الأديب سمير الفيل لـ”الأهالي”:الكتابة القصصية أكثر اقترابا من الواقع.. لكن لا تعيد استنساخه

*كيف يحارب الجندي بلا خوذة..  كان سؤالا أساسيا في قصص عن الحرب..*عبد الرحمن الأبنودي نصحني أن أكتب يوميا في كشكول أثناء اعارتي للسعودية..*الكتابة للطفل صعبة.. والمسرح المدرسي يخلص مصر من الأفكار المتشددة

892

حوار عيد عبد الحليم

سمير الفيل شاعر وقاص مصري صاحب تجربة عريضة ومميزة في الكتابة الأدبية والعمل الثقافي لما يقرب من خمسين عاماً ، حاصل على جائزة الدولية التشجيعية في القصة القصيرة عن مجموعته ” جبل النرجس ” بدأ حياته الإبداعية كشاعر ، أصدر عدة دواوين ، ثم انتقل إلى كتابة القصة القصيرة ، والتي أصبحت فيها حضوراً لافتاً ، كما أصدر عدداً من الروايات منها “رجال وشظايا” و”ظل الحجرة” و”ميض تلك الجبهة” ، هنا حوار معه حول تجربته الإبداعية .

* كيف ترى تجربتك مع الكتابة ؟

** تجربتي بدأتها كشاعر عام 1969 أيام حرب الاستنزاف قدمني الأبنودي في قرية ” كفر البطيخ ” وفي نفس الشهر قدمني شيخ أدباء دمياط محمد النبوي سلامة ، مع أصدقائي بدأنا من تجربة الحرب كل ذلك أثر في تجربتي الشعرية التي أسفرت عن خمسة دواوين أولها الخيول وأخر ديوان سجادة الروح عام 2000 .هناك نقطة حاسمة قد أن أتجه إلى السرد كلية منذ ذلك التاريخ عام 1974 قدمت نصاً لمسابقة صباح الخير ومنظمة الشباب وقتها استخدمت فيه برديات فرعونية كان نصاً سردياً تحت عنوان ” في البدء كانت طيبة ” استلهمت نصوصا فرعونية عثرت عليها في كتاب العلامة سليم حسن ” مصر القديمة ” .وحصلت على المركز الأول وسلمني الجائزة وزير الثقافة وقتها يوسف السباعي .كنت أكتب الشعر عرفت في محافظتي كشاعر ، ولكن في القاهرة عرفت ككاتب قصة.نشرت لي قصة ” خوذة ونورس وحيد ” عام 1975، ثم نشرتها بعد ذلك في مجموعة حملت نفس العنوان عام 2001 .

هجرة الشعر

* بعد تجربة طويلة مع الشعر لماذا أتجهت كلية لكتابة القصة القصيرة ؟

** عندي يقين أن الشعر يعتمد على دافع فردي ، وموهبة ومفارقة الواقع ، الشعر أكبر إلى التأملات ، واللوامع الفكرية ، وهذا كله يرمى في فضاء دهشة ، إنما أنت في القصة القصيرة تقترب من الناس وتستطيع التعبير عن آلامهم ، خاصة أنني أبن بيئة شعبية ” حارة معري ” في دمياط .أكتشفت أن الكتابة القصصية هي أكثر اقتراباً من الواقع ، لكنه لا تعيد استنساخه ، ولكنها تعكس المرارات والخيبات التي تمر بالإنسان .والقاص هو الأقدر على التعبير عن ذلك ، حين أن أكتب قصة ما أحس بها ويدخلني الألم . مثل قصة ” نرجس ” و” مشيرة ” و” تمر حنة ” .

