يحدث فى روسيا: تغيير وزارى ..أم تعديل للدستور يغير نظام الحكم؟

*مصير بوتين بعد انتهاء فترة رئاسته عام 2024.. لا يزال مجهولًا..*إعادة توزيع السلطات من الرئيس لمؤسسات أخرى فى الدولة.. عبر تعديل الدستور

440

*بقلم د.نبيل رشوان        

أعلن الرئيس الروسى، بوتين، فى خطابه إلى الجمعية الفيدرالية، أى البرلمان المكون من مجلسين الدوما ومجلس الفيدرالية، عن إقالة رئيس مجلس الوزراء الروسى ديميترى ميدفيديف.

وكان المواطنون الروس والمحللون السياسيون يتوقعون ذلك عندما انتخب الرئيس الروسى فى مارس عام 2018، وكانت إقالة رئيس الوزراء مطلب شعبى، فلم تكن سياساته الاجتماعية مرضية للمواطنين، لكن المفاجأة جاءت عندما اقترح بوتين رئيس مصلحة الضرائب الفيدرالية، ميخائيل ميشوستين، لمنصب رئيس الحكومة، وقدم اسمه للبرلمان لإقراره كرئيس حكومة، وحصوله على أغلبية كاسحة، ولم يمتنع عن التصويت له سوى أعضاء الحزب الشيوعى الروسى. وابتدع الرئيس بوتين منصبا جديدا لرئيس الوزراء السابق ميدفيديف، وهو منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومى، إقالة ميدفيديف وتعيين شخصية غير معروفة وموافقة البرلمان عليها بأغلبية ساحقة هى بلا شك شهادة على مدى قوة الرئيس بوتين كحاكم.

وأهم ما فى خطاب الرئيس للجمعية الفيدرالية هو مقترحاته الخاصة بتعديل الدستور، فقد اقترح الرئيس الروسى عددا من التعديلات الدستورية المهمة بعضها اجتماعى ويمس حياة المواطنين الروس، وعلى رأسها أن ينص الدستور على أن الحد الأدنى للأجر يجب أن يكون بالقدر الذى يحقق الحدد الأدنى لمستوى معيشة لائق، كما نص على أن المعاشات التقاعدية يجب أن تتواءم مع معدلات التضخم فى البلاد، وهناك تعديل يتعلق بمؤسسة مجلس الدولة، تضم حكام الأقاليم ورئيسى مجلسى الجمعية الفيدرالية والوزراء الفيدراليين، وهو النص على وجوده فى الدستور وتحديد مهامه، كما تنص التعديلات الجديدة على شروط جديدة للترشح لمنصب الرئيس، مثل أن يكون المرشح قد عاش فى البلاد على مدى 25 عاما، وهو ما فسره البعض على أنه محاولة لقطع الطريق على شخصيات مثل ميخائيل خودوركوفسكى، الملياردير النفطى رئيس شركة يوكوس سابقاً، والذى قضى فى السجن عشر سنوات ويعيش الآن كلاجئ سياسى فى الغرب، كما سيدخل تعديل على فترات الرئاسة، وسينص الدستور على أن فترة الرئاسة هى فترتان فقط سواء كانتا منفردتين أو منفصلتين.

الرئيس بوتين كذلك منح البرلمان سلطة تعيين رئيس الحكومة والوزراء من خلال التصويت عليهم، ولا يحق للرئيس الاعتراض على شخصية رئيس الوزراء والوزراء الذين يعينهم البرلمان من خلال التصويت.

فى الدستور الحالى البرلمان يصوت على من يقترحه الرئيس على البرلمان للتصويت، بذلك يكون الرئيس الروسى قد منح البرلمان بعض سلطاته، لكن هناك تناقضا، فمثلاً للرئيس الحق فى إقالة رئيس الوزراء إذا لم يقم بعمله كما يجب، فى كل الأحوال يبدو أن روسيا تتحول جزئياً إلى دولة برلمانية، ورداً على ذلك أكد الرئيس بوتين أنه لن يحول روسيا إلى النظام البرلمانى عندما قال “إن بلادنا ذات المساحة الضخمة، بتركيبتها الأرضيةـ القومية المعقدة والمتعددة الثقافات والعادات التاريخية، لا يمكن أن تنمو، بل إن تكون مستقرة فى شكل جمهورية برلمانية، روسيا يجب أن تبقى جمهورية رئاسية قوية”. بذلك قطع الرئيس بوتين الألسنة على التكهنات بتحويل روسيا للنظام البرلمانى.

غير أن الرئيس بوتين عاد، وأعطى الرئيس حق تعيين وزراء السيادة، بالتشاور مع الجمعية الفيدرالية، وكنوع من التوازن تعطى التعديلات الرئيس الحق فى فى إقالة قضاة المحكمة الدستورية والمحكمة العليا، فى حالة ارتكابهم مخالفات تمس الشرف.

وأشار الرئيس بوتين إلى أن هذا الحق الرئاسى نابع من التجارب العملية. وهناك قضية مهمة وهى مجلس الدولة الذى أشرنا إليه من قبل كمؤسسة تابعة للرئاسة، لأنه يقلص من صلاحيات حكام الأقليم رغم أنهم أعضاء فى المجلس، فهو يحرمهم من حق تعيين رؤساء النيابات فى المناطق المختلفة وهو هنا يحاول ربط الأقاليم بالمركز بقوة، عن طريق أخذ موافقة مجلس الفيدرالية على هذا.

