مشروع المليون ونصف مليون فدان.. الحاجة والآفاق والتحديات

327

هذا هو الجزء الثالث والأخير الذى يدور حوله ذلك العنوان وفى الجزءين السابقين تم التعرض إلى أهمية التوجه إلى الصحراء للتنمية ولبناء اقتصاد حقيقى وكذلك إلى جزء معلوماتى كان لابد من التطرق إليه لعرض معلومات وحقائق علمية أو معلومات علمية كما وردت من المتخصصين والعاملين فى مجال المياه الجوفية وهى الجزء الأساسى الذى يعتمد عليه ذلك المشروع.
ومن هذا العرض المعلوماتى المبسط (فى الجزء الثانى من ذلك المقال) حول المياه الجوفية يتبين أن الاعتماد على الخزان الرملى النوبى سوف يكون بشكل أساسى فى مناطق المليون ونصف مليون فدان فى الصحراء الغربية بشكل اساسى. وهنا لابد من طرح مجموعة من التساؤلات حول ذلك المشروع حتى يكون هناك شفافية ومصداقية من المجتمع ومن الحكومة بشكل اساسى أولا تلك التساؤلات حول تكلفة إنشاء البئر خاصة فى المناطق التي تعتمد على الخزان الرملى النوبى فى الرى مثل مناطق الفرافرة والداخلة والخارجة حيث تزيد الأعماق وتصل إلى نحو الـــــ 1000 متر الأمر الذى يزيد من التكلفة فى إنشاء البئر خاصة وإذا علمنا أن انشاء البئر الواحد ذى الأعماق الكبيرة تصل من 5 إلى 7 ملايين جنيه وان البئر الواحدة تروى فى المتوسط العام نحو 200 فدان. وان المخطط حفر نحو 4800 بئر ذات الأعماق الكبيرة.
وهذا يجعلنا نتساءل عن الطاقة التي سيتم الاعتماد عليها فى رفع المياه فالطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية طاقة مكلفة للغاية وللأسف ليس لدى البيانات ولا المعلومات حول العائد من الطاقة الشمسية التي يكلفها الفدان ولكن هي طاقة مكلفة للغاية بينما الاعتماد على الطاقة الاحفورية من المازوت فذلك يجعل هذا المشروع خاضعا لأسعار البترول العالمية خاصة وان مصر من الدول التي تستجيب للأسعار العالمية للبترول حيث انها ليست عضوة فى الاوبيك بالإضافة إلى ان الطلب على الطاقة البترولية يزداد فى مصر بشكل كبير خاصة فى ظل التزايد السكانى الرهيب الذى يحدث وزيادة مشروعات محطات الكهرباء التي تتم على ربوع الجمهورية الأمر الذى يجعلنا نبحث عن مصدر رخيص ومستمر للطاقة التي تستخدم فى ذلك المشروع
ثالث تلك التساؤلات حول ما هي سياسات توزيع الأراضى التي سيتم استصلاحها وما الوضع القانوني لشركة الريف المصرى المسئولة عن توزيع الأراضى وهل الأراضى سيتم تملكها ام حق انتفاع للمستثمرين أو لصغار الزراع المتضررين فى العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية وإذا ما تم توزيع الأراضى على صغار المزارعين ما هو نمط الاستغلال لتلك الاراضى بمعنى هل ستتحدد أماكن المليكة أم تكون الملكية على المشاع مع تكوين مؤسسات لإدارة إنتاج تلك الاراضى يتم توزيع العائد طبعا للسهم او المساحة التي ينتفع بها. وما هو موقف المستثمرين إذا ما كان نمط الملكية بالانتفاع.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان البعد الإجتماعى وهو التعامل بين البدو اللذين يقيمون فى تلك المناطق وبين الوافدين وعلى الأخص من سكان الوادى والدلتا وهو ما يطلق علية الاندماج المجتمعى بين البدو والوافدين حيث لابد من عمل الدراسات الاجتماعية بين مدى إمكانية الاندماج المجتمعى، حيث لكى يتم ما يسمى بالاندماج المجتمعى لابد من حدوث التكيف الإجتماعى والموائمة والتوفيق والتسوية والانصهار، حتى يمكن تجنب المشاكل التي يمكن ان تنشأ بين الوافدين من الوادى والدلتا وبين البدو فى مناطق الاستصلاح وهذا لا يتاتى إلا من خلال أن يكون كل الطرفين متساوين أمام القانون وتوفر لهم كل الخدمات بطريقة متساوية من صحة وتعليم وسكن ومستويات دخل. بالتالى لابد لكى يتم إنجاح ذلك المشروع عدم إهمال الاندماج المجتمعى بين كلا الطرفين وهذا يتطلب نوعا من الديمقراطية الاجتماعية والشفافية والعدالة الاجتماعية فى توزيع الخدمات بين سكان الوادى والدلتا وسكان المناطق الصحراوية
