«التعليم» من «المجانية» إلى «الانهيار الكامل»

129

لم يغفل التاريخ فى الذكرى السابعة والاربعين لوفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، النهضة التعليمية التى شهدتها مصر فى هذه الفترة، فقد عزم “عبد الناصر” المضى قدماً فى تنفيذ برنامج للتعليم يقوم على أسس قومية، ويقضى على الأمية المتفشية فى البلد، ويعطى الفرصة للمرأة للتعلم، ومنذ بداية ثورة 23 يوليو 1952 بزعامة “عبد الناصر”، كان يرى ان التعليم حق للدولة على المواطنين وواجب تؤديه، ولذلك رأت الثورة أن تلغى عن وزارة التربية والتعليم اسم “المعارف” وكان إدخال عنصر التربية بالاسم والفعل فى وزارة التربية والتعليم صدى كبيرًا، إذ شهدت المدارس ألوانا عديدة من النشاط الاجتماعى والرياضى والثقافى فى داخلها وخارجها.
وفى العيد الثالث للثورة فى 22 يوليو 1955، أعلن “عبد الناصر” الأهداف العامة للسياسة التعليمية، والتى تهدف الى توفير فرص متساوية لجميع أبناء الشعب لكى يأخذوا قسطا متساويا من التعليم الابتدائى المجانى، ووضعت لذلك برنامجا لإعداد نحو 4000 مدرسة و40 ألف معلم ومعلمة؛ لكى تصل إلى هذا الهدف فى حوالى 8 أعوام.
الدستور
وقد حمل دستور 1956، عدة نصوص وضعت بشأنها التعليم فى اولويات الدولة إيماناً بأن التعليم يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد نصت الماده 49 : التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة؛ بإنشاء مختلف أنواع المدارس والمؤسسات الثقافية والتربوية، والتوسع فيها تدريجيا. والمادة 50: تشرف الدولة على التعليم العام وينظم القانون شئونه وهو فى المراحل المختلفة بمدارس الدولة بالمجان فى الحدود التى ينظمها القانون. والمادة 51: التعليم فى مرحلته الأولى إجبارى وبالمجان فى مدارس الدولة.
وبعد انتهاء الحقبة الناصرية بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970، لم يكن التعليم ضمن اولويات الحكومات المتعاقبة كونه مشروعا قوميا لمصر، وضئلت ميزانيته واصبح 90% منها يذهب للاجور والمرتبات، فضلا عن غياب دور المدرسة التعليمي والتربوي، وتدهور العامل الاخلاقي وانتشر العنف والبلطجة، فضلا عن خروج مصر من التصنيف الدولى لجودة التعليم.
مشروع قومي
وفى ذات السياق قال د.شبل بدران “ عميد كلية التربية بجامعة الاسكندرية سابقاً” ان “عبد الناصر” زعيم قاد الامة والعالم فى مرحلة تاريخية غيرت معالم السياسة الدولية والداخلية فى العديد من دول العالم، وابرز الاشياء كانت السياده الوطنية، واستقلال القرار الوطنى، والمعاملة بجدية مع العالم الخارجى، فضلا عن ان دور ومكانة مصر كان له اعتباره واهميته.
واضاف انه على الصعيد الداخلي كان “ عبد الناصر” نصير الفقراء وتجسد ذلك فى التعليم، حيث استكمل خطوات مجانية التعليم حتى التعليم الجامعي عام 1962، وتوسع فى الجامعات والمعاهد العليا، الامر الذي ادي بذاته الى تضاعف اعداد الطلاب، حيث كان التعليم واجبا على الدولة على عكس ما وصلنا اليه وتحول التعليم لسلعة يشتريها من يستطع ان يدفع ثمنها.
لافتاً الى ان كل القيادات ورموز الحياة العامة فى مصر هم ابناء هذا الجيل على المستوي الوطنى والعربي والدولى الذين تعلموا من مجانية التعليم، فضلا عن رد الاعتبار للفلاح المصري ودخول ابنائه الجامعات وتوليهم ابرز الاماكن والمواقع فى الدولة.
الإتاحة
وقال د.على بركات “عميد كلية اداب المنصورة سابقاً” ان إتاحة التعليم لكل فئات الشعب يعد جزءا من البرنامج الاجتماعي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بهدف تحقيق تكافؤ الفرص على مستوي الوظائف والتعليم، وقد شاهدنا لاول مرة حصول ابنة البواب على المركز الاول فى الثانوية العامة.
واضاف ان إتاحة مجانية التعليم حتى التعليم الجامعي، إجراء ثوري وأحد اهداف ثورة يوليو لإزالة الفوارق بين الطبقات، وقد كتب الدكتور رؤوف عباس “المؤرخ المصري”، فى مذكراته : لولا مجانية التعليم لما كنت وصلت للجامعة وانا ابن عامل السكة الحديد”، حيث كانت الجامعة بمصروفات وللقادرين مادياً.
ولفت بركات، الى ان الجامعات الخاصة لم تكن موجودة فى عهد عبد الناصر، وكان من يذهب للمدارس الخاصة يعتبر “ فاشل”، اما ما وصلنا اليه فى وقتنا الحالي يعد نوعا من الفوضي فى التعليم وانعكس ذلك على ابناء المجتمع الواحد واصبح لدينا تعدد فى الفكر والثقافة ونفتقد لوحدة الفكر بين الاجيال.
مؤكداً على اننا تخلينا تلقائياً عن مجانية التعليم واصبحت مجانية شكلية، وذلك لإختلاف التوجه بعد السبعينيات بدءًا من عصر الرئيس الراحل انور السادات وجعل القطاع الخاص يقود التنمية بدلاً من القطاع العام.
حق التعليم
وقال عبد الحفيظ طايل “ مدير المركز المصري للحق فى التعليم “ ان مجانية التعليم تعد احد مؤشرات الحق فى التعليم الذي كفله الدستور المصري، بالاضافة الى إتاحة التعليم وحق الطلاب فى ممارسة الحريات والانشطة وتمتعهم بالحقوق.
واضاف ان المدرسة فى الاربعينيات قبل ثورة 23 يوليو 1952، خرجت نخبة من العلماء والباحثين والكتاب امثال نجيب محفوظ وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وغيرهم، وكان من الممكن ان يتخرج علماء اكثر فى عهد “عبد الناصر” ولكن لم تبن مدارس بالشكل الكافى بسبب الحروب التى خاضتها الدولة. لافتاً الى ان “عبد الناصر” استعان بمقولة طه حسين “ التعليم كالماء والهواء” وعمم مجانية التعليم على كل المراحل التعليمية من الابتدائية حتى الجامعة، واصبحت ليست قاصرة على التفوق الدراسي كما كان يحدث قبل ثورة يوليو 1952.
مشيراً الى ان تخلي الدولة عن مجانية التعليم يعني ان الدولة لا تريد تنمية وبناء كوادر حقيقية، وتسعي بذاتها لحجز الوظائف لابناء الاغنياء، فأنشأت بذلك الجامعات الخاصة والدولية وتدهور التعليم الحكومى.
الارتقاء بالمجتمع
وقال احمد الاشقر “ منسق الجبهة الحرة للمعلمين” ان تطور مجانية التعليم اعطى فرصة لطبقات مجتمعية ان ترتقي عن طريق التعليم وحدث إرتقاء اجتماعي لأطياف الشعب المصري، على عكس الارتقاء الطبقي فى العصر الحالي يتم بواسطة الفن والرياضة.

التعليقات متوقفه