كل هذه التعديلات التى من المفترض أن تناقش ويتم إعدادها وطرحها على المواطنين قبل 1 مايو، اقترح بوتين أن تعرض على الشعب للتصويت عليها، رغم أن البرلمان من الممكن أن يقر هذه التعديلات بأغلبية ثلثى الأعضاء، لكن يبدو أن الرئيس الروسى يريد الدعم الشعبى لتعديلاته الدستورية لإعطائها قوة شرعية، على أى حال لم يستخدم الرئيس بوتين كلمة استفتاء بل تصويت.

الآن وبعد التعديلات يطرح نفسه بقوة سؤال مهم، ماذا سيفعل بوتين بعد انتهاء فترة رئاسته عام 2024، هذا السؤال حتى هذه اللحظة يبقى بدون إجابة، رغم أن خصوم الرئيس بوتين يتهمونه بأنه قام بإدخال هذه التعديلات على الدستور بهدف البقاء فى السلطة، يفترض البعض أن يشغل الرئيس بوتين منصب رئيس مجلس الدولة، هذا المجلس من الممكن أن يعقد اجتماعاته عدة مرات فى العام فقط ورئيسه من الممكن أن يلعب دور “رأس الدولة” الذى يخطط السياسات العامة فى الدولة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه “السيناريو الكازاخستانى” الذى اتبعه رئيس كازاخستان نورسلطان نازابايف، عندما وزع رجاله فى كافة أجهزة الدولة وتنحى هو لكنه يقوم بالإمساك بكافة خيوط اللعبة رغم وجود رئيس للبلاد.

ويشكك الخبراء الروس فى إمكانية تصور الرئيس بوتين فى منصب رئيس مجلس الفيدرالية مثلاً أو حتى رئيساً للوزراء، فهذا يتطلب الكثير من العمل، والرئيس بوتين سيكون قد تخطى السبعين أو على أبوابها عام 2024، وفى نفس الوقت من الصعب أن نقر بأن عملية تعديل الدستور يمكن تفسيرها على أنها إعادة توزيع للسلطات من الرئيس لمؤسسات أخرى فى الدولة، فى انتظار ما سيكون عليه الرئيس القادم، وما إذا سيكون أضعف من الحالى، حينها سيمكن إنقاذ النظام من أخطائه المحتملة، من الممكن أن يكون الرئيس بوتين يقوم بعملية دفاع لاحتمالية أن يكون الرئيس القادم ضعيفا، على أى حال وفقاً للتعديلات التى اقترحها الرئيس بوتين تحولت روسيا إلى نظام رئاسى ـ برلمانى سيكون أقرب إلى النظام الفرنسى من وجهة نظرى.

ويبدو أن الأمور التى طرحها الرئيس بوتين فى التعديلات من ضرورة أن ينص الدستور على أن يكون الحد الأدنى للأجر مرتبط بالحد الأدنى لمستوى المعيشة أى بالأسعار وربط المعاشات بمعدلات التضخم، والإعلان عن زيادة مرتبات المدرسين وتقديم وجبة ساخنة لتلاميذ المدارس وزيادة دعم السيدات المنجبات على الإنجاب، جعلت مقترحات الرئيس بوتين مقبولة لدى الشعب الروسى، فقد أكدت استطلاعات الرأى أن 73% من الشعب الروسى يؤيدون التعديلات الدستورية، وأشارت الاستطلاعات كذلك إلى زيادة شعبية الرئيس بوتين بنسبة 3%.

رغم كل الانتقادات التى توجهها المعارضة الليبرالية الروسية سواء فى داخل روسيا أو خارجها، إلا أن الرئيس الروسى مازال يتمتع بشعبية كبيرة يحسده عليها أى رئيس، فالرئيس بوتين يمكن وضعه فى مصاف قياصرة روسيا العظام مثل بطرس الأكبر وإيفان الرهيب، فقد حافظ على الدولة الروسية بمساحتها الشاسعة، وهى التى كانت معرضة للتفكك والانهيار بعد الاتحاد السوفيتى، فقد استطاع بوتين أن يتخطى العديد من الأزمات لعل أهمها الحركة الانفصالية فى الشيشان، واستطاع بوتين على حد قوله تحقيق الاستقرار الاقتصادى، وجعل من روسيا قوة يعمل لها ألف حساب على الساحة الدولية، وربما رأى الرئيس بوتين أنه بتقاسم السلطة مع البرلمان يرغب فى الخلود إلى الراحة، وفى نفس الوقت يراقب ما ستؤول إليه الأمور بعد اعتزاله، ولذلك يرغب فى مراقبة الوضع عن كثب قبل أن يتنحى ربما على طريقة كازاخستان، لكن يبقى أمامه فرصة للعودة فى حال الانحراف عن الخط الذى سيرسمه من خلال رئاسته لمجلس الدولة أو حتى حزب روسيا الموحدة الحاكم الآن.

التعليقات متوقفه