لليسار در: رحيل ” جلال طالباني “

88

 

في 3 أكتوبر الحالي رحل عن عالمنا قائد وزعيم ورئيس سابق للعراق ، هو الصديق  “جلال طالباني ” أو مام ” العم ” كما يناديه  رفاقه ومحبوه في كردستان ، وكان “طالباني” قد أصيب بجلطة دماغية عام 2012 ، وتدهورت صحته في الفترة الأخيرة وسافر إلى ” برلين” بألمانيا للعلاج حيث وافته المنية ووصل جثمانه يوم الجمعة الماضي 6 اكتوبر إلى إربيل عاصمة كردستان العراق.

تعرفت على ” جلال طالباني ” عن قرب في اكتوبر عام 2000 عندما ذهبت متسللا للعراق من سوريا عبر نهر دجلة عند مثلث ” خابور ” حيث تلتقى حدود العراق “كردستان” مع الحدود السورية والتركية للمشاركة في الاحتفال بمئوية الشاعر الكبير ” محمد مهدي الجواهري”.

وتكررت لقاءاتنا بعد ذلك في كردستان ” أربيل والسليمانية” في ابريل 2006 ومايو2007 ثم في بغداد في ابريل 2008.

كان لنا لقاء وحيد في القاهرة عندما قام ” جلال طالباني” وكان رئيسا للعراق بزيارة رسمية للقاهرة بدعوة من رئيس مصر في ذلك الوقت ” حسني مبارك” وأقام في جناح خاص بأحد الفنادق لمدة يومين ” نوفمبر2007″ . اعتزم زيارة” خالد محي الدين” في منزله ، ولكن الزيارة تعذرت لأسباب أمنية ، فدعا” خالد ” و”د. رفعت السعيد” و” حسين عبد الرازق” و” فريدة النقاش” من قادة حزب التجمع الذين عرفهم وصادقهم للغذاء على مائدته في مقر إقامته.

وكان اللقاء الأخير في بغداد في 29 ابريل2008.

و” جلال طالباني ” هو أول رئيس كردي للعراق منذ مولد الدولة العراقية مطلع القرن الماضي ، وهو مسلم علماني ، ولد طالباني عام 1933 في مدينة” طلكان” قرب سد دوكان الشهير في كردستان .

بدأ نشاطه العام كموجه لجمعية سرية للطلبة الأكراد وهو مازال طالبا في المدرسة الثانوية في كركوك ، وانتسب عام 1951 إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة ” الملا مصطفى البرزاني” حزب الحركة القومية الكردية ، وانتخب عضوا في لجنتها المركزية وهو في الثامنة عشرة من عمره ، التحق بكلية الحقوق عام 1953 ، ولكنه لم يتخرج فيها إلا عام 1958 ، حيث اضطر للاختفاء عام 1956 بعد صدور قرار بالقبض عليه لنشاطه دفاعا عن الحقوق الثقافية والسياسية للكرد كسكرتير عام لاتحاد الطلبة الكردستاني ، وترأس ـ وهو مازال طالبا ـ رئاسة تحرير صحيفتين كرديتين ، صحيفة خوات ” أي ” النضال ” وصحيفة ” كردستان” واستدعي جلال طالباني للخدمة العسكرية في الجيش العراقي عام 1959 ، ليلتحق عقب انفجار المواجهة بين قوات الحكومة المركزية وقوات ” البشمركة” الكردية عام 1961 ، وليصبح مسئولا عسكريا لجبهتي كركوك والسليمانية ، وكون”طالباني” مع عدد من قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني اليساريين تيارا اشتراكيا داخل الحزب لمواجهة التيار العشائري البرزاني ، انتهى بعزله والمتمردين وتأسيس” الاتحاد الوطني الكردستاني ” عام 1975 وعقب الغزو العراقي للكويت وطرد الحرس الجمهوري العراقي منها وانتفاضة الجنوب والشمال والقمع الذي مارسه جيش صدام في كردستان ، وفرض الحصار على العراق وانسحاب الجيش العراقي من كردستان ، تولي جلال طالباني رئاسة حكومة السليمانية “وتولى مسعود برزاني رئاسة حكومة اربيل”.

ويلفت طالباني النظر من أول لقاء ويكسبك صديقا ، ببساطته الآسرة وحكاويه الدالة وخفة ظله ، وله علاقات واسعة بالقادة والمثقفين العرب ، اليساريين خاصة ، وشعبيته داخل حزبه ، وموقفه بالغ التقدم من المرأة ، وقد التقى طالباني بجمال عبد الناصر عام 1957 واقنع عبد الناصر بفتح إذاعة كردية في القاهرة ، كما التقى حافظ الأسد وعديدا من القادة العرب ، وأقام صداقات مع ” خالد محيي الدين” و” أحمد حمروش” و” جورج حبش” و خلال وجوده في دمشق انضم لصفوف الثورة الفلسطينية .

ويقول عنه شاعر العراق والعرب الكبير ” محمد مهدي الجواهري ” في قصيدته ” ماذا أغني” والتي أهداها لجلال طالباني :

شوقا ” جلال ” كشوق العين للوسن

كشوق ناء غريب الدار والوطن

شوق إليك وأنت النور من بصرى

وأنت مني محل الروح في البدن

وأنت من قلة يسخو الزمان بها

تستل من كثرة عبء على الزمن

شوقا إليك وأن المت بنا محن

لم تدر أنا كفاء الضر والمحن

لم تدر أن فراق الصامدين لها

هو اللقاء على نهج من السنن

مستوثق ينتهي سعي الحجيج به

حيث ابتدت صيحة الغادين بالوثن

وشكل الأكراد بزعامة طالباني وبرزاني ـ وبصفة خاصة جلال طالباني ـ نقطة التوازن الأساسية في الخريطة السياسية للدولة العراقية ، فهم ” ميزان ” يمنع من إعادة تشكيل دولة قومية شوفينية ” من جهة ” كلما كانت العراق في ظل نظام البعث وحكم صدام حسين ” ويمنع إمكانية قيام ” دولة دينية ـ إسلامية ” بأي من أشكالها الفقهية والدستورية والحزبية من جهة أخرى .. وهم ضمانة إضافية لتشكيل رئاسة علمانية غير معممة ، وربما غير ملتحية أيضا ، وهم ميزان بين العرب السنية والعرب الشيعة ، ويدافع الأكراد بصلابة عن قيام دولة علمانية في العراق تقوم على أساس ” المواطنة” .

وغياب ” جلال طالباني ” عن الساحة السياسية نتيجة إصابته بجلطة في الدماغ منذ عام 2012 لعب دورا في تعقد العلاقة ونمو الاتجاه الاستقلالي في كردستان ” ورحيله اليوم عن الحياة سيزيد من ضعف حزبه ” الاتحاد الوطني الكردستاني ” ومن قوة اتجاه رئيس الاقليم ” مسعود البرزاني ” وحزب ” الاتحاد الديمقراطي الكردستاني” للاستقلال والانفصال عن العراق ـ رغم الصعوبات الداخلية والإقليمية والدولية التي تعترض هذا التطلع الكردي.

 

التعليقات متوقفه