صفحة من تاريخ مصر: أحمد لطفي السيد.. لغز ديمقراطية الأعيان (14)

308

ولكن احمد لطفي السيد يأبي أن يغادر مسرح الليبرالية هو ورجال حزب الأمة، ثم (الأحرار الدستوريين) وأصحاب “الجريدة” ثم “السياسة”. إلا بعد أن يشيعوا ليبراليتهم إلي مثواها الأخير.. وشاركهم في الجنازة وافدون جدد إلي حزبهم وموقفهم فكيف كان الأمر. كانت حملة ضارية قادها رشيد رضا ضد دعاة التجديد والليبرالية والاستفادة بمنجزات الغرب والاستعانة بها.. واستخدم في حملته مفردات لم تعرفها مصر من قبل فالعقاد كاتب مراحيضي والجميع كفار وملاحدة ويتحدث سلامة موسي عنه كتابات رشيد رضا فيقول إنه “خص نفسه بشتم الشباب المصريين واتهامهم بالالحاد والكفر والشيوعية وهكذا حتي تحتاج أن تغسل يديك عقب قراءة الكتاب” (المجلة الجديدة- يوليو- 1930) وعند هذه الحدود راجع لطفي السيد ورعيله حساباتهم ووجدوا أن حزبهم يخسر في هذه المعركة وهم بنزعتهم الارستقراطية لا يحتملون صراعا كهذا بينما كان الوفد يكسب من تماديه في شعبوية ننتقدها نحن لكنها كانت تحميه.. وربما كانت هناك مراجعة فكرية أدت إلي تراجع..

وأصدر محمد حسن الزيات مجلة الرسالة، مبشرًا بموقف وسطي جديد وقال في افتتاحية عددها الأول “إنها ستكون جامعة بين روح الشرق وحضارة الغرب” وكتب أحمد أمين أيضا “أننا بحاجة إلي نموذج اجتماعي تربوي متوازن يقدمه رجال الثقافة ليتجاوز الثنائية بين التغريب والسلفية ويجمع بين الثقافتين العربية الإسلامية والثقافة الأوروبية” ويبشر بوجود “علماء يجمعون بين الثقافة الأوروبية والثقافة الإسلامية” (الرسالة – يناير 1933) وكان د. محمد حسين هيكل قد أصدر ملحقا لمجلة السياسة مكتسيًا تمامًا بطابع إسلامي، مطالبًا بثقافة يمتزج فيها العلم بالإيمان فيرتوي منها العقل والنفس جميعا (ملحق السياسة 1932) ويوضح هيكل موقفه الجديد في كتابه “منزل الوحي” قائلاً “لقد خيل إلي زمنا كما لا يزال يخيل إلي أصحابي أن ننقل من حياة الغرب العقلية كل ما نستطيع نقله، لكنني أصبحت اخالفهم في الرأي في أمر الحياة الروحية، وأري أن ما في الغرب منها غير صالح لأن ننقله، فتاريخنا الروحي غير تاريخ الغربيين وثقافتنا الروحية غير ثقافتهم، ولا مفر إذن من أن نلتمس في تاريخنا وثقافتنا وفي أعماق قلوبنا وأطوار ماضينا هذه الحياة الروحية، ولقد حاولت أن أنقل لابناء لغتي ثقافة الغرب المعنوية وحياته الروحية لكنني أدركت انني اضع البذر في غير منبته فإذا الارض تهضمه ثم لا تتمخض عنه ولا تبعث الحياة فيه، ثم رأيت أن تاريخنا الاسلامي هو وحده البذر الذي ينبت ويثمر (د. محمد حسين هيكل.. منزل الوحي- (1936- ص 26من المقدمة) وتمدد هذا الموقف المتراجع ليشمل كثيرين كالعقاد الذي تفرغ لكتابة العبقريات وطه حسن وعلي عبد الرازق ومصطفي عبد الرازق وغيرهم.. ويفسر بادو ذلك الموقف قائلاً:”إن الدين قد رجع إلي مسرح الاحداث ولكنه ليس احياء عقيديا وإنما احياء سياسي اجتماعي ليس فيه اجتهاد ديني وإنما هو مجرد استخدام الدين لتحقيق اهداف سياسية (بادو- وآخرين- التطور في الدين- ترجمة نقولا زيادة ص 246).. ولكن احمد لطفي السيد وجماعته لم يدركوا أن ثمة اشياء تفقد جوهرها مع اقتسامها فلا تستطيع أن تكتفي بنصف ديمقراطية أو نصف ليبرالية.. وكانت هذه المراجعة الفكرية تراجعا وضع فكرة الديمقراطية والليبرالية ذاتها.. علي حد السيف.

التعليقات متوقفه