عن الفلاح المصرى فى عيده.. كبار المستثمرين استنزفوا موارد المياه لصالح أعمالهم

316

تعرض الفلاح المصرى منذ قديم الازل الى ظلم كل الحكام والدول التى حكمت مصر، فلم يحنوا عليه احد وعلى الرغم من ذلك صابر وكافح واستمر هو يُنتج ويزيد ارتباطه بالأرض ولم يتقاعس فى الدفاع عن ارضه ووطنه عندما ارتضت الضرورة ذلك، وحفر قناه السويس وساهم بحياته لحفر تلك القناة التي كانت ولا تزال تساهم بجزء مهم فى الدخل القومى. إلى ان جاءت ثورة 23 يوليو عام 1952 وكان من أولى قراراتها هي ان هذا المُنتج العظيم الفلاح المصرى لابد ان ترد إليه كرامته لابد ان ترد إليه حقوقه المسلوبة فقامت بإعادة توزيع الأراضى الزراعية لصالح فقراء الفلاحين وكان هذا أولى الخطوات فى سبيل إعادة الحق إلى الفلاح المصرى وقد كان التاسع من سبتمبر من عام 1952 هو عيد الفلاح.
زيادة الفجوة الغذائية
ولكن وللأسف الشديد هل استمرت الدولة المصرية من بعد الزعيم جمال عبد الناصر فى دعم الفلاح وإعطاء حقوقه وتوفير حياه كريمة له من خدمات تعليمية وصحية ومسكن وتوفير لأبناء الفلاحين الفرص المتساوية للرقى والرفاهية الاجتماعية كما لسكان الحضر. تخاذلت الدولة وبدأت فى تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادى الذى همش الزراعة وبالتالي همش الفلاح المصرى وهمش دورة ولم يعد الفلاح ولا فقراء الفلاحين على أولوية أجندة السياسات الاقتصادية للدولة فى ذلك الوقت. وتزايدت سياسات التهميش والتي أدت إلى افقار الفلاحين عندما تبنت الدولة تطبيق ما يسمى بسياسات الإصلاح الاقتصادى. أدت تلك السياسات إلى زيادة الفجوة الغذائية وتقليص مساحات القطن الذى كان يعرف بالذهب الأبيض وكان العمود الفقرى لدخل فقراء الفلاحين وتقلصت المساحة الزراعية نتيجة عدم الاستثمار الحكومى الكافى فى صيانة الأراضى الزراعية، حتى الأراضى التي كان يتم استصلاحها لم يستفد الفلاح المصرى الفقير من تلك الأراضى فتم استغلالها لصالح كبار المستثمرين الذين استنزفوا المياه واداروا المياه بشكل أدى إلى هدر كميات كبيرة من المياه التي كانت يمكن أن تستخدم فى الزراعة وفى التنمية الزراعية الحقيقية وبالتالي التنمية الاقتصادية المعتمدة على الذات، كل تلك السياسات وغيرها من السياسات المالية والنقدية والمؤسساتية أدت إلى إفقار الفلاح وتهميش دورة فى التنمية الاقتصادية الأمر الذى أدى إلى مزيد من التبعية الاقتصادية للخارج وإلى ازمة اقتصادية وإجتماعية عانى منها الفقراء وعلى رأسهم الفلاحون.
زيادة معدلات الفقر
وقامت ثورة 25 يناير وعلى الرغم من أن شعار تلك الثورة كان عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية إلا ان السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها وعلى الأخص فى قطاع الزراعة وكذلك السياسات الاجتماعية والتى تأثر بها الفلاح المصرى لم تتغير بشكل جوهرى عن ما قبل ثورة 25 يناير. فاستمرت تهميش الفلاح المصرى وعدم وضع الفلاح ولا احتياجاته على أولوية الحكومة المصرية واستمر هذا الوضع سواء فى ظل سياسات الاخوان التي استمرت لمدة عام واحد او يزيد او ما بعد حكومة الاخوان اى ما بعد ثورة 30 يونيو. استمر الاعتماد على السياسات الليبرالية الجديدة والأخذ بتوصيات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى من تحرير سعر الصرف وخفض الإنفاق الحكومى على المشروعات الإنتاجية وتقليص أعداد العاملين فى القطاع العام والهيئات الحكومية وتحرير أسعار السلع والخدمات وتحويل الدعم النقدى إلى دعم عينى والاخذ بسياسات الحماية الاجتماعية بدلا من سياسات العدالة الاجتماعية، وغيرها من تلك السياسات التي تحمل الفقراء المزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية. تحمل الفلاحين وهم افقر الفقراء تلك الأعباء.
ارتفاع التضخم