وأخيرا وبعد هذا العرض الموجز لمجموعة من المعلومات والتساؤلات حول مشروع المليون ونصف مليون فدان لابد من الإجابة على تساؤل تم طرحه فى المقالة الأولى او فى بداية لك المقال وهو هل من الأولى أن نوجه الاستثمارات التي ستنفق فى استصلاح المليون ونصف المليون فدان إلى الأراضى القديمة فى الوادى والدلتا من خلال تطوير نظم الرى السطحى وتطوير الصرف المغطى حتى يمكن الحفاظ على أراضى الدلتا من التدهور لسوء عمليات الرى والصرف؟ وللإجابة على ذلك التساؤل لابد ان نضع فى الاعتبار ان الإنتاج الزراعى فى الاراضى القديمة فى الوادى والدلتا هو العمود الفقرى للزراعة المصرية مهما كان التوسع فى الصحراء واستصلاح أراضى جديدة فى الصحراء المصرية ستظل الأراضى القديمة هي الأساس وذلك نظرا لعوامل عديدة منها فنية واجتماعية واقتصادية. حيث تعتبر إنتاجية الأراضى القديمة فى الوادى والدلتا أعلى من مثيلاتها فى أراضى الاستصلاح الحديثة او الأراضى الصحراوية، هذا بالإضافة إلى أن الأراضى القديمة هي أساس إنتاج المحاصيل الاستراتيجية فى مصر مثل القمح والذرة والقصب والأرز والقطن والفول وهو غذاء الفقراء وتلك المنتجات هي التي يتم إسترادها من الخارج بشكل اساسى وتكون المكون الاساسى لفاتورة واردات الغذاء المصرى. وان الكثير من الصناعات المهمة مثل صناعة المنسوجات وصناعة السكر قائمة على تلك المنتجات بشكل اساسى. بالإضافة إلى الثقافة الفلاحية الخاصة بالفلاح المصرى والحفاظ على الزراعات العائلية التي هي مكون اساسى من مكونات الثقافة المصرية فى الريف المصرى. بالتالى ونظراً لكل تلك العوامل الاقتصادية والفنية والاجتماعية يتبين ان مهما تم من استصلاح فى الصحراء المصرية لابد من عدم اغفال الوادى القديم والدلتا الذى هو أساس الزراعى المصرية والحياه فى مصر.
ولكن لابد من التنسيق فى السياسات الزراعية بين كلا المنظومتين البيئيتين فى الوادى القديم والدلتا وبين الصحراء المصرية وبذلك لابد لكى يتم إنجاح مشروع المليون ونصف مليون فدان من الاهتمام بمشروعات البنية الأساسية فى الوادى القدبم والدلتا وبالتالي مشروعى تطوير الرى الحقلى ومشروع تطوير الصرف الزراعى المغطى لابد من الاهتمام به بشكل اساسى وان يعطى الأولوية فى التمويل الحكومى لأنه يعتبر من مشروعات البنية الأساسية فى الزراعة المصرية ويعمل على تطوير والحفاظ على موردى هامين للزراعة وهما مورد المياه وخاصة مياه النيل ومورد الأرض الذى يتدهور بشكل كبير الان.
ومن هنا لإنجاح مشروع المليون ونصف مليون فدان إيجاد تنسيق وتكامل فى السياسات الزراعية بين الوادى القديم والدلتا وبين الصحراء من حيث نوعية المنتجات التي لابد من زراعتها فى كلا المنظومتين بمعنى انه لابد من وجود التكامل والتوافق فى السياسات الاقتصادية فى كل من الاراضى الجديدة والصحراوية من ناحية والوادى القديم من ناحية اخرى. وذلك بهدف عدم التضارب بين كلا السياستين فى المنطقتين، وبالتالى يحدث فشل فى كلاهما. وهذا لابد ان تتوافق مع السياسات الكلية الاقتصادية والاجتماعية التى تصدرها الدولة بين كل من الأراضى الجديدة والصحراوية والأراضى القديمة فى الوادى والدلتا. هذا التكامل لابد ان يضع فى اعتباره الموارد الطبيعية والبشرية التى تتوافر فى كل منطقة بحيث لا تستخدم الموارد الطبيعية فى الاراضى الجديدة والصحراوية بشكل يؤدى الى تقليل او هدر المورد وعلى الأخص فى الأراضى الجديدة والصحراوية التى تتسم بهشاشة المورد فى تلك المناطق، ولكن الموارد الطبيعية التى تتسم بها الاراضى القديمة والوادى القديم تتسم بانها موارد ليست بالهشة مقارنة بالمناطق الصحراوية.
ولن يتاتى ذلك التنسيق والتكامل إلا بدور للدولة المصرية فى تحديد التراكيب المحصولية وإعادة الدورة الزراعية للوادى القديم وان يكون لدى الدولة أجندة اقتصادية وإنتاجية ورؤية واضحة للتعامل مع الموارد الهشة التي تتسم بها المنظومة الصحراوية وعدم ترك رجال الأعمال ولا المستثمرين يجرفون تلك الموارد الهشة وينفذون مخططاتهم وافكارهم وأهدافهم التي تتعارض فى الكثير منها مع الأهداف المجتمعية للغالبية الساحقة من المجتمع المصرى وخاصة الطبقات الشعبية والفقراء والطبقة الوسطى.
*استاذ الاقتصاد الزراعى
بمركز بحوث الصحراء

التعليقات متوقفه