لليسار در: غياب .. الصديق والرفيق

144

عرفت رفعت السعيد في ستينيات القرن الماضي من خلال ترددي على مجلة الطليعة الشهرية بالأهرام سواء لزيارة ميشيل كامل أو لطفي الخولي أو غيرهما من الأصدقاء في أسرة تحرير ” الطليعة “. ولكن علاقتي الحقيقية برفعت بدأت في بداية السبعينيات عقب رحيل جمال عبد الناصر وقرار مجموعات من الشيوعيين القدامى الذين حلت أحزابهم ومنظماتهم الشيوعية خضوعا لشروط عبد الناصر وللتحالف معه والانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي و” تنظيم طليعة الاشتراكيين ” التقينا في العمل السري الشيوعي مع توحيد ثلاث مجموعات شيوعية بقيادة زكي مراد ومبارك عبده فضل ورفعت السعيد ومحمود توفيق وأحمد نبيل الهلالي وميشيل كامل وآخرين، وبسرعة نشأت بيننا علاقة ود وصداقة، إضافة إلى العلاقة الحزبية والسياسية، وزاد من عمق العلاقة اكتشافي في أن ” ليلى الشال ” هي زوجة رفعت فقد عرفت ليلى خلال عام 1958 خلال دراستي بقسم العلوم السياسية بكلية التجارة جامعة القاهرة، وكانت هي معروفة كقائدة شيوعية شابة، وتوثقت العلاقة بيننا رغم انها كانت تسبقني في السنة الدراسية وفجأة اختفت ليلى من الكلية، فقد كانت أحد ضحايا حملة يناير 1959 ضد الحركة الشيوعية المصرية .

ولم أعرف رفعت السعيد الباحث والكاتب والمثقف والمفكر بشكل حقيقي إلا عام 1977 عقب أحداث 18 و 19 يناير 1977 بعد تأسيس التجمع فى إبريل ودخولي السجن محبوسا احتياطيا لمدة خمسة أشهر متصلة .

ففي هذه الفترة بدأت في قراءة كتب د. رفعت السعيد عن تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر وأذكر حوارا دار بيني وبين زكي مراد حول ما كتبه رفعت عن “حدتو” أي “الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني” وكان زكي مراد من قادة حدتو ورفعت من أبنائها، ولم يكن زكي مراد مرتاحا لما كتبه رفعت ويعتقد أنه ظلم “حدتو” وعندما سألني ماذا استخلصت من قراءة الكتاب بالنسبة لحدتو، وشرحت له ما وصلني من كتاب رفعت السعيد عن حدتو، فابتسم قائلا في حسم “على أن أعيد قراءة الكتاب مرة أخرى فيبدو أنني ظلمت رفعت” .

كان العمل السياسي والحزبي مصاحبا لرفعت طوال تاريخه، ولكن جهده البحثي في المرحلة الأولى انصب على إعادة إحياء تاريخ الحركة الشيوعية المصرية منذ مطلع القرن العشرين ، وفي المرحلة الثانية ركز على نقد وكشف وتعرية تيارات الإسلام السياسي ـ أو المتأسلمين طبقا لتعبيره الذي شاع في الكتابات السياسية المصرية والعربية بعد ذلك ، خاصة جماعة الإخوان ـ وقدم في هذه المرحلة ذخيرة لا تنفذ تعتمد على رصد وتحليل الكتابات والمواقف التي مارسها “الإخوان” ومفكروهم وقادتهم ، من حسن البنا وحتى مهدى عاكف .

وقد فوجئ الزملاء الصحفيون عندما كانوا في حزب التجمع في انتظار وفد من جماعة الإخوان في زيارة للقاء وفد من أمانة حزب التجمع، فبعد وصول ” الإخوان” وبدء الاجتماع دخل د. رفعت السعيد إلى قاعة الاجتماع وما أن التقى بمهدى عاكف حتى احتضنا بعضهما بود ومحبه حقيقية، فقد كانا زملاء ” قروانة ” واحدة ومعتقل واحد في عهد جمال عبد الناصر .

كان رفعت السعيد لا يساوم في الفكر والمعتقد، ولكنه كان مرنا في السياسة وفي التنظيم وكان يفرق بين العلاقة الشخصية والموقف السياسي، ولم يكن مشهد العزاء مساء الأحد غريبا لمن عرف د. رفعت السعيد جيدا، كل ألوان الطيف السياسي ـ عدا الإخوان ـ حضروا ليشاركوا في عزاء رفعت السعيد .

ورغم الصداقة الشخصية والعائلية بيننا والمحبة الحقيقية ، فكثيرا ما كننت اختلف معه في اجتماعات الحزب، ويحتد الخلاف وترتفع الأصوات، وبمجرد انتهاء النقاش ثم الاجتماع ننسى تماما ما حدث .

وواجهنا في بعض الأحيان في الحزب مشاكل نتيجة لأن اللائحة والقواعد التنظيمية تحكمنا وقد تحرم الحزب من موقف أو إجراء هو في حاجة إليه، وكان رفعت هو صاحب شعار اللائحة والتنظيم في خدمة الحزب وليس قيدا عليه، واثبت الواقع صحة هذا الشعار .

ورغم كثرة المصاعب والتحديات فأظن أن أهم تحدى واجه رفعت السعيد هو تولي رئاسة الحزب بعد الزعيم التاريخي للحزب ولليسار المصري وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو “خالد محيي الدين” فأي إنسان يخلف خالد في هذا الموقع يواجه تحديات جمة، ولكن رفعت كان على قدر التحدي ، خاصة للعلاقة الخاصة التي ربطته بخالد محيي الدين قبل تأسيس التجمع كان خالد زعيمه وصديقه، وكانا خلال فترة إقصائهما عن العمل العام ، يحرصان على عملية قراءة مشتركة وتثقيف ذاتي معا، وقد تأثر رفعت بالضرورة بحرص خالد في إدارته للتجمع مع مراعاة تنوع مصادر فكر المجموعات الاشتراكية التي ساهمت في تأسيسه، بل والخلافات والصراعات السابقة بينهما، والبحث دائما عن حلول وسط ترضى الجميع ولو بنسبة.

وساعد د. رفعت السعيد في قيادته الناجحة للحزب بعد خالد محيي الدين شخصيته المرحة وابتسامته الدائمة التي تدفع الغاضبين للهدوء .

وكان لرفعت ميزة لا يعرفها البعض وهو حرصة على مساعدة كل المناضلين الاشتراكيين ـ خاصة القدامى منهم ـ سواء الذين اتفقوا معه أو اختلفوا أو حتى ناصبوه العداء، كان يساعدهم على المستوى الشخصي أو عن طريق إدارة الحزب، ويعتبر ذلك واجبا على التجمع باعتباره بيت اليسار، ولكل اليسارين حق فيه .

وبعد أن ترك رفعت السعيد رئاسة الحزب، وتولي رئاسة المجلس الاستشاري وبالتالي لم يعد جزءًا من البناء التنظيمي للحزب ، لعب دور “رمانة الميزان” حيث كان حريصا على الإسراع بحل أي خلاف أو مشاكل داخلية في الحزب، ليظل الحزب موحدا وليستعيد دوره ونفوذه في المجتمع .

وبرحيل هذا المناضل المثال يقع العبء على قادة التجمع وكوادره الرئيسية في الحفاظ على وحدة الحزب واستعادة فعاليته السياسية والجماهيرية .

التعليقات متوقفه