أمينة النقاش تكتب:في رحاب معرض الكتاب

458

ضد التيار

في رحاب معرض الكتاب

أمينة النقاش 

 

أمسية رائعة، أمضيتها في لقاء مع جمهور معرض الكتاب، أضفت عليها مديرة الأمسية الإعلامية البارعة “دينا قنديل” من ذكائها وثقافتها ما زادها جمالا وحيوية.

وقبل بدء الأمسية كنت بالفعل في رحاب المعرض، أي في كنفه ورعايته، وأنا أتجول في أجنحته المختلفة التي جعلت في متناول أيدينا كل ثقافة العالم الأجنبية والعربية، اكتظت الأجنحة بجمهور من مختلف الفئات والأعمار والجنسيات، وبدت أسر بأكملها تصطحب أطفالا صغاراً تعلو وجوههم علامات تمزج بين الفرحة والدهشة وهم يتنقلون بين دور النشر المختلفة، وبين ندوة وأخرى ليتعرفوا عن قرب إلى رموز الثقافة والفن والفكر في بلادهم من جمال حمدان، إلى عبدالرحمن الأبنودي، ومن سليمان فياض، إلى فريد شوقي.

وبدا الزحام الهائل على أجنحة هيئة الكتاب لما تحويه من كم هائل من الكتب التأسيسية للمعرفة، وبأسعار زهيدة، مكذبًا القول الشائع، أن المصريين كفوا عن القراءة، ومؤكدًا أن المشكلة ليست في الرغبة في القراءة، بل في القدرة على امتلاك وسائلها، التي تبذل الهيئة العامة للكتاب منذ نشأتها وحتى الآن جهودًا جبارة لجعل المعرفة والثقافة والتعلم أمرًا متاحًا أمام الجميع، كالماء والهواء كما تمنى طه حسين .

أعادتني زيارتي الأولى للمعرض في مكانه الجديد في مركز مصر للمعارض الدولية بالقاهرة، لذكريات مكانه الأول في أرض الجزيرة الذي تشغله الأوبرا الآن، وفي يناير عام 1981، تم الإعلان عن مشاركة إسرائيل للمرة الأولى به، كان حزب التجمع قد شكل اللجنة الوطنية للدفاع عن الثقافة القومية، لمكافحة كل أشكال التطبيع الثقافي مع إسرائيل .

اصطحب قادة اللجنة وكان من بينهم أمينة رشيد ولطيفة الزيات وأنجي أفلاطون وصلاح عيسى وحلمي شعراوي وسيد البحراوي وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة بإجمالهم أعضاء حزب التجمع، وتوجهنا إلى معرض الكتاب، وأغلقنا الجناح المحدد لإسرائيل، ووزعنا البيان الذي يطالب رواد المعرض بمقاطعته، وأمطرنا قاعاته بالعلم الفلسطيني .

كانت المفاجأة التي انتابت الجميع، قد أربكت المسئولين عن إدارة المعرض لكن اليوم ما كاد ينتهي حتى تم القبض على صلاح عيسى وحلمي شعراوي وأودعا في الحبس الانفرادي بسجن القلعة، ليكونا أول عربيين يوجه إليهما الاتهام بمعاداة دولة أجنبية تقيم مصر علاقات معها هي إسرائيل.

لكن تلك المظاهرة غير المسبوقة، من حيث حجم الرموز الثقافية والفنية المشاركة فيها، وحجم الجهد التجمعي الذي تم بذله لإنجاحها، كانت السبب الرئيسي الذي أقنع الجهات المسئولة عن إقامة المعرض، بمنع إسرائيل نهائيًا من المشاركة في أعماله منذ ذلك الحين وحتى الآن.

ومن العوامل المثيرة للبهجة في تلك الزيارة حجم الوعي الذي يتحلى به فريق العمل الإداري المكلف بالإشراف على أنشطته، والإجابة عن أسئلة الجمهور والمودة التي يتبادلونها معهم. والواقع أنني لم أسأل سؤالًا إلا وتلقيت إجابة واضحة وسريعة عنه، وساعد على ذلك أن الدخول والخروج من جناح إلى آخر، ومن سرايا إلى أخرى كان سهلًا ودقيقًا، ويقود صاحبه بيسر إلى حيث يريد.

في قواميس اللغة، فإن كلمة رحاب تعني: “الكنف والرعاية”؛ كما سبق القول، كما تعني: “الأرض الواسعة  والمكان المتسع والفضاء المترامي”، هكذا بدا لي المعرض في موطنه الجديد، فضاء من نور تتجاور فيه كل أنواع المعارف والفنون من شتى أنحاء العالم، وتتوحد على أرضه خرائط عالمنا العربي التي أوشكت أن تتمزق وتتغير معالمها، وتقف في قلبه الهيئة المصرية العامة للكتاب صامدة وشامخة بقيادة المثقف المستنير الدكتور هيثم الحاج علي، الذي يدرك جيداً حجم المسئولية الضخمة الملقاة على عاتقه المتمثلة في المساهمة في تشكيل عقل المصريين، والإبقاء على الهيئة قلعة من قلاع الاستنارة ونشر الوعي ومواجهة الزحف الظلامي على عقولنا، وصد الطامعين في وراثة دورها، واعتبار ذلك جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على الأمن القومي المصري.

التعليقات متوقفه