتبطت بهذا الاختيار الاقتصادى وبينها زيادة الاستهلاك فى مجالات الانتاج الترفى ، وفتح الباب على مصراعيه لنوع الاقتصاد الذى تديره فئات طفيلية ، استخدمته فى افساد الادارة الحكومية ، ثم التهمت النسبة  الكبرى من عائده ، لتقبع الفئات الشعبية فى فقرها وتثرى تلك الفئات ثراء فاحشا ودون مبرر.

آن الآون لإعادة الحياة  للموارد الضائعة من الاقتصاد المصرى بالالتزام بالخط الأساسى الذى اسفرت عنه خطة مصر20/30 وأن يبذل الجهد الرئيسى لجذب الاستثمارات فى مجالى الصناعة والزراعة ،لتكون لهما الاولوية القصوى على مشروعات التنمية العقارية ، وهو قطاع يتوجب أن تكون الأولوية فيه لتوفير السكن للفئات المتوسطة وما دونها من الفئات الشعبية كجزء من الخدمات التى تقدمها الدولة لمواطنيها ، ولا يعنى ذلك بالطبع اهمال الموارد السيادية التى كنا نعتمد عليها من قبل ،بل ان نوجهها لكى تكون التنمية الصناعية والزراعية هى القوة الضاربة القادرة على انتشال الاقتصاد المصرى من مشاكله المزمنة .

 

التعليقات متوقفه