ماجدة موريس تكتب:أنا لم أعد هنا

788

أنا لم أعد هنا

 ماجدة موريس

مراهق متلون،يبدو طفلا احيانا،وفِي لحظات يتحول الي مراهق مجنون بالرقص والغناء وسط مجموعة ضخمة من أمثاله من الاولاد والبنات ،والذين يرتدون ملابس رخيصة كرنڤالية الطابع،بألوان مبهجة، في ساحة واسعة  ،وسط مساحات أوسع من الارض ،تبدو بلا صاحب ،ويبدو فيها صاحبنا المراهق مميزا للغاية من خلال شعر اسود يبدو عجيب المنظر،فهو حاد الزوايا،مستطيل،  وكأنه ملزوق ،وكأن صاحبه قد ولد به هكذا،وفيما بعد سنعرف انه ينتمي لأحد العشائر ذات التقاليد الخاصة في المكسيك ومنها الالتزام بشكل خاص في الشعر،والملابس،واللغة ،وهي تقاليد تجاوزها الزمن الحالي،ووضعته في مشاكل عديدة بعد فقدان أخيه،الوحيد الباقي من عائلته ومشاعر بالفقد،والعزلة تحاصره بعد ان قرر ان يغير حاله ويتوجه الي العالم خارج قريته بحثا عن عمل وعن مصير أفضل وهكذا يرسم لنا المخرج والكاتب( فرناندو فرياس )حياة بطله ( الضائعة،والباحثة عن اي بر آمن وسط ظروف معقدة،تبدأ بالوصول الي منطقة الحدود القريبة حيث ساحة الرقص والغناء (وتعاطي المخدرات)والاندماج مع الآخرين من الاولاد والبنات به،و الذي كان يبدو ذات نفوذ بينهم ،واعجاب البعض بهيئته،شعره وملابسه،خاصة فتاة أسيوية الملامح دعته الي منزلها،وحاولت التواصل معه بالانجليزية ،ولكنه لم يكن يعرف إلا الإسبانية المحلية لأهل عشيرته،فأحضرت له قاموسا وعلمته كيف يبحث عن الكلمات ،وطاوعها  لانه كان يريد عبور الحدود الي الجانب الآخر، أمريكا،باحثا عن العمل ،ويغافلهم ويعبر ،ويعيده رجال الحدود ويقرر الانتظار لفرصة اخري ،ويقرر التخلص من اي معوقات،خاصة شعره المريب !بعد ان اصبح علي يقين انه لن يستطيع الاستمرار علي هذا النحو وان فرصته الوحيدة هي العبور الي الجانب الآخر اسم الفيلم هو (أنا لم أعد هنا)، اما البطل المراهق يوليسيس( چوان دانيال جارسيا ) فقد تماهي مع كل لقطة فيه وكأنه يعيشها حقيقة وهو ما أضاف للفيلم حيوية كبيرة بسبب أدائه ولان بقية ممثلي الفيلم من الشباب والشابات،مثله وايضا لان المخرج المؤلف فرياس جعل لمساحات الموسيقي والرقص دورا دراميا واضحا  في تعبيرها عن أزمة الشباب الذي لا يجد ما يفعله الا التجمع للرقص والغناء والمخدرومحاولة تضييع الوقت بأي طريقة، وساهمت كاميرا مدير التصوير داميان جارسيا في التعبير بقوة عن هذه الحالة من الضياع وفي تعميقها من خلال تعامل الشباب مع الموسيقي والرقص والغناء وكأنها الحياة  التي لا مفر منها وهو ما يدهش المشاهد للفيلم في البداية لإحساسه انه يعطي اهتماما استثنائيا لهذه المشاهد لكن الدهشة تزول حين نغوص في اعماق البطل وامثاله من الضائعين والضائعات، في رقص مفتوح ومستمر كالهذيان، علي تلك التبة الواسعة  وكأنها اللقمة التي ألقيت اليهم لتلهيهم عن الغضب فيلم يبدو أقل صعوبة مما هو عليه،  وما استلزمه من الدخول بالكاميرا الي عمق الاحداث، ومطاردة شخصياته،والالتصاق بهم احيانا ،ربما ليجيب علي أسئلة عديدة،بدون كلمة واحدة،عن سوء احوال هذا الشباب،و عن السور الذي يريد الرئيس الامريكي ترامب بناءه لمنع ابناء المكسيك من العبور لبلده وليطرح علينا صورة صادقة ،لا تفتقد البلاغة والعمق الكافيين لإدراك الكثير مما لا نعرفه عن عالمنا  وهو ما جعله يحصل علي جائزتين من جوائز المسابقة الرسمية للمهرجان ،الاولي هي جائزة أفضل ممثل لبطله چوان دانيال ،والثانية هي الجائزة الكبري،اي الذهبية لمهرجان القاهرة السينمائي مساء الجمعة الماضي ،وحيث صعد مخرجه لتسلم الجائزة وليقول كلاما في غاية الاهمية فقد بدأ التحضير للفيلم منذ سبع سنوات،وفِي كل هذا الوقت ذهب مرارا لتجار المخدرات في  منطقة رقص الشباب ليسمحوا له بالعمل وبتصوير الفيلم !!

التعليقات متوقفه