تحذيرات جديدة: شبح الزواج المبكر يلتهم حقوق المرأة التعليمية والصحية

365

قامت «الدولة» مؤخرًا بعدة مجهودات من شأنها محاربة الزواج المبكر والتوعية من مخاطر الانجاب، وذلك بعد ارتفاع نسب الطلاق وفقا للتقرير الأخير للتعداد السكاني لسنة 2017 الذي أصدره، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، برئاسة اللواء أبو بكر الجندي وبحضور الرئيس السيسي، وعدد من المنظمات الدولية والعربية، وأكد التقرير أن  1.7 % من الإناث مطلقات مقابل 0.9% للذكور، فى الوقت نفسه طالب عدد من نواب البرلمان برفع سن الزواج لــ 21 عامًا، بهدف الحد من الكثافة السكانية التي تلتهم التنمية نتيجة زواج الفتيات فى عمر الـ 18 عاما وما قبل ما ينتج عنه كثرة الإنجاب، بالاضافة لعدم قدرتهن على تحمل المسئولية الأسرية، إلى جانب وصولهن لمراحل متقدمة من التعليم العالي، والحد من ارتفاع نسب الطلاق والتفكك الاسري الذي يهدم المجتمعات.

أعدت وزارة الأوقاف خطة شاملة للتوعية بتنظيم النسل، خاصة بعد ارتفاع الكثافة السكانية الهائلة الناتجة عن التعداد السكاني، والتي وصلت لـ 104 ملايين نسمة، بالإضافة إلى الخطط المكثفة لإيضاح مخاطر زواج القاصرات، وذلك بعد ظهور واقعة تزويج 27 من القاصرات على يد إمام وخطيب بمحافظة الغربية، وتتضمن الخطة 3 وسائل أولها: حملة طرق الأبواب بمشاركة جميع الواعظات المعينات والتي تهدف إلى توعية المرأة بالتعاون مع وزارة الصحة فى حملة التوعية الإنجابية، والتي وصلت إلى مليون أسرة، وتطبيق برنامج التوعية داخل المعسكرات والدورات لجميع الأئمة والواعظات؛ بقصد إحداث ثقافة عامة تعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة فى ذلك، بحيث ينتقل الأئمة والواعظات من حَيز الفهم الواعي إلى حيز الانتشار المكثف، قصد إحداث ثقافة مجتمعية صحيحة وشاملة، مع تصحيح جميع المفاهيم الخاطئة فى كل ما يتصل بهذه القضية، وأكد وزير الاقاف، تعاون الوزارة مع جميع الجهات والمؤسسات المعنية، لتنظيم المقترحات المتبادلة بشأن تلك المخاطر التي تواجه المجتمع.
المأذونون
حذر جميع العاملين بها خاصة الأئمة والقيادات الدينية، من القيام بأي أعمال من أعمال المأذونية، وبخاصة ما يعرف بوكيل مأذون؛ حيث إن هذا العمل منوط قانونيًّا بالمأذونين الرسميين دون سواهم، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية التي قد تصل إلى إنهاء خدمته من الأوقاف نهائيًّا.
وطالب وزير الاوقاف، القائمين على شئون المساجد بعدم السماح بإشهار عقد الزواج بالمسجد إلا فى وجود المأذون الرسمي والتأكد من شخصيته، أو بتسلم صورة من عقد الزواج الرسمي حال إجراء العقد بمكتب المأذون وإشهاره بالمسجد، وإثبات ذلك كله بسجل المسجد حالة بحالة.
وشدد مختار جمعة، على أنه يحظر حظرًا كاملًا إشهار أي زواج عرفى فى المساجد أو ملحقاتها أو الاشتراك فى أمره بأي صورة من الصور سواء إجراء العقد أو الشهادة عليه، وذلك إعلاء لدولة القانون، وحفاظًا على حقوق الزوجين، ودفعًا لأي مخالفات يمكن أن ترتكب خارج نطاق الشرع والقانون.