أدى كل ذلك إلى ازدياد نسبة الفقراء فى مصر من 20% خلال عام 2000 إلى 24% خلال عام 2010 ثم 26% عام 2013 إلى ان بلغت حاليا طبقا لتقديرات البنك الدولى نحو 27.8% خلال عام 2015. ولا شك أن تلك المعدلات قد ارتفعت الان خاصة بعد معدلات التضخم الرهيبة التي حدثت فى السنة الاخيرة والتي بلغت قرابة 38%. ولا شك أن هذا الفقر يتركز بشكل كبير فى صعيد مصر وعلى الأخص فى ريف صعيد مصر، حيث أشار تقرير صادر من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى خلال عام 2015 إلى أن خط الفقر خلال عام 2015 بلغ نحو 482 جنيها للفرد شهريا (54$ ) وذلك عندما كان الدولار بنحو 8.9 جنيه ولكى نحافظ على 54$ كخط الفقر معنى هذا أن خط الفقر الان يبلغ فى حدود 1000 جنيه شهريا للفرد. بينما خط الفقر المدقع بلغ نحو 322 جنيها للفرد شهريا بما يعادل 36 دولارا بمعنى أن خط الفقر المدقع الان فى حدود 673 جنيها للفرد شهريا. واشارت الدراسة نحو 56.8% من هؤلاء يقيمون فى المناطق الريفية بمصر العليا اى يمتهنون بشكل اساسى مهنة الزراعة، مقارنة بنحو 19.7% يقيمون فى المناطق الريفية بمنطقة الدلتا، مما يدل أن نحو 76% من الفقراء والمعدمين الفقراء يقيمون فى الريف وهؤلاء أغلبهم أما فلاحون أو يمتهنون مهنة تعتمد على الزراعة والفلاحة بشكل اساسى.
انتشار الجهل
ومنذ بداية السبعينات وحتى الان فرضت سياسات التهميش على الفلاح من خلال عدم مشاركته من خلال مؤسساته فى اتخاذ أي قرار يخص الفلاح ولم تعمل الدولة على تفعيل المؤسسات الفلاحية الحقيقية ولا إعادة تأسيس التعاونيات الزراعية الحقيقية بحيث تخدم بشكل حقيقى الفلاح المصرى وتدافع عن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، وتم تهميشه من خلال عدم توفير الخدمات الصحية والتعليمية له وكذلك البنية الأساسية فى الريف المصرى فتهالكت البنية الأساسية وانخفضت كفاءة العملية التعليمية والصحية الامر الذى أدى إلى انتشار الجهل وتركزت الأمية بين جموع الفلاحين بشكل اساسى وانتشرت بعض الامراض وعلى الأخص التهاب الكبد الوبائى و امراض الكلى وغيرها من الامراض التي انتشرت مؤخراً فى الريف المصرى. وهنا لابد من طرح تساؤل ما هو العائد الاجتماعى والاقتصادى الذى يمكن للفلاح المصرى ان يستفيد به من مشروع المليون ونصف مليون فدان الذى تنوى الدولة القيام به، بمعنى هل الفلاح الفقير والمعدوم سوف يستفيد من جراء ذلك المشروع القومى حيث هناك الكثير من الحوار والجدل حوله من حيث المياه والطاقة، فمازال الفلاح لا يعلم الكثير عن هذا المشروع. ولا يتضح فى الأفق أن فقراء الفلاحين يمكن أن يكون لهم دور فى ذلك المشروع القومى الذى من المفترض ان يكون لهم دور فيه.
قانون التعاون
ورغم ذلك ظل الفلاح المصرى هو العامل الاساسى للعملية الإنتاجية فى مصر. ولكى يعاد الاهتمام بالفلاح المصرى ويعاد له دوره وحقوقه التي تم إهدارها وتجاهلها، لابد من إعادة النظر فى سياسات الدعم الزراعى التي عملت الدولة على إلغائها خاصة وان اغلب الفلاحين او المنتجين الذين يقومون بإنتاج الزراعات والمنتجات التي يعتمد عليها الاقتصاد القومى مثل القمح والقطن وغيرهما هم صغار وفقراء الفلاحين. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعى من اسمدة ومبيدات وغيرها يجعل الفلاح يقع فريسة فى أيدى تجار مستلزمات الإنتاج الزراعى مع عدم وجود مؤسسات تحميه وتدافع عن مصالحة الامر الذى يزيده فقراً وحاجة. هذا يجعلنا نوجه النظر إلى أهمية وجود تلك المؤسسات التي تدافع عن مصالح فقراء الفلاحين وإعادة النظر فى قانون التعاون الزراعى وجعله قانون يعمل لصالح الفلاحين والفقراء منهم بشكل اساسى وليس لصالح الدولة او المؤسسات الحكومية ويقودها كبار الفلاحين أو كبار المنتجين مع تفعيل روابط الفلاحين واتحادات الفلاحين. مع الاهتمام بالخدمات الأساسية وعلى الأخص التعليم والصحة والبنية الأساسية فى الريف المصرى حيث يعانى الفلاح من عدم كفاءة تلك الخدمات الامر الذى يؤدى إلى انتشار المرض والفقر والجهل بين جموع الفلاحين الفقراء. ويجب ألا يتم اغفال ان الأرض والمياه هما عنصران أساسيان للعملية الزراعية فى مصر وان رفع كفاءة كل من الأرض والمياه يؤثر بشكل إيجابى على الإنتاجية وبالتالي على الدخل الحقيقى للفلاح المصرى، ولكى يتم رفع كفاءة كل من عنصرى الأرض والمياه لابد من زيادة الاستثمارات الحكومية فى قطاع الزراعة وعلى الأخص زيادة الإنفاق على تطوير الترع والمصارف وتطوير مشروع الصرف المغطى ومشروع تطوير الرى الحقلى حيث أن كل تلك المشاريع تعمل على زيادة كفاءة العملية الزراعية وبالتالي زيادة العائد الحقيقى للفلاح.
أخيرا، الفلاح المصرى هو الذخيرة الحقيقة لهذا المجتمع والفلاح مع العامل مع الطبقة الوسطى هم القادرون على بناء مصر دولة مدنية عصرية حديثة، حيث إهمالهم وتهميشهم وإفقارهم كما هو حادث الان سوف يؤدى إلى المزيد من الازمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعانى منها المجتمع المصرى الان.

د. شريف فياض

التعليقات متوقفه