المنافسة العربية فى اليونسكو.. إصرار على الفشل

113

برغم أنه من المبكر توقع نتائج المعركة فى انتخابات المدير العام لمنظمة التربية والعلوم والثقافة اليونسكو، التي بدأ التصويت فيها أول أمس الاثنين، والتي تنافس فيها المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب، إلا أن ما أحاط بهذه المعركة من طواهر تستدعي التأمل والدراسة والمراجعة يناقش بعضها مقال الكاتب الصحفى صلاح عيسى، وأشار إلى بعضها الآخر بيان لحزب التجمع ندد فيه ببيان لمنظمات حقوقية تدعو لعدم انتخاب المرشحة المصرية مبررة ذلك بترهات لا تستحق التوقف أو المناقشة.
وكان حزب التجمع، قد أعلن دعمه للسفيرة خطاب ممثلة للدولة المصرية فى تلك الانتخابات، وقال بيان لمتحدث إعلامي باسم الحزب، إن سجل خطاب فى العمل الدبلوماسي والاجتماعي ينطوي على صفحات ناصعة من الانجاز والتفوق والإتقان، يجعلها رقما مهما فى المنافسة على الموقع بين سبعة مرشحين.
ويود حزب التجمع، التأكيد على أن المرشحة المصرية للموقع الدولي، لا تمثل نفسها، بل هي ممثل للدولة المصرية ذات الحضارة العريقة التي ساهمت فى تقدم البشرية، ويعتبر فوزها بهذا الموقع إضافة حقيقية لتلك المساهمة.. وإذ يثمن التجمع عاليًا الموقف العراقي الذي تجلى بانسحاب مرشحه من المنافسة على الموقع لصالح المرشحة المصرية، يعرب الحزب عن بالغ أسفه على خوض الدول العربية المنافسة على هذا الموقع الرفيع بأربعة مرشحين، ولكي يتكرر العجز عن اتفاق موحد لمرشح عربي وحيد.