الفتاوى الشاذة
وتابع: وزير الأوقاف، أن قضية زواج القاصرات واحدة من القضايا الحياتية التي لم يرد فى بيان تحديد سن الزواج فيها نص قاطع، لا من صريح القرآن ولا من السنة، فأصبح الأمر متروكًا للاجتهاد والرأي والرأي الآخر وفق ما تقتضيه المصلحة، على أن فقه الموازنات وحسابات المصالح والمفاسد، وترجيح ما يجب ترجيحه منها يتطلب منا نظرات متأنية لا نظرة واحدة قبل أن نصدر أي فتاوى فى هذا الشأن، مضيفا أن أمر الفتاوى فى مثل هذه القضايا يحتاج اجتهادًا جماعيًّا للمؤسسات المعتبرة لا اجتهاد الأشخاص أو الأفراد، ولا سيما إذا كان بعض هؤلاء الأشخاص أو الأفراد بمعزل عن استيعاب قضايا العصر ومستجداته، متسائلاً: إذا كانوا بمعزل عن قواعد الإفتاء وأصوله من الأساس فما بالكم إن كان من يفتي فى الشأن العام غير المتخصصين؟ أو حتى من غير الدارسين للأصول الشرعية على وجهها المطلوب إن لم يكن من غير الدارسين لها من الأساس.
وأوضح، أن إصدار هذه الفتاوى لا يمكن أن تستند فقط إلى ما درسناه وقرره بعض الفقهاء فى عصور وظروف وبيئات تغيرت طبيعتها تغييرًا كاملاً فى زماننا ومكاننا وبيئتنا، وأصبح من يتصدر للإفتاء فى مثل هذه الأمور والقضايا المعاصرة فى حاجة ملحة إلى أن يلم إلى جانب أصول وقواعد فقه الأحكام بفقه العصر والواقع ومستجداته وتداعياته وتحدياته وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وشدد على ضرورة الاستئناس بآراء الخبراء المختصين من الأطباء والاقتصاديين وعلماء النفس والاجتماع، خاصة إننا بحاجة إلى ماسة لنظرة أوسع نحو ما يدور حولنا فى مختلف دول العالم والتزامات الدول وتعهداتها فى ضوء ما وقعت عليه من مواثيق دولية، حاصة أن الاستطاعة كما ينظر فيها إلى حال الأفراد ينبغي أن ينظر فيها أيضًا إلى أحوال وقدرات الدول.. واشار وزير الاوقاف، إلى أنه إذا كان الفقهاء قد تحدثوا عن الباءة وهي القدرة على الوفاء بحق الزواج فإن الأمر بلا شك لا يمكن أن يحصر أو يقصر فى القدرة والطاقة الجنسية، إنما هو القدرة العامة على قيادة سفينة الحياة الزوجية بما تقتضيه وتتطلبه من تبعات اقتصادية ومسئوليات اجتماعية نظلم أبناءنا وبناتنا ظلمًا كبيرًا إن حملناهم إياها دون احتمالهم لها أو قدرتهم على هذا الاحتمال، أو حتى مجرد إدراكهم لما يقتضيه واجب كل من الزوجين تجاه الآخر من حقوق وواجبات ومسئوليات، وما لم نهيئ لهم ما يغلب على الظن معه على أقل تقدير نجاح هذا الارتباط، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حالات الطلاق بين الشباب المتزوجين حديثًا لعدم تأهيلهم وتهيئتهم بالقدر الكافى وإدراك كل منهم لما تتطلبه وتقتضيه حقوق بناء الأسرة السوية كأساس لبناء مجتمع سوي متماسك قادر على صنع الحضارة واقتحام عباب الحياة الصعبة.
ثقافة طبية
وقال الدكتور عمرو حسن، استشاري نساء وتوليد بكلية طب قصر العيني، والمدير الطبي لمؤسسة مصر للصحة والتنمية المستدامة، التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، إن الحملة تقوم بعمل قوافل طبية إلى جانب التوعية من مخاطر الأنجاب، من السيدات والفتيات اللاتي ليدهم صلة بالصحة الانجاية، وتنظيم الأسرة، ووسائل منع الحمل، إلى جانب التوعية الصحية للشباب من خلال مخاطر التدخين واضراره، بالإضافة لتوعية وثقافة الاطفال من خلال مسرح العرائس عن تناول الغذاء، ما ينتج عنه جيل قوي وصحي للسنوات القادمة.
