من ذاكرة جريدة الأهالي ..محمد عودة يكتب :القطاع المفتري

937

*محمد عودة

مشكلة القطاع الخاص في مصر ، وربما مأساته أنه لا يريد أن يظل اقتصاديا وأن ينتج ويربح في حدود القانون والدستور وأنه يصر على أن يكون حزباً سياسياً أيديولوجيا ويتطلع لأن يملك ويحكم وأن يستأثر بالسلطة والثروة ، وأن يعيد عقارب الساعة بل ويصوغ المجتمع وطريقة حياته وفق مصالحه وهواه ! .

وكان هناك طريق أفضل وأسهل ليحقق عبره طموحاته ، وذلك بأن يثبت جدارته وأهليته ، وأن يقدم البديل والحلول وأن يقتدي بما يفعل القطاع الخاص في المانيا ، المهدمة ، أو اليابان ، المسحوقة ، أو بما قدم في الهند والصين وكأننا مضرب المثل في التخلف .. ولكنه سلك طريقا أخر .

ومنذ انقلاب مايو 1971 وانتقلت الولاية إلى القطاع الخاص ، تأكدت وتوطدت منذ 1974 بإعلان الانفتاح بلا ضوابط وبدلا من أن يعكف على إثبات ذاته وعلى الإنتاج والربح المشروع .

أنصب بكل جهده على تصفية خصم لدود قرر أنه لابد من إزاحته لكي تستقيم الأمور وهو القطاع العام .

ولم تقف الحرب ولازالت على أشدها وكلما أعلن عن برنامج للإصلاح هب الحزب ليؤكد مطلبه الأول وينادي الآن أنه لابد أن يكون محور  مشروع الألف يوم .

وخلال ما يقرب من عشرين عاماً من ولاية القطاع الخاص تدفقت الموارد الداخلية والخارجية كما لم تتدفق خلال أي حقبة مضت وأطلقت يده ليصول ويجول وسخرت كل السياسات لتشجيعه بل وتدليله ، وكما لم يحدث في أي البلاد الرأسمالية ، أو النامية ، وكانت النتيجة هي ما نعيشه ونعانيه .. أليمة مريعة ! .

ولم يحدث في أي عصر سابق أن أزداد الأغنياء غني والفقراء فقرا ، ولم يحدث أن اختل الاقتصاد تحت وطأة التضخم المتصاعد والديون الثقيلة والعجز في الميزانية وفي كل الموازين التجارية والمالية ولم يحدث أن تفشت البطالة وإن شاعت الجريمة والرذيلة ، وأن فقدت الأغلبية الساحقة الثقة والأمل .

ومنذ عصر الفضائح المالية الكبرى في القرن الماضي لم تشهد مصر ما شهدت على يد نجوم القطاع الخاص .. وأصبحت أسماء سامي حسن ورشاد عثمان ، وعصمت السادات ، والريان على سبيل المثال لا الحصر ، أساطير ورموزاً لطريقة حياة العصر !! .

وأهم صفات القطاع الخاص عندنا أنه قطاع مفتري ، وهو حتى الآن لا يتردد أو يتحرج في طلب المزيد من الامتيازات وقد تطورت ، الرأسمالية ، وأصبحت ، دولة الرعاية الاجتماعية ركنا أساسياً من أركان النظام ، ولكن يطالب القطاع الخاص عندنا ، برأسمالية ، تاتشرية ، تنتزع كوب اللبن من فم الأطفال الفقراء لأن كل فقير مسئول عن فقره .

ولن يتحقق أي إصلاح في ألف أو عشرة الاف يوم إلا إذا لزم القطاع الخاص ” حدوده” وإذا ما قدم حسابا ونقدا لأدائه ، وإذا ما تقدم ببرنامج متكامل يشخص المشاكل ويطرح الحلول ويفصل منهج التنفيذ ثم أن يرفع يديه عن القطاع العام وأن يكف عن حملاته وأن يعترف بأنه هناك ليبقى .

ولم يقم القطاع العام صدفة أو نزوة أو فرضا من أعلى ، ولكنه بعد أن استنفد ، القطاع الخاص ، كل فرصة وبعدما وفرت له ، الثورة ، على مدى تسع سنوات طويلة المقدمات وحتى أثبت عجزه وفشله وأكد أن كل ما تعبنا في ظل نظام ثوري كان الربح في أسرع وقت وبأي طريق وعلى حساب الأغلبية المحرومة .

ولم ينكر القطاع العام منذ قيامه دور القطاع الخاص المنتج وقد وفر له كل الظروف والفرص وفتحت له كل أسواق العالم وبدا نموذج في التكامل والتنافس بين القطاعين أشادت به كل دوائر التنمية في العالم الثاني .

وقد أثبت القطاع العام أهليته وجدارته في كل المراحل ، وكان عماد الحرب والسلم ، وطريق الكفاية والعدالة ، واعترف العسكريون أنه كان عاملاً حاسماً في نصر اكتوبر ، واعترف الاقتصاديون الوطنيون ، أنه أنقد مصر من المجاعة ، ولازال يفعل وصمد القطاع العام لكل الغارات والهجمات وسوف يصمد لأنه يستمد وجوده من إيمان الشعب به وحرصه عليه ، وهو نصيبه الذي خرج به من كفاحه الطويل المرير وإذا لم يعترف المصلحون بهذه الحقيقة فلا جدوى .

الأهالي 2 يناير 1991

تعليق 1
  1. علاء احمد شريف يقول

    من فضلكم للكاتب الكبير محمد عوده مقال عن حرب يونيو .. اعتقد عنوانه ندابات ٥ يونيو .. برجاء إعادة نشرة

التعليقات متوقفه