* هل أنت كاتب واقعي ؟

** لا أكتب الواقع الصرف بالنسبة لي الواقعية تعني الواقع في حالات تحوله ، وكذلك أثناء صيرورته ، المواقف تتبدل ، واللغة تحدث قاموسها باستمرار ، والكاتب الذي لا يستطيع أن يطور صيرورته ، المواقف تتبدل ، واللغة تحدث قاموسها باستمرار . والكاتب الذي لا يستطيع أن يطور أداءه اللغوي والأسلوبي لا يعول عليه ، لأن الكتابة ليست نقلا للواقع ولكنها تنقل الواقع بأدوات فنية ، وإذا وقع الكاتب في النقل الحرفي فقد افتقد أكبر نعمة وهي نعمة الخيال .أحببت عبد الحكيم قاسم وسعيد الكفراوي ، ومحمود الورداني وبهاء طاهر . ومن الاجانب أقف أمام ثلاثة تشيخوف ، كاتنزاكس خاصة كتابة ” الطريق إلى جريكو” والبير كامي في رواية الغريب .وأحببت جداً رواية ” ليس على رصيف الأزهار من يجيب ” للكاتب الجزائري مالك حداد .أحببت في ” يوسف إدريس ” واقعيته الريفية خاصة في مجموعتيه ” أرخص ليالي ” و” بيت من لحم ” وروايته المظلومة ” البيضاء ” .واعتقد أن الكاتب الذي لم يقرأ شكسبير خسر كثيرا وفقد كثيرا من حكمة الحياة وقضاياها الكبرى .وأنصح أي كاتب بقراءة شكسبير بشكل مكثف .

أدب الحرب

* لك تجربة مهمة في أدب الحرب ، وكنت من أوائل الكتاب الذين كتبوا عن هذه التجربة ـ كيف بدأت الفكرة عندك في ذلك وكيف تطورت ؟

** الغريب أن النقاد الأدباء يضعونني ويصنفونني كأديب شارك في حرب اكتوبر ، لكنني لم أكن كذلك ، لكنني من أوائل من تبنوا كتابة المقاومة من خلال أول رواية لي كتبتها عام 1975 ، وهي ” رجال وشظايا ” لكنها لم تصدر إلا عام 1990 .دخلت الجيش عام 1974 قابلت عدداً من المحاربين كلهم دخلوا الحرب وشاركوا فيها ، بل أنني جندت في منطقة مابين ” الدفرسوار ” و” سرابيوم ” فدونت الحوارات مع هؤلاء واحتفظت بها ، بالإضافة إلى الشاعر مصطفى العايدي ، كان محاربا في 1973 ، وكان من ضمن مصادري .بالإضافة إلى ذلك شاهدت أماكن الحرب ، وجلست أنصت للمحاربين .كان همي عند الكتابة عن الحرب كنت أعود بالقرى والمدن التي أتى منها المحاربون ، وكان سؤالي الأساسي في كل قصصي عن الحرب ـ كيف يحارب الجندي بلا خوذة ؟ بمعنى كيف يحارب بإجادة رغم صعوبات الحياة التي يعيشها .في مجموعة ” شمال يمين ” نشرت رويتر عنها تقريرا بثه ” د. جورج حجا من بيروت أن هذه من الأعمال التي  تناولت الحرب من منظور إنشائي وليس من منظور إعلامي .اهتمامي بالجزء الإنساني يرجع إلى أنني منذ بداياتي أنتمي إلى فكرة العدل الاجتماعي والمساواة ، أنا يساري بدون تنظيم .أنا في كل نص جديد أكتبه أن أعبر عن المسكوت عنه في الواقع ، والقضايا الكبرى مثل الحب والعدم ، وغيرها من خلال إناس قابلتهم صدفة في الحياة ، أنا لا أكتب إلا عما أعرفه .

* جبل النرجس المجموعة القصصية الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية 2016 ، كيف ترى هذه المجموعة في إطار تجربتك الإبداعية . .؟

** عندي ثلاثة مجموعات كانت تعبر عن حالة واحدة ، وهي درس الانفتاح الاقتصادي ، كيف أثر تأثيرا سلبياً على المجتمع المصري وأحدث بداخله إنكساراً نفسياً ، وأرى أن الشيء المؤسف في حياتنا هو التردي الذي كانت نتيجة الانفتاح الاقتصادي ، بالإضافة إلى أن هذه المجموعة تنتقد الدين الشكلي في المجتمع .جبل النرجس وحمام يطير ، و” الأبواب ” المجموعات الثلاثة كتبت في وقت متقارب ، أما من الناحية اللغوية أردت الحفاظ على حيوية اللغة وحيوية الشخصيات ، فهي بنت الواقع الذي عشته ، ولدى خبرة في التعامل مع تلك الشخصيات ، وأنا أكتبها تكاد تتحرك أمامي على الورق ، عيني كانت تراقب الحدث وتسجله وتدونه لكنها لا تتورط فيه ولا تصدر أحكاما قيمية.

