د. جودة عبدالخالق يكتب:هو 25 يناير

767

لقطات

هو 25 يناير

جودة عبد الخالق

صباح الخير، أو مساؤه، أعزائى القراء الكرام. و معذرة للانقطاع عنكم عدة مرات خلال الفترة الأخيرة. أحيانا بسبب حالتى الصحية.  و أحيانا لاستغراقى في إنجاز كتاب “من الميدان إلى الديوان”، الذى نوقش فى معرض الكتاب يوم 25 يناير. بداية، أود تهنئتكم و كل المصريين بعيد 25 يناير. ولا أقول عيد الشرطة أو عيد الثورة.  إن 25 يناير هو العيد الجامع لكل هذه المناسبات، بل أكثر. ففي 25 يناير 1952 هَبَّ رجالُ الشرطة البواسل في الإسماعيلية دفاعا عن تراب الوطن و كرامة المصريين وهم يصيحون في المحتل الانجليزى: “إرحل”. وفي 25 يناير 2011  هَبَّ المصريون عن بكرة أبيهم دفاعا عن حريتهم و كرامتهم  وهم يصرخون في نظام مبارك: “إرحل”. إذن القضية في جوهرها واحدة في الحالتين. وبالتالى، أقترح أن نسميه “عيد 25 يناير”. فما رأيكم أيها القراء الأعزاء؟

أعرف أن بعض القراء قد يختلفون مع هذه الرؤية. و لا بأس؛ فخلاف الرأي لا يُفسِد للود قضية. ولكن حتى يكون نقاشنا موضوعيا، لا بد من التمييز الواعى بين فريقين من المختلفين. فريق يعتبر 25 يناير مؤامرة، والآخر يرى أنها نكبة. وهذا أمر طبيعى؛ فالجَمَال في عين الرائى. فمن يرون أنها مؤامرة هم أعداء الثورة من قوى الثورة المضادة. هم كل المستفيدين والضالعين في فساد نظام مبارك: أعضاء الحزب الوطنى، ورجال الأعمال المرتبطون بالسلطة في علاقة زواج غير شرعى بين المال و السياسة، والبيروقراط و التكنوقراط الذين سَخَّروا مهاراتهم لخدمة السلطة، والسماسرة و المتربحون على حساب الشعب، و الكُتَّاب والمفكرون و رجال الدين الذين قاموا بدور المحلل لاستبداد النظام واستغلاله.  كل هؤلاء في المعسكر المضاد للثورة،. و من الطبيعى أن يروا فيها مؤامرة على مصالحهم، بل على وجودهم ذاته.

ومن يرون أنها نكبة هم كل من تضرر من عواقب اختطاف الثورة، و ليس من الثورة نفسها. هم كل من فقد وظيفته و مصدر رزقه، و عناصر الطبقة المتوسطة الذين اعتصرهم الغلاء، والعمال والفلاحون ضحايا ما يسمى اقتصاد السوق الحر،  المفكرون المستقلون والمثقفون العُضْويِون الذين عانوا من القمع وكبت الحريات العامة على يد الثورة المضادة. هؤلاء جميعا  بدرجات متفاوتة هم ضحايا اختطاف أو سرقة الثورة بواسطة عناصر الثورة المضادة. والوضع المتأزم لكل هؤلاء لا يعود إلى الثورة، بل هو نتاج لسرقة الثورة.  لكن قوى الثورة المضادة تسعى إلى استقطابهم واستمالتهم الى معسكر الثورة المضادة التي هم أصلا من ضحاياها. و هذا يتم  من خلال عملية جهنمية لتزييف الوعى على نطاق واسع.

لقد سُرِقَتْ ثورة يناير مرتين حتى الآن. السرقة الأولى كانت على يد “الإخوان المسلمون”، و السرقة الثانية قامت بها عناصر نظام مبارك. وهذه الأخيرة هي التي تسيطر حاليا على البرلمان والحكومة والاعلام، وتطبق نفس سياسات نظام مبارك، و لكن مع درجة أكبر من البطش بذوى الآراء و التوجهات المخالفة بادعاء الحفاظ على الدولة الوطنية. ولذلك فهم يرون أن ثورة يناير كانت مؤامرة. بل إنهم بالفعل يحاولون دفن تاريخ تلك الثورة، و يهيلون عليه التراب في ميدان التحرير بدعوى التطوير. و لكن التاريخ لا يفنى أبدا، و الثورات لا تموت و إن تعرضت للسرقة مرحليا. هذا أحد قوانين الحركة للثورات. و هذا ما حدث للثورات الكبرى في التاريخ الحديث: الثورة الانجليزية والأمريكية و الفرنسة والروسية. وثورة يناير ليست إستثناء. هي الآن في مرحلة الجزر، لكن مرحلة المد قادمة لا محالة.

التعليقات متوقفه