خلال منتدى خالد محيي الدين..سلوى العنتري: السياسات النقدية لمصر تشجع الاستهلاك بدلا من الإدخار..*عالية المهدي : التضخم أدى إلى نقص القوة الشرائية وانخفاض مستوى المعيشة

594

كتب : أحمد مجدي – تصوير خالد سلامة

قالت الدكتورة سلوى العنتري الخبيرة المصرفية، والقيادية بالحزب الاشتراكي المصري، أنه لا شك أن أول ما يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن الآثار الاجتماعية للسياسة النقدية المطبقة منذ اتفاقية قرض الصندوق، هو موجة التضخم العاتية التى أشعل فتيلها قرار تعويم الجنيه المقترن بتخفيض قيمته في الثالث من نوفمبر 2016. فقد مثل هذا القرار إشارة البدء لسلسة من التدهور السريع والحاد في قيمة الجنيه على مدى عدة شهور، و زيادة  تكلفة كل مستلزمات الإنتاج والسلع المستوردة. وزاد من حدة هذا الأثر رفع أسعار المنتجات البترولية وأسعار الكهرباء والمياه والخدمات الحكومية وتطبيق الضريبة على القيمة المضافة، مضيفة أنه على الرغم أن السياسة الانكماشية التي عمد إليها البنك المركزى المصرى، فضلا عن تراجع معدلات عجز الموازنة العامة، قد أسفرت عن التراجع التدريجى فى معدلات التضخم، إلا أن مجموع الزيادات التراكمية فى المستوى العام للأسعار على مدى السنوات الماضية قد بلغت فى مجملها نحو 60% بما يعنيه ذلك من إطاحة بالقوة الشرائية للجنيه وبمستوى معيشة ملايين المصريين

سلوى العنتري

جاء ذلك خلال الندوة العاشرة من منتدى خالد محي الدين الذي ينظمه حزب التجمع، الأربعاء الماضي، والتي حملت عنوان «السياسات النقدية في مصر وأثارها الاجتماعية».

وأضافت “العنتري لعل أبلغ تلخيص للزيادات التراكمية في مستوى الأسعار، هو أنه رغم كل برامج الحماية الاجتماعية مثل تكافل وكرامة ودعم السلع التموينية وغيرها، أكدت البيانات الرسمية ارتفاع معدلات الفقر من 27.8% إلى 32.5%. بل أن نسبة السكان تحت خط الفقر المدقع، أى مستوى الإنفاق اللازم للبقاء على قيد الحياة، قد ارتفعت من 5.3% إلى 6.2%، مشيرة إلى أن بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تؤكد أيضا أن الطبقة المتوسطة، وخاصة الشريحة الدنيا منها، هي أكثر من أضير بفعل ارتفاع معدلات التضخم. حيث عانى العاملون فى القطاعين الحكومى والعام من أكبر ارتفاع فى معدلات الفقر، يليهم فى ذلك العاملون في القطاع الخاص الرسمى.

وأكدت “العنتري” أن الأثر الاجتماعي السلبي للسياسة النقدية فى مصر لا يقتصر على الجيل الحالى فقط، بل يمتد أيضا إلى الأجيال القادمة، بفعل ما تؤدى إليه تلك السياسة من تشجيع على التوسع فى الديون الخارجية. ونشير هنا إلى أن نسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى الإجمالى قد ارتفعت من 16.6% فى نهاية يونيو 2016 إلى 36% فى نهاية يونيو 2019. إجمالى الدين الخارجى بلغ 108.7 مليار دولار، يتمثل نحو 90% منها فى ديون طويلة الأجل، أى يقع عبء تسديدها على كاهل الأجيال المقبلة. فكل طفل يولد اليوم فى رقبته سداد دين خارجى 1013 دولارا، ولا نعرف كم سيبلغ نصيبه من الدين الخارجى عندما يصل إلى سن الشباب.

وتابعت الخبيرة المصرفية، قائلة : إن السياسة النقدية فى مصر هى التى توفر البنية الأساسية للتوسع فى الدين الخارجى، فمن ناحية يقوم البنك المركزى بالاقتراض تحت مسميات مختلفة لتدعيم الاحتياطيات الدولية، ومن ناحية أخرى فإنه عندما تطرح الحكومة سندات دولية أو تقترض من الخارج تكاد تكون القاعدة هى أن يحصل البنك المركزى على النقد الأجنبي ليضيفه على الاحتياطيات الدولية ويعطي الحكومة المعادل بالجنيه المصرى لكى تسد به عجز الموازنة العامة، الأمر الأهم هو أن هذه الاحتياطيات الدولية تودع بالكامل فى كبرى البنوك الدولية فى الخارج، ولا يتم السحب منها إلا لأغراض سداد مدفوعات الدين الخارجى.. وطبقا لتلك السياسة فإنه كلما زادت الديون الخارجية واستخدمت فى زيادة الاحتياطيات الدولية كلما توفر ضمان أكبر للدائنين وارتفع التقييم الائتمانى لمصر وتمكنت من التوسع في الاستدانة مجددا.

وأشارت «العنتري» إلى أن البعض يقول إن الاستدانة من الخارج ضرورة لا مفر منها فى ضوء انخفاض معدلات الادخار المحلى وعجزها عن تمويل احتياجات الاستثمار الحالية على تواضعها، فما بالنا بمعدلات الاستثمار المرتفعة التى نحتاجها لتحقيق نقلة حقيقية فى هيكل الاقتصاد المصرى ومستويات المعيشة، إلا أن هنا يلاحظ أنه بدلا من أن تتجه السياسة النقدية إلى تعبئة المدخرات المحلية والعمل على رفع معدلاتها نجدها تعمل على حفز الاستهلاك، مشيرة إلى قرار البنك المركزى خلال الشهر الماضى وبالتحديد فى 19 ديسمبر 2019 والذي يرفع الحد الأقصى لأقساط القروض الاستهلاكية (شخصية، بطاقات ائتمان، سيارات، تمويل عقارى) إلى 50% من الدخل الشهري للفرد بدلا من 35% منه، وهي سياسة تشجع على الاستهلاك بدلا من الادخار، بحيث يصبح البديل الوحيد المتاح هو التوسع في الاستدانة من الخارج والسعى إلى اجتذاب الاستثمارات الأجنبية.