وتابع: إن الفقر واحد من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة زواج القاصرات، خاصة أن هناك عدداً من القرى فى صعيدي مصر تقوم على زواج فتياتها من بعض رجال الخليج للتخلص من أعبائهن المادية عن طريق سماسرة الزواج، ويتم حرمان الطفل من استخراج شهادة ميلاد له لمدة عام وأكثر، حتى يكتب فى النهاية باسم والد الفتاة بعد رحيل رجال الاجانب عنهن، ويصبح فى شهادة الميلاد شيقيق الفتاة وليس ولدها، مؤكداً أن هذه الحالات تشكل خطورة كبيرة على المجتمع، إلى جانب الاعباء التي تسببها للدولة نتيجة هذه الاطفال، وأضاف عمرو حسن، إلى ان الذكور فى هذه الحالة يتجهون لتجارة وإدمان المخدرات نتيجة للزواج المبكر الذي يعيد مأساة نشأتهم مرة أخرى، لافتا الى أن معدل النمو السكاني لمصر يمثل خمس اضعاف مثل الدول المتقدمة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى عجز فى ميزانية الدولة، خاصة أن الضغط على الامكانيات المتاحة يؤدي إلى فشل المنظومة بأكملها.
مليون طفل
وفى السياق ذاته أكد الدكتور صلاح سلام، نقيب أطباء شمال سيناء، أن خطورة زواج القاصرات من الناحية الصحية على الفتيات خاصة فى أعمار 18 وتحت 20 سنة، يتسبب فى ارتفاع معدلات الولادة القيصرية كونها لم تجد النضج الكافى للحوض، فضلا عن حدوث انيميا الحمل، وزيادة معدلات تسمم الحمل، فالزواج المبكر تحت 18 سنة عادة فى التربية الريفية القديمة كانت التغذية مرتفعة، فى الوقت الحالي أصبحت التغذية ضعيفة ما قد يتسبب فى تأخر الانجاب وهو ما يساوي الطلاق المبكر.. وأضاف أن السن المبكر للزواج فى الوقت الراهن يؤدي إلى وفاة الفتاة لعدم قدرتها على تحمل جنين آخر، إلى جانب المشكلات التي قد تصيب الجنين مثل نقص الاكسجين وخلافه، ما ينتج عنه أطفال عالة على الاسرة والدولة، وتابع، أن انفجار سكاني أعباء إضافية على الدولة ففى ظل الانجاب المبكر أغلب  السيدات كثيري الانجاب لا يصلهم وسائل منع الحمل، والمباعدة فى فترات الحمل لا تحقق الهدف المرجو منها، حيث ترفض المراة منع الحمل لسبع سنوات ما أدي إلى نصف مليون حالة حمل غير منتظر وفق المسح السكاني لهذا العام.
احتواء الازمة
وفى السياق ذاته طالب النائب محمد بدوى دسوقى، عضو مجلس النواب عن دائرة الجيزة، بوضع شرط  لتسجيل المواليد الجدد على أن تكون الأم قد بلغت السن الذى أقره القانون لزواجها بجانب تقديم وثيقة الزواج «القسيمة»، ومن دون بلوغها هذا السن فلا يحق لهما تسجيل المولود، مؤكداً أن هذا القرار سوف يكون رادعاً بشكل كبير لمن يشاركون فى زواج القاصرات، بالإضافة إلى تنفيذ القانون بحزم ومعاقبة جميع المسئولين عن زواج القاصرات سواء كان الأهالى أو المأذون بالحبس والغرامة.. وشدد عضو مجلس النواب، على ضرورة أن تنضج الفتاة كى تكون قادرة على  تحمل مسئولية الزواج والإنجاب ومسئولية الأسرة، حيث  أن زواج الفتيات قبل نضوجهن ينتج عنه مجتمع غير متماسك، إذ لا يمكن الاعتماد على نتائج هذه الأسر فى بناء مجتمعات أكثر تقدما، لذا يجب التصدى لزواج القاصرات بشتى الطرق الممكنة.. وتابع محمد بدوى، يجب على الدولة إطلاق حملات توعية خاصة بالزواج المبكر وحقوق الفتيات على أن تعيش طفولتها، ووتمتلك حقها فى التعليم والعمل وغيرها من الحقوق التى يلتهمها شبح الزواج المبكر، واصفاً الإحصائيات الأخيرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالكارثية على المجتمع وذلك لتولي قاصرات لم يكتمل نموهن ووعيهن بتربية وتخريج جيل للمستقبل، مطالباً أيضاً الدولة بإدراج زواج القاصرات ضمن القضايا الجنائية لإخلالها بالأمن القومي للدولة المصرية، بجانب تأثيرها غير المباشر على تدني مستوى التعليم وزيادة نسب الطلاق والزوجات المعيلة.

التعليقات متوقفه