قصة معركة تهريب الكتب والفرار بها من التتار هنا تمبوكتو ..

63

 

أغلبنا يعتقد أن الأفارقة قوم .. والعرب قوم .. لا يجمع بينهما إلا القليل .. لكن تحقيقا في القناة الألمانية الناطقة بالعربية DW .. أظهر خلاف ذلك .. وقدم من خلال تحقيق مدقق لقصة النصوص الأفريقية العربية وتاريخها .. وهي نصوص دينية وتفسيرات لعلماء مسلمين أفارقة تراكمت في كتب ومكتبات عامة وخاصة على مدى قرون .. وحظيت باهتمام كبير وانتشار واسع حتى جاء يوم غزو التتار لمدينة تمبوكتو ، عاصمة الثقافة في مالي وفي غرب أفريقيا ، من خمس سنوات ، تحديدا عام 2012 حين هجم المتطرفون على المدينة وبدأت عمليات التخريب والتبديل فيها، في البداية احتل المتطرفون معهد ( أحمد باية) التابع للدولة ، فهرب معظم العاملين به وتركوا ما به للقدر ، وبعده لم يسمح لأحد بدخوله إلا القوات المحتلة الذين أطلقوا على أنفسهم اسم (انصار الدين) ، كانت الكتب وقتها سلعة رابحة وتمبوكتو مركزا للثقافة والحضارة، وكان بعض من يملكون الكتب التراثية ينسخونها ويبيعونها للمشترين والباحثين ولكن (أغلقت المدارس لمدة عام كامل أثناء الاحتلال بدعاوي مختلفة) كما يقول هالي عصمان عمدة تمبوكتو في البرنامج لتتوالى الاعترافات المثيرة حول عام الاحتلال وما فعله الناس لانقاذ ثقافتهم وكتبهم في مواجهة مع محتل له مساره المعبر عن هويته.

الكتب .. والهاربون لها

كان الجميع قلقين .. المدير العام للمعهد الثقافي المذكور والعائلات التي وضعت فيه مكتباتها لتكون متاحة للجميع ، وكان الوقت صعبا ، وكان علينا انقاذ النصوص وانقاذ من يقومون بإنقاذها خلال الاحتلال ، هكذا يقول ممثل منظمة اليونسكو مؤكدا أن هذا الوضع دفع البعض للهروب بكتبهم من تمبوكتو ” وكانت العائلات تقسم كتبها بين أفرادها للهروب بها حتى تصل إلى ( باماكو) العاصمة ( كان علينا حماية من يخاطرون بحياتهم من أجل الحفاظ على صناديق الكتب) وتتوالى مشاهد البرنامج في نوع من الترتيب الذكي لتقديم هذا الحدث الفريد وتذكيرنا به من الحوار إلى الحركة لنرى أعدادا من الرجال المسلحين بالأسلحة المختلفة وهم يهدمون الأضرحة المتجمعة في مكان واحد .. ويحولونها إلى تراب وواحد منهم يتحدث باسم أنصار الدين .. وتعود الكاميرا إلى أحد المقاومين ” بعد أن هدموا الأضرحة .. أدرك الناس أن التاريخ والكتب في خطر عظيم .. فبدأوا يخرجونها ويهربونها وخلت أغلب الفاترينات والأدراج منها “واستمر هذا لمدة ستة أشهر ، كانت تنقل بالسيارات وعلى عربات تجرها حمير بسرية تامة .. تمكننا من نقل 90% من النصوص الدينية برغم مشاكل هذا النقل ومنها الشرطة ، فقد كانت كل نقطة تفتيش تمثل تهديدا أمنياً لأعتقادهم أن الصناديق تحوي سلعاً مسروقة .. مع ذلك ، تمكن ” أبطال تمبوكتو من تهريب أكثر من 2000 صندوق كتب بعيدا عن حكم “أنصار الدين” وهنا يؤكد عمدة المدينة أن تلك الشجاعة المذهلة ليست مسئولية الرجال ولا دولة مالي وحدها وإنما مشاركة العالم لهم في مأساتهم “لقد أبلغنا المجتمع الدولي وتواصلنا مع مجلس الأمن وأطلقنا جرس إنذار حتى يعرف العالم ماذا يحدث في تمبوكتو .. وأصابنا الاحباط لأن اليونسكو لا تمتلك جيشًا لمعاونتنا”.

ويواصل ” دخل الجيش المدينة بعد عام كامل، في يناير 2013، وتراجع الإسلاميون إلى الصحراء، وخلال تراجعهم أحرقوا حوالي أربعة آلاف مخطوطة، إلى جانب الأضرحة المدمرة “ويفسر أحد كبار مثقفي المدينة الأمر بأن هذه المجموعات المتطرفة المسلحة اعتادت على أخذ كل شيء له أهمية لدى سكان المدينة حتى لا تبقى لديهم أية مرجعية “حتى يمكنهم التلاعب بنا، وفرض ما يشاؤون من أفكار ، لقد شاهدنا ، تدمير الأضرحة دون سبب ، والأمر نفسه حدث في مدينة (تدمر) السورية، وفي الموصل بالعراق، وفي اليمن ودول أخرى” ، وحين أنقشع ضباب التطرف ، عادت الكتب والمخطوطات إلى بيوتها ، ووطنها ، 377 الفا و441 مخطوطة من 35 مكتبة عائلية غير مكتبة المدينة العامة ، وفي يناير 2014 عادت الكتب وعاد (حيدر) رجل الوثائق الأشهر هناك إلى قواعده للتأكد من سلامة النصوص والوثائق، وبدأت عمليات الترميم من جديد ، أما الأضرحة فقد ساعدت اليونسكو والمجتمع الدولي في إعادة بنائها من جديد” ولولا الحماية العسكرية للجيش لما تمكن المعهد الوطني في “باماكو” من ترميم الوثائق المحتاجة لذلك .. وكل نص تمت إضافته حول هذه التجربة المريرة يجعل النور يشع من جديد في أنحاء المدينة، فما نجح في تمبوكتو يمكن أن ينجح في العراق وسوريا وتونس وليبيا واليمن وكل مكان يمكن أن يتحول فيه التراث الثقافي العالمي إلى هدف عسكري .. لهذا نحن نرى تمبوكتو وما حدث فيها هدفا عظيما.

السؤال الأن هو هل رأى أحدنا فيلما وثائقيا أو برنامجاً عن أيام الإخوان في مصر مثلا .. وهل قدم التليفزيون في أي بلد عربي عانت وتعاني منه الدواعش ماذا يجري في مجتمعاتها بسبب هؤلاء ؟ أن هذا البرنامج يوثق ماحدث حتى في المدارس التي توقفت في تمبوكتو ثم عادت بعد طرد المتطرفين ليعاد فتح 150 مدرسة قرآنية يدرس فيها عشرون ألف طالب ولتعود الفتيات إلى الدراسة بدون حجاب ، وتعود النساء إلى أعمالهن وتعود الحياة لطبيعتها .. لينتهي البرنامج بهذه الصور المعبرة عن عودة بلد لحضارته وعودة شعب لحياته .. برنامج متميز أعده وأخرجه لوثر جريجور في إنتاج فريد متميز صعب أن تجده على الشاشات إلا القليل منها بل النادر .

 

 

التعليقات متوقفه