* هل التنوع في الكتابة أضاف إلى تجربتك أم أخذ منها ؟

** أنا أكتب جميع الأجناس الأدبية ، إلى الآن أشارك بكتابة أغاني المسرحيات ، وتعاملت كثيرا مع مخرجين مثل ناصر عبد المنعم ، كتبت أغاني مسرحية ” خشب الورد ” و” المجانين ” .وحول الكاتب المسرحي محمد الشربيني ديوان شعري لي إلى مسرحية تحت عنوان ” غنوة حكاكي “لا أرى أن هناك فواصل أدبية بين الأجناس الأدبية المختلفة ، كتبت إعداداً مسرحياً لعدد من العروض .لقد أخلصت لفن القصة القصيرة ، حتى الرواية اكتفيت بثلاثة أعمال وهي ” رجال وشظايا ” و” ظل الحجرة ” و” ميض تلك الجبهة ” وعندي روايتان تحت الطبع هما ” نظارة ميدان ” و” أبتسامة يناير الحزينة  ” .استفدت من ” نتالي سروت ” قرأتها في نهاية الستينات مجموعة ” انفعالات ” استفدت من تكنيك كتابة المجموعة في مجموعة ” اللمسات ” .أرى أن الكاتب عليه أن يتحرر من التكرار ويكتب من زاوية مختلفة .

* عشت فترة اغتراب عن الوطن ، ماذا أضافت لك هذه التجربة وماذا أخذت منك ؟

** ذهبت كمدرس ابتدائي في مدينة الدمام بالسعودية عام 1991 إلى 1995 فالتقفتني جريدة اليوم السعودية وكان رئيس تحريرها ” خليل الفزيع ” ، وكان مسئول مكتبها في القاهرة الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش ، واستفدت من هذا العمل أنني تابعت الحركة الثقافية فكتبت عن روائيين وكتاب قصة ، وكان هناك مجلة ” النص الجديد” وكان يشرف الشاعر على الدميني كتبت فيها لفترة .أعتقد أن أنني أحدث حراكا في المكان الذي تواجدت فيه .كان هناك مجموعة جيدة من المثقفين مثل على الدميني ، ومحمد الدميني ، وعبد الرحمن السليمان ، وأحمد الملا وغيرهم  . قبل السفر قابلت الشاعر عبد الرحمن الأبنودي ، قال لي هل تذهب إلى السعودية ، لو ذهبت حين تعود ستعتزل الكتابة ، ونصحني أن أكتب يومياً في كشكول .فكتبت وفق نصيحته كل يوم حتى أتممت مجموعة قصصية هي ” أرجوحة ” صدرت عام 2015 وتجد فيها البطل مهددا دائماً من أشياء كثيرة .

* لك أعمال في مجال أدب الطفل ؟

** العطاء الأكبر لي كان في المسرح المدرسي ، وقدمت مسرحيات غنائية كثيرة مثل ” حكايات خضرا ” و” بطل من بلدنا ” و” حكاية الولد فزاع ” ، وحاولت فيها أن أبث في الولد روح الشجاعة بالإضافة لكتابين في القصة للطفل مثل ” المصور البارع ” و” القرش الضحوك “وأرى أن الكتابة للطفل صعبة للغاية خاصة في المراحل الأولى ، ومازلت أقابل أطفالا صغارا فرأيتهم حين كبروا أصبحت شخصيتهم تميل إلى العدالة والصدق .أذا أرادت مصر أن تتخلص من الفكر المتشرد عليها بالمسرح المدرسي ،واتذكر أستاذي في المدرسة الابتدائية ” رفعت قطابية ” الذي علمنا ونحن صغار حب الفن حيث كان يدير كل يوم في بداية اليوم الدراسي ” طلع الفجر .

التعليقات متوقفه