مع أن العد التنازلي لبدء إجراءات انتخابات المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة « اليونسكو»، قد بدأ بالفعل.. ومع أن العرب يخوضون المنافسة على هذا الموقع الرفيع بأربعة مرشحين، يمثلون ما يقرب من نصف عدد الذين يتنافسون على شغله.. إلا أن كل الشواهد تدل على اهتمام الدول العربية بالنتيجة التي سوف تسفر عنها هذه الانتخابات، أقل بكثير من أهمية المنصب المنصب !، ومن مكانة المنظمة الدولية.
وترجع أهمية موقع المدير العام لمنظمة اليونسكو، إلى المكانة الرفيعة التي تحتلها المنظمة على خريطة منظمات الأمم المتحدة، ويعود اهتمام العرب بهذا الموقع إلى أنهم يعتقدون عن حق أن المجال الثقافى من بين المجالات التي يتمتعون فيها على المستوى الدولي بميزة نسبية تدعوهم إلى السعي للحصول عليه، فضلا عن أن مجالات التربية والتعليم من المجالات التي يحتاجون فيها إلى الحصول على خبرة إضافية تميز بينهم وبين غيرهم من دول العالم وكان ذلك ما دفع أربع من الدول العربية هي : مصر والعراق ولبنان وقطر إلى خوض المنافسة على موقع المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، على الرغم من صعوبة المنافسة، ومن فشل كل المحاولات التي بذلها ويبذلها حتى الآن هؤلاء الأخوة الأعداء للحيلولة دون تضارب المصالح فيما بينهم.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تفشل فيها المجموعة العربية وحلفاؤها داخل المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، فى التوصل إلى درجة من التوافق فيما بينها، تمكنها من تشكيل كتلة انتخابية تستطيع أن تحسم المنافسة على موقع المدير العام للمنظمة لصالح أحد المرشحين العرب، وفى كل مرة يعود هذا الفشل إلى إصرار الأطراف العربية على أن تخوض المعركة الانتخابية متنافسة، على نحو ينتهي بفشلها جميعاً فى حسم النتيجة لصالحها، لينتقل موقع المدير العام إلى غيرها من الكتل الدولية الأخرى، وتخرج الكتلة العربية كالعادة من المعركة بـ « خفى حنين».
وحتى الآن، وبسبب تنافس المرشحين العرب الأربعة، على تولي منصب المدير العام لليونسكو، وإصرار كل منهم على عدم التنازل للآخر، فإن احتمال فوز أحدهم بالموقع يبدو بعيد المنال، على الرغم من الميزات النسبية التي تتمتع بها الكتلة العربية، التي تتكون من سبع دول تشكل فيما بينها ثلث عدد أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة، الذين يبلغ عددهم واحد وعشرين عضوا، لكنها تفقد هذه الميزة النسبية، لأن أربعة من بين هؤلاء العرب السبعة يتنافسون فيما بينهم على موقع المدير التنفيذي للمنظمة.
ويكشف تحليل قائمة المرشحين التسعة لموقع المدير العام للمنظمة عن الخطأ الفاحش الذي يقع فيه العرب حين يخوض أربعة منهم المعركة، على هذا الموقع متنافسين، لأن المنافسة بين هؤلاء تكاد تنحصر بين اثنين فقط هما المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب والمرشح القطري حمد الكواري، بينما تتراجع فرص المنافسة بالنسبة للمرشح العراقي صالح الحسناوي والمرشحة اللبنانية فيرا خوري، وبسبب خصومات وتوترات منافسات سياسية وغير سياسية قديمة وحديثة، بين الطرفين المصري والقطري، تصاعدت حتى وصلت إلى ذروتها فى المرحلة الأخيرة، فليس واراداً تحت أي اعتبار، أن ينسحب أحد المرشحين المصري أو القطري لصالح المرشح الآخر، والأرجع طبقا لتقدير الذين يتابعون الصراع الانتخابي بين الطرفين أن يسفر هذا الصراع عن فوز كل منهما فى معركة الحاق الخسارة المحققة بخسارة الطرف الآخر والحيلولة بينه وبين الحصول على موقع المدير التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
أما المؤكد فهو أن المنافسة بين الدول العربية الأربعة خاصة بين القاهرة والدوحة سوف تنقل احتمالات الفوز بموقع المدير التنفيذي لمنظمة اليونسكو، إلى قطبين آخرين من المرشحين التسعة، وإلى كتلة تصويتية أخرى بين الناخبين لتنحصر المنافسة على موقع المدير التنفيذي للمنظمة بين وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة إودري أزولي وبين المرشح الصيني كيان تانج، ويقتصر رهان كل منهما على ثلاثة عشر صوتاً تضمها المجموعة الإفريقية فى المجلس التنفيذي للمنظمة، فتعتمد الصين على أنشطتها الاقتصادية فى الدول الإفريقية، فى اجتذاب أصوات هذه الدول لمرشحها، بينما تعتمد المرشحة الفرنسية على أصوات الدول الافريقية الفرانكوفونية لتضمن لمرشحها الفوز بموقع المدير التنفيذي لليونسكو، وبذلك يخرج العرب من مولد اليونسكو بلا حمص، بسبب إدمانهم لنصل الفخاخ لبعضهم البعض فى المنظمات الدولية، مع أنهم قد يكونون الآن على وجه التحديد الاكثر احتياجا لموقع المدير التنفيذي لليونسكو فى هذه الظروف المناخية السيئة، التي شاءت أن تهب فيها على أمتهم العربية عواصف الربيع العربي، وبدلا من أن تنجح فى أن تؤسس لهم نظماً ديمقراطية تحكمهم، ساهمت فى تأسيس عصابات تسرق آثار بلادهم، وتدمر ما تبقى لهم من حضارة تركها لهم أجدادهم.

صلاح عيسى

التعليقات متوقفه