وقالت، إن المتابع لمبادرات البنك المركزى خلال شهر ديسمبر يلاحظ بوضوح طبيعة الانحياز الاجتماعي للسياسة النقدية. فهناك مبادرة لتوفير تمويل مدعم بسعر فائدة 10% متناقصة للإسكان الفاخر. البنك المركزى يقول إنها مبادرة لتمويل إسكان الطبقة المتوسط، لكن الطبقة التى يتوجه إليها هى التى يصل دخل الفرد فيها إلى 40 ألف جنيه شهريا ودخل الأسرة 50 ألفا. ولهذه الطبقة يخصص البنك المركزى 50 مليار جنيه تقدم لشراء وحدات سكنية كاملة التشطيب لا تتجاوز مساحتها 150 مترا ويصل ثمنها إلى 2.25 مليون جنيه، والملحوظة الأهم أنه كان هناك بالفعل مبادرة قائمة لتمويل الإسكان المتوسط بسعر فائدة 8% فقط وفوق المتوسط بسعر فائدة 10.5%، وفحوى المبادرة الجديدة هو رفع سعر الفائدة للإسكان المتوسط و تخفيضه للإسكان الفاخر! باختصار، وهو ما يعد انحيازا اجتماعيا للشريحة العليا من الطبقة المتوسطة وما فوقها، وتشجيع صريح للاستثمار العقارى الفاخر.

وأشارت “العنتري” على  مبادرة دعم الصناعة والمعلنة أيضا خلال شهر ديسمبر الماضى، والتي تتلخص فى توفير 100 مليار جنيه تمويل مدعم بسعر فائدة 10% متناقصة للشركات العاملة فى القطاع الخاص الصناعى التى يتراوح حجم أعمالها السنوي بين 50 مليون جنيه ومليار جنيه، قائلة: يستخدم هذا التمويل فى شراء الخامات ومستلزمات الإنتاج والآلات والمعدات وخطوط الإنتاج، ورغم الاستبشار خيرا بدعم الصناعة المصرية إلا أنه يلاحظ أن البنك المركزى لم يضع أى شروط تتعلق بطبيعة منتجات الشركات المستفيدة ومدى اتفاقها مع أولويات الاقتصاد المصرى، كأن يشترط مثلا مقابل التمويل المدعم أن تقوم الشركات بإنتاج سلع بديلة للواردات أو سلعا للتصدير، وهو الأمر الذى حرص عليه فى مبادرته الخاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

واختتمت قائلة:  يلاحظ  أنه على الرغم أن المشروعات متناهية الصغر، وفقا لتعريف البنك المركزى المصرى، تشكل القاعدة العريضة من المحلات والورش العاملة فى مصر فإن البنك المركزى لم يقدم حتى الآن أى مبادرة لتوفير التمويل المدعم لتلك المشروعات، وما يحدث فعليا أن البنوك تقوم بإقراض الجمعيات والمؤسسات الأهلية والشركات العاملة فى مجال التمويل متناهى الصغر بأسعار فائدة عادية، وتقوم تلك الجهات بتقاضى أسعار فائدة من العملاء يتراوح عبؤها الفعلى بين 40% و50% سنويا وذلك تحت سمع وأبصار كل من البنك المركزي المصري والهيئة العامة للرقابة المالية.

ومن جانبها قالت الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الإقتصاد والعميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن أي دولة تخضع لدورات اقتصادية صعودًا وهبوطًا، ولكل دولة بعض الأدوات التي توجه بها الاقتصاد، من خلال السياسات المالية والنقدية، وهناك استراتيجيات  للدولة في ادارة الاقتصاد، أما سياسة توسعية أو انكماشية، وذلك يتم عن طريق السياسة النقدية في بعض الامور واهمها، طباعة المزيد من النقود، او تحديد سعر الفائدة، أو تحديد نسبة الاحتياطي القانوني للبنوك، ففي حالات السياسات التوسعية تلجأ الدولة إلى تخفيض أسعار الفائدة، وطباعة نقود مقابل أذون خزانة، وتقلل الاحتياطي القانوني للبنوك، وتلجأ إلى عكس الإجراءات إذا كانت تريد انتهاج سياسات انكماشية.

وأضافت “المهدي” الى ان الاجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية منذ بدء عملية الإصلاح الاقتصادي، هي سياسات انكماشية لمواجهة حالة التضخم الاقتصادي، وذلك عبر رفع أسعار الفائدة، ورفع الاحتياطي القانوني للبنوك، من 10% الى 14%، وذلك لم يمنع من حدوث تضخم انعكس على الأفراد من أصحاب الدخول المحدودة، والموظفين وطبقات اخرى، ومن المفترض ان الادوات التي تستخدمها الدولة لسياساتها النقدية هي أدوات قصيرة المدى لمواجهة الأزمات الاقتصادية، وفي الحالة المصرية كانت الازمة هي التضخم الاقتصادي، مما أدى الى تقليل القوة الشرائية، وانخفاض مستوى المعيشة، وسقوط طبقات اجتماعية من مستوى الى مستوى ادنى، ولكن يمكننا ان نقول ان الامر الجيد هو انخفاض معدل التضخم بصفة تدريجية خلال الشهور الماضية.

التعليقات متوقفه