جزرة المعونة وعصا حقوق الإنسان

64

أثناء زيارتي للعاصمة الأمريكية واشنطن عام 2006 ضمن وفد صحفي، تم ترتيب لقاء لنا مع أحد كبار المسئولين بوزارة الخارجية هناك، وكان معنياً بملف المعونة الأمريكية المصرية وذلك بمناسبة مناقشة الكونجرس إمكانية خفض المعونة خلال العام التالي، اعتراضًا من بعض النواب على سياسات نظام الرئيس مبارك التي لا تروق للإدارة الأمريكية وقتها، ووسط تحذيرات بعض الزملاء المرافقين انطلاقا من وطنية ملحوظة بعدم خفض المعونة حرصاً على العلاقات الاستراتيجية بين مصر وأمريكا، وحتى لا تتأثر علاقات الأخيرة بحليف قوي فى المنطقة. ولم يستطع المسئول الأمريكي إخفاء ملامح السعادة على وجهه من تلك المناشدات، وبغرور واضح أعرب عن تفهمه لما يقوله الزملاء شريطة أن يبذلوا جهداً موازياً عند عودتهم لمصر بإقناع النظام بتغيير سياساته التي تثير غضبهم غضب الأمريكان، ووسط ذلك الجو الاستفزازي ناشدت نعم ناشدت هذا المغرور أن يوقفوا المعونة تمامًا، وليس مجرد خفضها، ولتتحمل أمريكا مسئولية عدم الوفاء بالتزاماتها، وزدته بالإشارة إلى سوء السمعة التي تلاحق تلك المعونة وسط الرأي العام المصري الذي لا يشعر بأثرها على الأطلاق، وحتى لا استفيض قاطعني المسئول الأمريكي، وقد تلاشت ملامح السعادة من على وجهه وعاد من غروره، موضحاً أنهم يتفهمون ذلك أيضاً.
وقبل مغادرتنا واشنطن أقر الكونجرس المعونة كما هي، ومن يومها وأنا أترقب مواقف الإدارات الأمريكية المختلفة فى اللعب بجزرة المعونة فى مصر، وآخرها ما حدث الشهر الماضي عندما قرر الكونجرس، إلغاء مبلغ 7ر95 مليون دولار من المعونة لمصر عن عام 2016، وقرار ريكس تيلرسون وزير الخارجية بتعليق صرف 195 مليون دولار أخرى انتظارا لتحسن ملف حقوق الإنسان فى مصر وإلغاء تقييد الجمعيات الأهلية بها.. هذا الـ «تيلرسون» ربط ولأول مرة بين جزرة المعونة، وعصا حقوق الإنسان، ويبدو أنه تصور أيضاً أن تقرير منظمة « هيومان رايتس ووتش « المشبوة يمكن أن يدعمه فى هذا التوقيت، وبهذه المناسبة كيف ترى الإدارة الأمريكية أوضاع حقوق الإنسان فى الدول المجاورة لمصر وعلى قدر ما نعلمه من امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لأجهزة معنية بالبحث والرصد والتحليل، ومراكز استخبارات، يبدو الغباء الأمريكاني فى رصد المتغيرات فى مصر التي حدثت فى السنوات الأخيرة واستقرارها على نظام حكم يتصدره رئيس منتخب بإرادة شعبية كاسحة، يحقق لنا ما طرحناه من مطالب على مدى سنوات حكمي الرئيسين السادات ومبارك بعدم التبعية للغرب، والاتجاه للتنمية المستقلة المعتمدة على الذات، وتنويع مصادر السلاح، وامتلاك إرادتنا فى مواجهة السياسات الاستعمارية التي تتغير أدواتها لتحقيق الهدف نفسه.
نصيحتي للصديق المزعوم.. رتب سياساتك مع مصر على مقاسها بعد ثورة 30 يونيو.. وليس قبل ذلك.

عماد فؤاد

التعليقات متوقفه